الشرح والتفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
نظرة إلى الخطبة 1 ـ بلاء التحریف

أشار الإمام(علیه السلام) إلى الشعار الذی رفعه الخوارج «لاحکم إلاّ للّه» بقوله «کلمة حق یراد بها باطل» ثم بین(علیه السلام)بطلان ما أراده الخوارج من تحریفهم لهذا الکلام الحق بقوله «نعم إنّه لاحکم إلاّ للّه ولکن هؤلاء یقولون: لا إمرة إلاّ للّه» خطأ الخوارج فی هذا الشعار الحق الذی إقتبسوه من القرآن أنّهم أرادوا به أن الحکومة بین الناس للّه، ومن هنا فقد إعترضوا على مسألة التحکیم ورأوها نوعاً من الشرک، وذلک لأنّها منحت الحکومة لغیر اللّه من الأفراد! فمن البدیهی أن یکون الحاکم بین الناس هو اللّه إذا کان الحکم مقتصراً على اللّه، وعلیه لابدّ من إزالة أصل الحکومة، لَما وعلیه من إزالة القضاء والمحاکم بالتبع فهى من قبیل الحکومة التی یمارسها الأفراد. لقد خیل لتلک الفئة أنّها ترید أن تعیش توحید اللّه على مستوى الحاکمیة والتخلص من الشرک فی هذا المجال، إلاّ أنّهم إثر جهلهم وتعصبهم سقطوا فی مستنقع الفوضى والهرج والمرج ورفض الحکومة فی أوساط المجتمعات البشریة، واصیبوا بالهلوسة التی جعلتهم یعتقدون بأنّ رعایة التوحید تتطلب نفی کافة ألوان الحکومة والامرة، غیر أنّهم سرعان ما وقفوا على بطلان مذهبهم فی الحکومة لما شعروا بحاجتهم إلى من یتزعمهم ویحکم بینهم، رغم عنادهم الذی أفرزه جهلهم والذی لم یدعهم یفیقون إلى أنفسهم. مع ذلک فقد قضت کلمات الإمام(علیه السلام)مضاجعهم واستطاعت أن تفعل فعلها فی میدان القتال فجعلت الکثیر منهم یعودون إلى رشدهم فیعلنوا توبتهم بعد أن وقفوا على عمق إنحرافهم، على کل حال فانّ الإمام(علیه السلام)یؤکد فی هذه الخطبة أنّ الحاکم وا لمشرع الاصلی هو اللّه سبحانه; حتى الحکم بین الناس لابدّ أن یستند إلى تخویل منه، إلاّ أنّ هذا لایعنی أن اللّه ینبغی أن یحضر بنفسه فی المحاکم لیقضی ویحکم بین الناس، أو أن یأخذ بزمام الاُمور فیمارس وظیفته کرئیس للبلاد أو والیاً وعاملاً على منطقة، أو أن یوکل هذه المهمة إلى الملائکة فیبعثهم إلى الأرض. فهذا کلام عبثی ولغو فارغ لا یرتضیه من کان له أدنى فهم وإدراک، إلاّ أنّ المؤسف هو أن هذه الفکرة کانت متأصلة فی أفکار الخوارج، ومن هنا خالفوا أمیرالمؤمنین(علیه السلام)واعترضوا علیه: لم قبلت التحکیم؟! وصرح بعض شرّاح نهج البلاغة بأنّ الخوارج یزعمون أن الحکم یتطلب الاذن الإلهی ولابدّ أن یصرح القرآن بهذا الأمر، بینما لم یأذن القرآن لأحد. ولعل هذا هو الذی دفع بعض الاعلام(1) لأن یستدلون على نفی عقیدة الخوارج بالآیة القرآنیة الشریفة الواردة بشأن الحکم فی الاختلافات العائلیة (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَیْنِهِما فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ یُرِیدا إِصْلاحاً یُوَفِّقِ اللّهُ بَیْنَهُما إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِـیماً خَبِـیر)(2). فاذا کانت هذه المسألة الصغیرة تحتاج إلى الحکم فما ظنک بالمسائل المهمة التی یدعو الاختلاف فیها إلى تفشی الهرج والمرج فی صفوف المجتمع، أفلا ینبغی فصل هذه الاختلافات وحلها عن طریق الحکم؟! ومن هنا یرى البعض أنّ الإمام(علیه السلام)لم یکن مخالفاً لمسألة التحکیم فی بعض الحالات، إلاّ أنّه لم یکن یوافق شخص الحکمین وکان یعترض علیهما بشدة.

ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه فی ضرورة تشکیل الحکومة، لأنّ لخوارج. کما أشرنا سابقا ـ لم یخالفوا مسألة التحکیم فی صفین فحسب، بل شککوا فی أصل الحکومة وزعموا عدم الحاجة إلى الحاکم، إلاّ أنّهم رجعوا عن ذلک لما أمروا علیهم عبداللّه بن وهب الراسبی(3). ثم علل الإمام(علیه السلام) ضرورة تشکیل الحکومة والحاکم «وإنّه لابدّ للناس من أمیر بر أو فاجر» لیذکر سبعة فوائد تترتب على قیام الحکومة بعضها یتصل بالجانب المعنوی والبعض الآخر بالجانب المادی وهى: أول: «یعمل فی إمرته(4) المؤمن».(5)

ثانی: «ویستمتع فیها الکافر»، ثالث: «ویبلغ اللّه فیها الاجل»، رابع: «ویجمع به الفیئ»، خامس: «ویقاتل به العدو» سادس: «وتأمن به السبل» سابع: «ویؤخذ به للضعیف من القوی». ثم تفضی هذه الوظائف السبع إلى هذه النتیجة النهائیة المترتبة على الحکومة «حتى یستریح بر ویستراح من فاجر». ویدل التأریخ السیاسی أنّ فئة قلیلة جداً فی الماضی وحتى فی الوقت الراهن هى التی لاترى ضرورة تشکیل الحکومة ـ مستدلة ببعض الأدلة الجوفاء التی سنشیر لها فی البحث القادم ـ والخوارج مصداق لهذه الفئة. وقد رد التأریخ بصراحة على هذه الفکرة الساذحِة فقد رأینا بأم أعیننا وسمعنا بملئ آذاننا مدى الأخطار الجسام التی یواجهها المجتمع إبان إنهیار الحکومة ولو لساعات من قبیل قتل الأنفس وإراقة الدماء وعملیات السرقة والسلب والنهب التی تتعرض لها المؤسسات بل حتى بیوت الناس وانتهاک الاعراض والنوامیس وانعدام الامن والاستقرار وسیادة الفوضى والهرج والمرج الاضطراب وشل حرکة کافة النشاطات الاجتماعیة; کما تصبح البلاد لقمة سائغة للاعداء الذین یعیثون فی الأرض فساداً فلا یسلم المؤمن من شرهم ولا الکافر فتهضم جمیع الحقوق ویعیش الناس الخوف والذعر فمما لاشک فیه أن الف باء الحیاة إنّما یکمن فی إستتباب الأمن والنظام، ثم وجود العناصر المقتدرة التی تقف کالطود الشامخ بوجه العدو الخارجی وعملائه فی الداخل، ولا یتیسر مثل هذا الأمر إلاّ فی ظل الحکومة. وهنا یبرز هذا السؤال: هل یسع الحاکم الفاجر أن یقوم بالوظائف السبع المارة الذکر التی یقوم بها الحاکم البر والعادل؟ فقد ذکرها الإمام(علیه السلام)لکلیهما، بحیث یقوم کل منهما بهذه الوظائف. وللإجابة على هذا السؤال لابدّ من الالتفات إلى هذه النقطة وهى أنّ الحاکم البر إنّما یقوم قطعا بمثل هذه الوظائف، إلاّ أنّها لیست کذلک بالنسبة للفاجر بصورة مطلقة نعم یمارسها بصورة نسبیة، فهو مضطر لاستمرار حکومته أن یراعی النظام، ویقف بوجه العدو الخارجی ویحول نسبیا دون ظلم الظلمة، وان کان فی حد ذاته ظالماً; والاّ فان الناس ستخرج علیه وتتزلزل دعائم حکومته فیطیح به الأعداء، ومن هنا فانّ أغلب الحکومات مهما کان تتسعى فهى جاهدة للقیام بتلک الوظائف المذکورة. ونخلص ممّا سبق أنّ أیة حکومة تتساهل فی الوظائف المذکورة إنّما تکون قد مهدت السبیل إلى تصدع کیانها وإنهیارها. السؤال الآخر هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد فرق بین المؤمن والکافر. فقال(علیه السلام) بشأن المؤمن «یعمل» والکافر (یستمتع) فما علة ذلک؟ والجواب هو أنّ المؤمن لایهدف فی حیاته إلى الاستفادة من الامکانات المتاحة من أجل التمتع العابر، بل هدفه الأصلی الفوز برضى اللّه، وما إستفادته من متع الدنیا إلاّ بالتبع وکونها مطلوباً ثانویاً، ولیس الحال کذلک بالنسبة للکافر، فهو لیس فقط لا ینشد رضى اللّه، بل یقصر همه على هذه الحیاة الدنیا لیتمتع فیها وإن کان ذلک من خلال الحرام والطرق اللامشروعة، ومن هنا صرح الإمام(علیه السلام)بأنّ الحکومة ضرورة للطرفین المؤمن والکافر، یعمل فیها هذا ویتمتع فیها ذاک، ولولا الحکومة لما وسع المؤمن العمل ولا الکافر الاستقرار والتمتع.

قال السید الرضی (ره) فی ذیل هذه الخطبة، وفى روایة أخرى أنّ الإمام(علیه السلام)لما سمع تحکیمهم قال: «حکم اللّه أنتظر فیکم» فالعبارة یمکن أن تکون إقتباساً من کلامهم للرد علیهم فأنتم تقولون الحکم للّه، وأنا أنتظر هذا الحکم فیکم، فانّه سیحکم فیکم بالعقاب الشدید لهذه اللجاجة والجهل وتفریق صفوف المؤمنین. أو أنی انتظر اتمام الحجة علیکم فمن بقی على جهله وتعصبه أجریت علیه حکم اللّه. ثم أضاف السید الرضی (ره) ـ على ضوء هذه الروایة ـ وقال(علیه السلام)«أما الامرة البرة فیعمل فیها التقی، وأما الامرة الفاجرة فیتمتع فیها الشقی، إلى أن تنقطع مدته وتدرکه منیته». ولکن بالاستناد إلى مفهوم هذه العبارة فی أن الفجار یحرمون من التمتع المباح فی حکومة البر، ولا یستشعر المؤمنون الاستقرار والسکنیة فی ظل حکومة الفاجر (وهذا یتناقض وهدف الخطبة فی أنّ الحکومة ضرورة برة کانت أم فاجرة) یبدو أنّ الروایة الاولى أصح وأنسب وأدق.

هذا وقد ورد فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ما یوضح العبارة المذکورة «حکم اللّه أنتظر فیکم»: لما رجع علی(علیه السلام) من صفین إلى الکوفة، أقام الخوارج حتى جموا (جموا بمعنى إستراحوا وکثروا) ثم خرجوا إلى صحراء بالکوفة تسمى حروراء، فنادوا: لا حکم إلاّ للّه ولو کره المشرکون: ألا أنّ علیاً ومعاویة أشرکا فی حکم اللّه. فدخل واحد منهم على علی(علیه السلام)بالمسجد، والناس حوله، فصاح: لاحکم إلاّ للّه ولو کره المشرکون، فتلفت الناس فنادى: لا حکم إلاّ للّه ولو کره المتلفتون، فرفع علی(علیه السلام) رأسه إلیه. فقال: لا حکم إلاّ للّه ولو کره أبوحسن. فقال علی(علیه السلام): إنّ أبالحسن لایکره أن یکون الحکم للّه، ثم قال: حکم اللّه أنتظر فیکم. فقال له الناس: هلا ملت یا أمیرالمؤمنین على هؤلاء فأفنیتهم! فقال: إنّهم لایفنون، إنّهم لفی أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى یوم القیامة. (6)


1. العلاّمة الخوئی 4 / 183 من شرح نهج البلاغة قد أشار إلى هذا المعنى، ویستفاد من التأریخ الکامل لابن أثیر أن ابن عباس احتج على الخوارج بهذه الآیة (الکامل 3 / 327).
2. سورة النساء / 35.
3. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 / 308.
4. «إمرة» على وزن عبرة مصدر أو إسم مصدر من مادة «أمر»، و«الامرة» هنا بمعنى الحکومة.
5. واضح ان الضمیر فی إمرته یعود إلى مطلق الامیر سواء البر أو الفاجر وکذلک ضمیر فیها، ولیس صحیح ما اورده بعض شرّاح نهج البلاغة من أنّ الأول یعود إلى البر والثانی إلى الفاجر، أو کلاهما للفاجر.
6. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 / 310.

 

نظرة إلى الخطبة 1 ـ بلاء التحریف
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma