أشرنا سابقاً إلى أنّ الخطبة وردت بخصوص أولئک الذین أججوا نیران فتنة الجمل; أی طلحة والزبیر ورهطهما. فقد کان کل من طلحة والزبیر یطمع فی الحکومة ولما صرفها الإمام(علیه السلام) عنهما ولم یکن مستعدّاً لتقلیدهما أیَّة مسؤولیة فی حکومته، ثارت ثائرتهما وقادهما هوى أنفسهما لنقض البیعة، وأخذا یجیشان الجیوش بما فیها عائشة ـ زوج النبی(صلى الله علیه وآله) ـ ویهیا لقتال علی(علیه السلام) بذریعة الطلب بدم عثمان(1)، وقد إختارا البصرة ـ التی کانت ممهدة آنذاک لمثل هذه الفتنة ـ مرکزاً لمؤامراتهم الدنیئة على الإمام(علیه السلام).
فالإمام(علیه السلام) یتطرق فی بدایة الخطبة إلى هذه المؤامرة فقال: «ألا وإنّ الشیطان قد ذمر(2)حزبه واستجلب جلبه(3) لیعود الجور إلى أوطانه ویرجع الباطل إلى نصابه».
فهو یشیر(علیه السلام) إلى الانحرافات والاضطرابات التی أعقبت قتل عثمان ومبایعة الاُمّة لعلی(علیه السلام)بالخلافة. والمراد بحزب الشیطان ـ فی الخطبة ـ أولئک الذین تسلّطوا على بیت مال المسلمین أبان حکومة عثمان وتولوا بعض المناصب الخطیرة، کما کانوا یتطلعون للسیطرة على الخلافة، فالإمام(علیه السلام) یحذر الاُمّة من هؤلاء الشیاطین الذین یتربصون بها الدوائر وإنَّهم یحیکون المؤامرات من أجل الاستحواذ ثانیة على بیت المال وممارسة الظلم والجور بحق المسلمین والحیلولة دون قیام الإمام(علیه السلام) بوظیفته فی إصلاح المجتمع الإسلامی وإجتثاث جذور الفساد والانحراف التی برزت واستفحلت فی خلافة عثمان.
وأخیراً یصرح الإمام(علیه السلام) بعدم وجود أى دلیل أو منطق یسوغ لهؤلاء الوقوف بوجه الإمام وقتاله «والله ما أنکروا علىَّ منکراً ولا جعلوا بینی وبینهم نصفاً».
فهو یشیر(علیه السلام) إلى طلحة والزبیر والطائفة التی نکثت البیعة، کما یتطرق(علیه السلام) إلى حجتهم الواهیة المتمثلة بقتل عثمان. ثم یورد(علیه السلام) أقسى العبارات بحقّهما.
نعم لقد تنکرت کافة المصادر الإسلامیة والکتب التأریخیة لنسب قتل عثمان إلى الإمام علی(علیه السلام)، بینما تصرّح بأنَّ الإمام سعى أکثر من غیره لإخماد نار الفتنة، فهو القائل(علیه السلام)«والله لقد دفعت عنه حتى خشیت أن أکون آثماً» فلم یتّبع الناکثون فی هذه الأحکام المتسرّعة، العدل والانصاف بقدر ما تشبّثوا بالکذب والتهمة والظنة. ولا یبدو من الغرابة اللجوء إلى مثل هذه الأسالیب بالنسبة لأولئک الذین یسعون إلى ضمان مصالحهم وتحقیق أهدافهم. وما أکثر ما نشاهده فی عصرنا الراهن من الساسة الظلمة الذین لا یتحفظون عن أبشع الأسالیب الدنیئة من أجل ضمان مصالحهم اللامشروعة.