کما ورد سابقا فالکلام یرتبط بقصة قبیلة بنی ناجیة: کان الخِرِّیت بن راشد النّاجِیّ، أحد بنی ناجِیَة، قد شهد مع علی علیه السلام صِفّین، فجاء إلى علیّ علیه السلام بعد انقضاء صِفّین، وبعد تحکِیم الحَکَمین فی ثلاثین فی أصحابه، یمشى بینهم حتى قام بین یدیه، فقال: لا واللّه لا أطِیعُ أمرَک، ولا أصلّی خَلْفَک، وإنی غداً لمفارق لک; فقال له: ثَکِلَتْک أمّک! إذاً تنقض عهدَک، وتَعْصِی رَبّک، ولا تضرّ إلاّ نفسَک، أخبرْنِی لم تفعلُ ذلک! قال: لأنّک حکّمت فی الکتاب، وضعُفْت عن الحق إذ جَدّ الجدّ، ورکنت إلى القوم الّذین ظلموا أنفسَهم، فأنا علیک رادّ، وعلیهم ناقم، ولکم جمیعا مباین.
فقال له علیّ علیه السلام: وَیْحَک! هلّم إلىّ أدارِسْک وأناظرْک فی السُّنن، وأفاتحْک أموراً من الحق أنا أعلم بها منک; فلعلک تعرف ما أنت الآن له منکر، وتُبْصر ما أنت الآن عنه عَم وبه جاهل، فقال الخریت: فإنّی غاد علیک غداً. فقال علیّ علیه السلام: اغْدُ ولا یستهوینّک الشیطان، ولا یتقحمَنَّ بک رأیُ السوء، ولا یستخفّنّک الجهلاء الذین لا یعلمون; فواللّه إن استرشدتَنی واستنصحتنی وقبلت مِنّی لأهدیّنک سبیل الرشاد.
فخرج الخرِّیت من عنده مُنْصرفاً إلى أهله.
قال عبداللّه بن قُعَین: فعجلت فی أثره مُسْرِعاً، وکان لی من بنی عَمّه صدیق، فأردت أن أَلْقَى ابنَ عمه فی ذلک، فأعلمه بما کان من قوله لأمیرالمؤمنین، وآمر ابنَ عمه أن یشتدّ بلسانه علیه، وأنْ یأمرَه بطاعة أمیرالمؤمنین ومُناصحته، ویخبره أنّ ذک خیر له فی عاجل الدنیا وآجل الآخرة. ثم بعث(علیه السلام) بمعقل بن قیس فقاتل الخریت حتى قتل وأسر أصحابه، فأطلق من کان منهم مسلما وبقى غیر المسلمین، وحین ورد الأسرى الکوفة إشترى مصقلة الأسرى بخمسمئة درهم من معقل وأعتقهم. فدفع مئتی درهم وعجز عن دفع الباقی فخاف وهرب. فخطب الإمام(علیه السلام) بهذه الخطبة.(1)
«قَبَّحَ اللّهُ مَصْقَلَةَ! فَعَلَ فِعْلَ السّادَةِ، وَفَرَّ فِرارَ الْعَبِیدِ! فَما أَنْطَقَ مادِحَهُ حَتَّى أَسْکَتَهُ، وَلا صَدَّقَ واصِفَهُ حَتَّى بَکَّتَهُ، وَلَوْ أَقامَ لاَخَذْنَا مَیْسُورَهُ وَانْتَظَرْنا بِمالِهِ وُفُورَهُ».