العرب فی الجاهلیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الأول1ـ آفاق العصر الجاهلی

یتطرق الإمام (علیه السلام) فی هذا القسم من الخطبة إلى أوضاع العرب فی الجاهلیة فیرسم صورة واضحة الملامح عن حیاتهم من خلال الأبعاد الفکریة والعاطفیة والاقتصادیة والاجتماعیة ، بحیث لا نتوصل لهذه الصورة التی رسمها الإمام (علیه السلام)ولو طالعنا کافة المؤلفات التی صنفت بشأن العرب فی العصر الجاهلی. ویبدو أنّ الإمام (علیه السلام) استهل الخطبة بهذا الکلام لیذکرهم بالعصر الجاهلی الذی سبق الإسلام فیقارنونه بما بعد البعثة النبویة الشریفة فیقفوا على قیمة الإسلام ولا یضحوا بهذه القیمة والنعمة من خلال هذه الفرقة والاختلاف وأتباع الأهواء والشهوات ، ولا غرو فقیمة النعم تبقى مجهولة ولا یعرف قدرها إلاّ إذا فقدت فقد قال (علیه السلام): «إن الله بعث محمداً (صلى الله علیه وآله) نذیراً للعالمین وأمیناً على التنزیل».

الجدیر بالذکر أنّ الإمام (علیه السلام) أکد على جانب الانذار فی رسالة النبی (صلى الله علیه وآله) ، بینما نعلم أنّ الانذار قد قرن بالبشارة ، کما ورد ذلک فی عدة آیات قرآنیة ، کالآیة الشریفة (یا أَیُّها النَّبِیُّ إِنّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً وَمُبَـشِّراً وَنَذِیر)(1) وسائر الآیات القرآنیة.(2) غیر أنّ الانذار بالعقاب والتهدید بالعذاب غالباً ما یکون الدافع لحرکة الاُمّة نحو القیام بوظائفها والتحفظ عن ترکها کان التأکید أکثر على مسألة الانذار ، ومن هنا ورد التأکید فی أغلب الآیات القرآنیة على الانذار بشأن رسالة النبی (صلى الله علیه وآله)وسائر الأنبیاء ، ولم تطالعنا أی من الآیات التی اقتصرت على البشارة. وهذا هو الاسلوب الذی اعتمدته القوانین المعاصرة ، حیث رکزت على جانب العقوبة بصفتها الضمانة الإجرائیة الناجحة ، ونادراً ما یعتمد الحث والتشجیع من أجل تحقیق الغرض المذکور. بصورة عامة فانّ الهدف النهائی للانذار هو إثارة الشعور بالمسؤولیة تجاه الوظائف والتکالیف الملقاة على عاتق الإنسان. وهنا لا ینبغی أن ننسى بأن انذار النبی (صلى الله علیه وآله)یشمل کافة الکائنات; الأمر الذی یدل على عالمیة الدین الإسلامی وخلوده ، لأنّ للعالمین مفهوم واسع یشمل کافة أفراد البشریة فی کل عصر ومصر. قوله (علیه السلام): «أمیناً على التنزیل» تلویح ضمنی بعصمة رسول الله (صلى الله علیه وآله) ، فهو صائن لکتاب الله ومبلغه للعالم دون أدنى تغییر. ثم تطرق (علیه السلام)لأوضاع العرب زمان الجاهلیة فی عشرة عبارات مقتضبة عظیمة المعانی تشیر إلى أربعة محاور ، فقال: «وأنتم معشر العرب على شر دین» وأی دین أسوأ من الوثنیة؟ أن ینحت عاقل قطعة من الحجر أو الخشب بیده ثم یسجد لها ویعبدها ویرى مقدراته بیدها ویلوذ بها فی حل المشاکل التی تواجهه فی حیاته ، أو أن یصنع صنماً من التمر یتخذه إلهاً فاذا جاع أکله. أضف إلى ذلک الانحراف الخطیر فان طقوس هؤلاء القوم مملوءة بالخرافات والعقائد السخیفة البعیدة عن المنطق والتی سطرتها کتب تأریخ العرب فی العصر الجاهلی ، وسنعرض لجانب منها لاحقاً.

هذا على مستوى العقائد والأفکار. ثم تطرق (علیه السلام) إلى أوضاعهم الاقتصادیة المزریة فقال (علیه السلام): «وفی شر دار منیخون»(3) بین حجارة خشن وحیات صم ، تشربون الکدر وتأکلون الجشب».(4)

تعبیره (علیه السلام) «شر دار» بالنسبة لمحل إقامة عرب الجاهلیة ، رغم أن أغلبهم (ولاسیما من خاطبهم الإمام (علیه السلام) بهذه الکلمات) کانوا یقطنون فی مکة أو المدینة یفید أن هاتین المنطقتین قد فقدتا قدسیتهما ومکانتهما المعنویة إثر تبدلهما إلى مرکز للأصنام والأوثان والفساد والانحراف. وقد أحاطت بهم عواصف الرمل والریاح المحرقة فی تلک الصحاری الجرداء ، بحیث إذا تمکن أحدهم من العثور على بقیة ماء فی بعض البرک والآبار فانه کان على درجة من التلوث والتعفن بسبب هبوب الریاح أو تلویثه من قبل بعض الأفراد حتى لیشعر شاربه بالغثیان ، غیر أن هؤلاء کانوا مضطرین لشربه ، ولم یکن طعامهم بأفضل ممّا علیه الشراب.

نقل أحد شرّاح نهج البلاغة أنّ إعرابیاً سئل: «أی الحیوانات تأکلون فی البادیة؟» قال: «نأکل کل ما دبّ ودرج الا أم جبین».(5)

أمّا التعبیر بالحیات الصم ، هو أن الحیة الصماء أخطر من غیرها لأنّها صماء لا تنزجر بالصوت ، أو لعل سمها أخطر.

أما المحور الثالث فقد أشار فیه الإمام (علیه السلام) إلى أوضاعهم الاجتماعیة المزریة وإنعدام الأمن والاستقرار فقال (علیه السلام): «وتسفکون دمائکم» والتعبیر بالمضارع «تسفکون دمائکم» کسائر الأفعال فی عبارات الخطبة یفید استمرار هذه الأوضاع المتفاقمة. والواقع لا تحتاج قضیة سفک الدماء المتعارفة بینهم إلى دلیل ، فسیوفهم تشهر لاتفه الأسباب لیخوضوا أعنف المعارک وأشرسها لشهور بل لسنوات ـ ولعل نظرة عابرة إلى معارکهم المعروفة بحرب الفجار والتی ستشیر إلیها لاحقاً تفید أنّ أولئک الجهال کانوا یخوضون أشرس القتال من أجل أهون الأشیاء. وأخیراً أشار (علیه السلام) إلى المحور الرابع المتمثل بأوضاعهم العاطفیة المتردیة «وتقطعون أرحامکم» ولعل العبارة إشارة إلى قضیة وأد البنات ودفنهن أحیاءً ، حیث کانوا یرون البنت تجر علیهم الخزی والعار ، فکان أحدهم یتوارى عن الأنظار خجلاً إذا ولدت له بنت ، وهذا ما أشارت إلیه الآیة 58 و59 من سورة النحل (وَ إِذا بُشِّـرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثى ظَـلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ کَظِـیمٌ * یَتَوارى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّـرَ بِهِ أَیُمْسِکُهُ عَلى هُون أَمْ یَدُسُّـهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ)وقد لا یکتفی البعض بالاقتصار على هذا القتل على البنات فیعمد إلى قتل ولده خشیة الفقر; الأمر الذی نهى القرآن عنه بشدّة ، فقد نهت عن ذلک الآیة 31 من سورة الاسراء (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِیّاکُمْ) بل کان الوالد یقتل ولده والولد والده والأخ أخیه عبثاً ، فقد عاشت الرحم فاجعة لم یشهد لها التأریخ مثیل.

ویختتم الإمام (علیه السلام) کلامه بخلاصة مفاسدهم المعنویة والمادیة بالقول «الأصنام فیکم منصوبة والآثام بکم معصوبة». وکأن تعبیره (منصوبة) إلى أنّهم کانوا یفتخرون بهذه الأصنام فینصبونها فی کل مکان فضلاً عن عبادتها والسجود لها. ومعصوبة من مادة عصب (مایربط العضلات بالعظام) إشارة إلى أنواع المعاصی من قبیل سفک الدماء وقتل النفس وقطع الرحم والتعرض للنوامیس ونهب الأموال وشرب الخمر والقمار و... التی اجتاحت عرب الجاهلیة وعلیه فقد أشار الإمام (علیه السلام) بهذه العبارات إلى انحرافاتهم العقائدیة والأخلاقیة وأزماتهم الاقتصادیة والعاطفیة ومدى الانحطاط والسقوط الذی بلغوه على هذه المستویات.


1. سورة الأحزاب / 45.
2. سورة سبأ / 28; سورة فاطر / 24; سورة الفتح / 8 وسورة البقرة / 119.
3. «منیخون» من مادة «نوخ» بمعنى تنویم الجمل ، ومن البدیهی أن یکون موضع استراحة الأفراد هو ذلک الموضع الذی ینومون فیه الجمال بین حجارة خشن.
4. «الجشب» على وزن «خشن» بمعنى الطعام الغلیظ أو ما یکون منه بغیر أدم.
5. شرح نهج البلاغة ، ابن میثم 2 / 24 أما کیف ضبطت مفردة (أم جبین) فقیل بیائین وقیل باء ویاء وقیل بالجیم کما قیل بالماء (أم جبین) و(أم حبین) ، کما کثر الکلام بشأن هذا الحیوان فقیل هو نوع من العضایا وتنفر منه عرب البادیة لأنّه سام عند الأکل.

 

القسم الأول1ـ آفاق العصر الجاهلی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma