السیاسة الإلهیة والشیطانیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
الشرح والتفسیر الخطبة 42

إن الاختلاف فی الاسالیب السیاسیة إنّما تفرزه الرؤى بشأن الحکومة، فالسیاسة التی ینتهجها اُولئک الذین ینشدون الحکومة من أجل ضمان مصالحهم الشخصیة أو الفئویة، تختلف عن السیاسة التی یتبعها اُولئک الذین لایرون فی الحکومة سوى وسیلة لحفظ القیم والمثل. فالحکومات السابقة کانت تتصف بالدکتاتوریة المقیتة التی تتکرس فی فرد واحد مستبد غاشم یسعى جاهداً لتحقیق مآربه وإشباع رغباته وضمان مصالح بطانته معتمداً منطق القوة والعنف من أجل ترسیخ دعائم حکومته فلا یرى من حرمة لقیم ومثل سوى تلک التی تخدم مصالحه أمّا الیوم فالحکومات وإن تغیّرت شکلاً، إلاّ أنّ جوهرها وماهیتها لم تختلف کثیراً عن تلک التی کانت سائدة فی الماضی، وان کان المعروف عن هذه الحکومات إقتحامها المیدان کفئات وأحزاب. على سبیل المثال فانّ الأحزاب هى التی تمسک بزمام الاُمور فی البلدان الصناعیة المعاصرة، بحیث یسعى کل حزب لضمان مصالحِ فئة معینة، ثم یعتمد کافة الوسائل من أجل الحصول على أکثر عدد من الآراء بغیة الوصول إلى الحکومة، فاذا تسلموا الحکومة، أتوا بالأفراد الذین یعملون على ترسیخ دعائم حکومته وبالطبع فانّ مثل هذه الحکومات قد تتبنى بعض الشعارات من قبیل حقوق الإنسان وحریة المرأة وأحیاناً یطرحون بعض المسائل الأخلاقیة، إلاّ أنّهم یعلمون کما یعلم الاخرون أنّهم لیسوا جادین فی ما یقولون، فاصواتهم عادة ما تتعالى بحجة أن البلد الفلانی ـ إذا کان من أعدائهم ـ قد إنتهک حقوق الإنسان، وان کان من أصدقائهم فقد یحظى بتأییدهم ودعمهم وإن انتهک تلک الحقوق الف مرة کل یوم ـ وفى مقابل هذه الحکومات، هنالک حکومة الأنبیاء والأولیاء التی لا تعرف المصالح الفردیة ولا الفئویة، وهى قائمة على أساس القیم والمثل. فالحکومات السابقة تصرح علنا بتعذر الجمع بین السیاسة والأخلاق، وعلیه فالحاکم الذی یراعی المبادئ الاخلاقیة إنّما یفتقر فی الواقع حسب ظنهم إلى العقل السیاسی; وسوف لن یکتب لحکومته الدوام والاستمرار، فالغایة تبرر الوسیلة، وکل ما یقرب من الهدف فهو حسن ومطلوب. بینما ترى الحکومة الأخیرة ان شعارها یتکرس فی «إنّما بعثت لاُتمم مکارم الأخلاق»(1) أو «لو لا... ما أخذ اللّه على العلماء أن لایقاروا على کظة ظالم ولا سغب مظلوم...»(2) أو «وإنّما خرجت لطلب الإصلاح فی اُمّة جدی(صلى الله علیه وآله)»(3) ومن الطبیعی أن یکون هناک بوناً شاسعاً بین سیاسة الحکومات بالمعنى الأول والحکومات الإلهیة، بل هناک تعارض وتضارب بینهما فالطائفة الاولى تضحی بکل القیم وتذبحها من أجل الوصول إلى دفة الحکم، بینما تخلت الطائفة الثانیة بشهادة التأریخ عن الحکومة من أجل الحفاظ على القیم والمثل. وهذا ما وضحه الإمام(علیه السلام)فی الخطبة «واللّه ما معاویة بأدهى منی ولکنه یغدر ویفجر ولولا کراهیة الغدر لکنت من أدهى الناس»(4) وقال(علیه السلام): «أتأمرونی أن أطلب النصر بالجور فیمن ولیت علیه; واللّه لا أطور به، ما سمر سمیر، وما أم نجم فی السماء نجماً» (5) والاختلاف بین هاتین الرؤیتین فی السیاسة الإلهیة والسیاسة الشیطانیة هو الذی یجعل بعض الأفراد یشکلون أحیاناً على الساسة الربانیین ویحملون أعمالهم على السذاجة وعدم المعرفة بفنون السیاسة، بینما یغفلون عن حقیقة کبرى وهى أنّ هؤلاء الأفراد إنّما یحثون السیر إلى عالم آخر لا تجیز مبادئه وضوابطه التشبث بأی أسلوب وطریقة. فمثلاً لما غلب معاویة أهل العراق على الماء منعهم منه، فلما حمل أهل العراق إنکشف أهل الشام عن الماء، وملک أهل العراق المشرعة ـ فقال أصحاب علی(علیه السلام): أمنعهم الماء یا أمیرالمؤمنین کما منعوک ـ فقال: «لا، خلوا بینهم وبینه، لا أفعل ما فعله الجاهلون. (6) والاّ عجب من ذلک عدم إلتفات رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) إلى أصحابه الذین أشاروا علیه بمنع الیهود الماء حین محاصرة قلاع خیبر فلم یجبهم(صلى الله علیه وآله)»(7) ویتعجب أولئک الغافلون حین یسمعون مسلم بن عقیل وقد إمتنع عن قتل إبن زیاد غیلة فی دار هانئ بن عروة قائل: «الإیمان قید الفتک» (8). أضف إلى ذلک فانّ علی(علیه السلام) إمتنع عن قتل عمرو بن العاص فی صفین حین کشف عن عورته. فکل هذه الاُمور لایرونها تنسجم والسیاسة، بل السیاسی الفذ فی نظرهم من یدافع عن العهدو والمواثیق ویلتزم بالمبادئ إذا کانت تجری لصالحه ،وإلاّ فلابدّ أن یضربها جمیعا عرض الحائط. فالسیاسی الورع والمتقی یرى النصر على الأعداء إنّما یحتل الدرجة الثانیة، والدرجة الاولى تتمثل بحفظ المبادئ ورعایة القیم والمثل. والجدیر بالذکر ما أورده ابن أبی الحدید فی شرحه لنهج البلاغة حین تحدث عن مروءة ووفاء أحد أحفاد الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)هو إبراهیم بن عبداللّه فقال: «وکان لغیر إبراهیم علیه السلام من آل أبی طالب من هذا النوع أخبار کثیرة، وکان القوم أصحاب دین لیسوا من الدنیا بسبیل، وإنّما یطلبونها لیقیموا عمود الدین بالامرة فیها، فلم یستقم لهم، والدنیا إلى أهلها أمیل».


1. کنز العمال 3 / 16 ح 5217.
2. نهج البلاغة، الخطبة 3.
3. بحارالانوار 44 / 329.
4. نهج البلاغة، الخطبة 200، وروی عنه(علیه السلام) أنّه قال: «لولا التقى ـ أو لولا الدین والتقى لکنت أدهى العرب». شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1 / 28.
5. نهج البلاغة ، الخطبة 126.
6. تأریخ الطبری 3 / 569.
7. سید المرسلین 2 / 408 تقلاً عن السیرة الحلبیة 3 / 40.
8. بحارالانوار 44 / 344.

 

الشرح والتفسیر الخطبة 42
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma