الدنیا والآخرة عند الإمام علی(علیه السلام)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الأول1 ـ الدنیا والآخرة فی الأحادیث

أشرنا سابقاً إلى أنّ الإمام (علیه السلام) تطرق إلى عشرة اُمور مهمّة فی هذه الخطبة الغرّاء لدفع الناس باتجاه الزهد وعدم الاغترار بزخارف الدنیا ; فقد ورد فی الأخبار ـ کما أثبتت ذلک التجربة طیلة التأریخ ـ أنّ حبّ الدنیا رأس کل خطیئة، وعلیه فانّ عدم الإکتراث لهذه الدنیا والزهد فیها یمثل الخطوة الاولى المهمة لإصلاح النفوس ومواجهة الفساد الفردی والاجتماعی.

فقد استهل الإمام (علیه السلام) کلامه بتصدر الدنیا ووداعها لأهلها «أما بعد فان الدنیا قد أدبرت، وآذنت(1) بوداع». وهنا یطرح هذا السؤال: کیف آذنت الدنیا بالأدبار والوداع؟ هناک الشواهد والأدلة الحیّة على هذا الأمر ومن ذلک قبور الماضین التی تضم بقایا رفات وعظام الملوک والسلاطین والحکام والأمراء والکهول والفتیان والصبیان، والأظهر المحدودبة للکهول واشتعال الرأس شیباً والأمراض الفتاکة التی تودی بحیاة الأفراد، حقاً لقد أصیبت الدنیا بالصمت والسکوت، إلاّ أنّه مازالت تتحدث بلسان العبرة! وهذا ما أشار إلیه الإمام (علیه السلام) فی احدى خطبه «فکفى واعظاً بموتى عاینتموهم، حملوا إلى قبورهم غیر راکبین وانزلوا فیها غیر نازلین، فکأنهم لم یکونوا للدنیا عماراً وکأن الآخرة لم تزل لهم داراً».(2)

ثم أشار (علیه السلام) فی النقطة الثانیة إلى موضوع إقبال الآخرة «وإن الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطلاع»(3). إنّ الموت یعد المنزل الأول من منازل الآخرة والذی یبتلع أبناء الدنیا، وهذا بدوره من علامات إقبال الآخرة. ومن هنا فقد أوصى الإمام (علیه السلام)الجمیع بالاستعداد إلى الآخرة ومغادرة الدنیا والتزود لتلک الدار المحفوفة بالخطر قبل فوات الأوان. وذکر (علیه السلام) فی النقطة الثالثة بالرابطة القائمة بین داری الدنیا والآخرة فقال «ألا وإن الیوم المضمار(4) وغدا السباق(5) والسبقة الجنّة والغایة النار» فقد شبه (علیه السلام) بهذه العبارة الرائعة الإنسان بالخیال الذی یخوض السباق، فمن الواضح أنّ مثل هذا الإنسان وعلى غرار الخیال یحتاج إلى التمارین والتدریبات المسبقة، حیث تصطلح العرب بالمضمار على الموضع أو الزمان الذی یضمر فیه الحیوان، بل یطلق على الحیوان الذی ینحف إثر التمارین لا على کل حیوان کما صرح الراغب فی المفردات. آنذاک یبدأ السباق الذی یتضمن الفوز والخسارة وتسلم الجوائز من قبل الفائزین. فالإمام (علیه السلام) یرى الدنیا میدان التأهب والاستعداد والآخرة میدان السباق والجوائز، وسوف تکون جائزة الفائزین الجنّة ونصیب الخاسرین النار. ومن البدیهی أنّ أحداً لا یسعه التمرین فی میدان السباق، بل علیه أن یتمرن ویعد نفسه قبل السباق ; وهکذا الحال فی المحشر، فلیس هنالک من مجال للحسنات والتوبة من السیئات وتهذیب النفوس وتطهیرها، ولابدّ من إعداد هذه الاُمور فی الحیاة الدنیا. وعلیه فلا ینبغی أن ینسى الأفراد هذه الحقیقة وهى إن عدم التزود فی الدار الدنیا والتأهب الروحی والمعنوی فانّ النتیجة النهائیة للسباق فی الآخرة لن تکون سوى الفشل والخیبة والخسران التی تعنی هناک نار جهنم. والجدیر بالذکر هنا أنّ الفائزین هناک یتفاوتون فی الدرجات، فهناک الفائز الأول والثانی والثالث وهکذا ; الأمر الذی یتجسد بوضوح فی عالم الآخرة ودرجاتها. فیتضح ممّا تقدم أنّ السباق بمعنى المسابقة والسبقة بمعنى الهدف والغایة التی ینبغی للمتسابق أن یصل إلیها، والسبقة على وزن لقمة بمعنى الجائزة وقد علق المرحوم السید الرضی(ره) ـ فی ذیل هذه الخطبة کما سیأتی ـ على تعبیر الإمام (علیه السلام): «والسبقة الجنّة والغایة النار» فقال: لم یقل (علیه السلام)السبقة النار کما قال السبقة الجنّة ; لأنّ الاستباق إنّما یکون إلى أمر محبوب، وغرض مطلوب، وهذه صفة الجنّة ولیس هذا العنى موجوداً فی النار، فخالف الإمام (علیه السلام)بین اللفظین لاختلاف المعنیین. ولا یبدو هنالک من تعارض بین کلامه (علیه السلام) والآیة الشریفة (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّکُمْ وَجَنَّة عَرْضُها کَعَرْضِ السَّماءِ وَالأَرْضِ)(6) ; لأنّ «سابقوا» لا تعنی السباق فی هذا العالم، بل تعنی التأهب من أجل سباق الآخرة، والدلیل على ذلک أنّها جعلت الجنّة هى الهدف النهائی لهذه المسابقة، بعبارة اُخرى فان السباق هنا نحو الخیرات والصالحات، أمّا السباق هناک نحو الجنّة التی تمثل حصیلة الأعمال. ثم أشار (علیه السلام) فی النقطة الرابعة إلى واحدة من أهم أمتعة السفر الأخروی الخطیر وهى التوبة فقال: «أفلا تائب من خطیئته قبل منیّته(7)، ألا عامل لنفسه قبل یوم بؤسه» فهذه التعبیرات ـ التی تهدف إلى إثارة العارفین والعمل على تشجیعهم إلى جانب تنبیه الغافلین وإیقاظهم ـ هى فی الواقع تمثل النتیجة المنطقیة للعبارات السابقة، وذلک إذا کانت الدنیا قد أدبرت وآذنت بوداع وإنّ الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإنّ الیوم المضمار وغداً السباق والسبقة الجنّة والغایة النار فلم لا یتوب أهل الحجى والعقل وینیبوا إلى الله ویغتنموا الفرصة بالأعمال الصالحة ویستعدوا لسفر الآخرة؟ ولعل هذا هو الذی أشار له الإمام (علیه السلام)فی خطبة اُخرى «فاعملوا وأنتم فی نفس البقاء، والصحف منشورة والتوبة مبسوطة»(8).

أما تعبیره (علیه السلام) عن یوم القیامة بیوم البؤس فلما یکتنفه من أحداث مهولة وعذاب شدید وهلع وخوف عظیم. وقد أشارت أغب الآیات القرآنیة لذلک العذاب لتحذر الإنسان وتحثه على اغتنام الفرصة والتزود لذلک الیوم العصیب الملیء بالمخاطر التی لا ینجی منها سوى العمل الصالح. أمّا فی النقطة الخامسة فقد أشار (علیه السلام) إلى الفرص التی تمر مرّ السحاب والتی یقود عدم اغتنامها إلى الندم «ألا وإنکم فی أیام أمل من ورائه أجل، فمن عمل فی أیّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله ولم یضرره أجله» ویخسر بالمقابل من یقصر فی العمل، کما أنّ أجله یصبح علیه وبال «ومن قصر فی أیام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضرّه أجله». وتعبیره عن الحیاة الدنیا بأیّام الأمل لهو تعبیر لطیف یشیر إلى قصر وإیجابیة عالم الدنیا ; لأنّ دقائق عمر الإنسان تمثل أعظم فرصة من أجل بلوغ السعادة والفوز بالفلاح الاُخروی الخالد.

فلعل التوبة فی لحظة من اللحظات تطفئ بحاراً من نیران جهنم کانت تتربص بهذا الإنسان، ولعل العمل الصالح الخالص فی ساعة من عمره ینتهی به إلى جنان الخلود والرضوان.


1. «آذنت» من مادة «اذن» بمعنى الاعلان، ومنه الاذان الذی یعلن وقت دخول الصلاة.
2. نهج البلاغة، الخطبة 188.
3. «اطلاع» من مادة «طلع» بمعنى الظهور، وطلوع الشمس بمعنى ظهورها، ویرى البعض أنّها تطلق على العلم المفاجئ، وأشرفت باطلاع، أقبلت بغتة.
4. «المضمار»: الموضع والزمن الذی تضمر فیه الخیل، وتضمیر الخیل أن تربط ویکثر علقها وماؤها حتى تسمن، ثم یقلل علفها وماؤها وتجری فی المیدان حتى تهزل، ثم ترد إلى القوت، والمدة أربعون یوماً، وقد یطلق التضمیر على العمل الأول أو الثانی، واطلاقه على الأول لأنّه مقدمة للثانی وإلاّ فحقیقة التضمیر احداث الضمور وهو الهزل وخفة اللحم، وإنّما یفعل ذلک بالخیل لتخف فی الجری یوم السباق.
5. «السباق» من مادة «سبق» ومسابقة من باب مفاعلة ولسباق نفس المعنى. وسبقة بمعنى الهدف المطلوب الذی یتسابق من أجله أو بمعنى الجائزة.
6. سورة الحدید / 21.
7. «منیة» من مادة «منى» على وزن نقى، قال صاحب مقاییس اللغة بمعنى تقدیر الشیء، ثم اُطلقت على الموت والأجل، لأنّ الموت أمر مقدر، وتطلق المنى على الأمانی التی تدور فی خلد الإنسان.
8. نهج البلاغة، الخطبة 237.

 

القسم الأول1 ـ الدنیا والآخرة فی الأحادیث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma