2ـ هل تتعارض هذه الأمور مع العدل الإلهی؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
1 ـ لماذا طُرِحَ العدل کواحد من أصول الدین؟

یلاحظ وجود مواضیع مختلفة فی القرآن والروایات الإسلامیّة تبدو بأنّها غیر متناغمة مع مسألة العدل الإلهی من الناحیة الإسلامیة أحیاناً، ومن وجهة نظر بعض العلماء أحیاناً اُخرى، مثل:

1ـ مسألة الشفاعة.

2ـ مسألة الجبر والتفویض.

3ـ مسألة القضاء والقدر.

4ـ تفاوت تقسیم الأرزاق، ووجود الغنى والفقر معاً فی المجتمات الإنسانیة.

ومن المسلّم أنّ لکل واحدة من هذه المسائل من حیث الماهیّة والمحتوى بحثاً خاصاً ومفصلا سنتطرق إلیها جمیعاً فی محلّها الخاص، ولکن یتوجّب هنا فقط أن نبحثها من ناحیة عدم وجود تضاد فیما بینها وبین مسألة العدل الإلهی.

أمّا بالنسبة للشفاعة فالذین یعتقدون بأنّ الشفاعة معناها أن یشفع النبی(صلى الله علیه وآله)، أو إمام معصوم(علیه السلام)، أو ملک مقرب فی دخول مذنب معین الجنّة، فی حین من المقرر أن یدخل نظیره فی الذنب والظروف النار، یحق لهم أن یعتقدوا بتضاد مثل هذه الشفاعة مع أصل العدل.

ولکن نظراً لکون الشفاعة تخص الذین أبدوا من ناحیتهم لیاقة خاصّة فی هذا المجال، وحازوا على حق شفاعة الشافعین بالأعمال الصالحة، بحیث صار وعد الشفاعة من الناحیة العملیة درساً تربویاً لإصلاح المذنبین وسوقهم نحو الصراط المستقیم أو مانعاً لهم على الأقل من زیادة التلوث بالذنوب، یتضح جیداً عدم انتفاء مسألة الشفاعة مع عدالة الله وحکمته، بل تؤکّدها کذلک(1).

وأمّا مسألة «الجبر والتفویض»، فالذی یتنافی مع العدل هو مسألة «الجبر»، فإمّا أن نقول بالجبر وننکر العدالة، وإمّا الاقرار «بالعدل» وترک «الجبر» وکما لاحظتم فی البحوث السابقة فقد اضطرّ المعتقدون بالجبر إلى مسألة العدالة، وهذه إحدى أکبر الإشکالات على مذهبهم.

نکرر بأن لیس الهدف هو طرح مسألة الجبر والتفویض ودلائل بُطلان الجبر، فلها محل أخر خاص بها، والهدف الوحید هنا هو النظر إلیها بمنظار مسألة العدالة لنرى هل یمکن أن یُجبر أحدٌ على ذنب معین ثم یُعاقبُ علیه، فمن الواضح أنّ هذا السؤال یجاب عنه بالنفی، وأمّا بالنسبة إلى مسألة «القضاء والقدر» و«مصیر الإنسان» بالشکل الذی سیمر علینا فی بحث القضاء والقدر، فإنّ المفهوم الواقعی والمنطقی «للقضاء والقدر»، لیس بمعنى التقدیر المُسبق لمصیر الإنسان، من حیث السعادة والشقاء، والطاعة والمعصیة، بشکل إجباری وحتمی وغیر قابل للتغییر، فلیست هذه المسألة بأکثر من خرافة، أی حمل بعض الجهلاء مسألة «القضاء والقدر الإلهی»، على هذا المعنى، فالقضاء والقدر الإلهی یشیر من جهة إلى قانون العلیة، أی أنّ الله قدّر نجاح وتوفیق الساعین العاملین، وأفشل الکسالى والخاملین «ووجود بعض الإستثناءات المحدودة لا تُلغی کُلیّة هذه المسألة».

وکذا تعلق القضاء والقدر الإلهی بعمل الإنسان بأن یسعد المطیعون، ویشقى العاصون ویهزم الذین یَسلکون طریق الفرقة والاختلاف.

والقضاء والقدر الإلهی هکذا دائماً، ومن المُسلّم تناغمه الکامل مع مسألة العدل الإلهی إن فُسّر بهذا الشکل، وإن حملناه على ما فسّره بعض الجهلاء فسوف یتنافى مع العدل الإلهی، ولیس هنالک طریق لحل هذه المعضلة( 2).

وأمّا مسألة تفاوت الناس من حیث الفقر والغنى، فهی أیضاً مسألة من قبیل القضاء والقدر الإلهی المشروط، أی أنّ الأفراد أو الشعوب المثابرة، المنظمة، والمتحدة أغنى من الأفراد والشعوب الکسولة العدیمة النظم والإتحاد عادة، ونحن نلاحظ نماذج عینیة لها فی مجتمعنا والمجتمعات العالمیة، ولا یُمکن للموارد الاستثنائنة أن تُلغی هذا الأصل الکلّی.

أجل، فهنالک موارد أیضاً یفرض الفقر فیها على فرد أو مجتمع معین من الخارج، ویؤدّی الاستعمار والاستثمار من قبل جماعة إلى فقر واستضعاف جماعة اُخرى، وهذه المسألة أیضاً لا تفسح المجال للتشکیک بمسألة العدل الإلهی، فلا ریب فی أنّ الله قد منح الإنسان الحرّیة، لأنّه تعالى لو لم یفعل لما أمکن سلوک طریق التکامل تحت ظروف الجبر، ولا ریب أیضاً فی قیام جماعة باستغلال هذه المسألة بصورة سیئة، وطبعاً سینتصر الله للمظلوم من الظالم، ولکن إذا کان من المقرر أن تؤدّی الإستغلالات السیئة إلى سلب الله الناس الحرّیة بصورة تامّة لتعطلت قافلة السیر التکاملی الإنسانی، هذا من جهة ومن جهة اُخرى، إن سوء استغلال العباد لنعمة الحریة لا تخدش عدالة الله أصل(3).

آخر الکلام حول مسألة العدل الإلهی: انعکاس العدل الإلهی فی «الأخلاق» و«العمل».

فقد أشرنا سابقاً إلى عدم انفصال «المسائل العقائدیة» عن «المسائل العلمیّة» فی الإسلام، وإلى کون التفکّر بالصفات الإلهیّة یؤدّی إلى تفتُّح بصیرة الإنسان، وربطها بذلک الکمال المطلق، والسعی للتقرب إلیه تعالى بالسیر الظاهری والباطنی، وهذا القرب سیؤدّی بالنتیجة إلى تخلق الإنسان بالأخلاق الإلهیّة، وانعکاس صفاته تعالى فی أخلاقه واعماله.

لذا فکلما تقرب الإنسان إلیه أکثر، تأصلت هذه الصفات فیه أکثر، لا سیما فی مسألة العدل الإلهی، «سواءً أفسّرنا العدالة بمفهومها الواسع أی وضع کل شیء فی محلّه المناسب، أم بمعنى أداء الحقوق ومحاربة کل ألوان التبعیض والإجحاف»، فهذه العقیدة تترک أثراً فی الفرد المسلم والمجتمعات الإسلامیة، وتدعوهم نحو إدارة الأعمال بصورة صحیحة، ورفع رایة العدل لیس فقط فی المجتمعات الإسلامیّة، بل فی العالم أجمع.

ومسألة العدالة فی الإسلام بدرجة من الأهمیّة بحیث لا یحول دونها شیء، فلا أثر للحب والعداوة والقرابة والأرحام، البعد والقرب فیها وأی انحراف عنها یُعدّ اتباعاً للهوى، کما ورد فی قوله تعالى: (یَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلنَاکَ خَلِیفَةً فِى الأَرضِ فَاحکُم بَیْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَیُضِلَّکَ عَن سَبِیلِ اللهِ) (ص / 26)

قوله تعالى: (وَلاَ یَجْرِمَنَّکُم شَنَئَانُ قَوم عَلَى أَلاَّ تَعدِلُوا). (المائدة / 8)

وهذا الموضوع بدرجة من الأهمیّة بحیث لو لم یتیسّرْ تطبیق العدالة بالطرق السلمیّة لجاز تعبئة المظلومین ودعوتهم إلى الثورة العامة من جهة، ومقاتلة الظالم للدفاع عن حقهم من جهة اُخرى، کما ورد فی الآیة: (وَمـَا لَکُم لاَ تُقاتِلُونَ فِى سِبیلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وِالوِلْدانِ). (النساء / 75)

نختم هذا البحث بعدة روایات موثوقة تزین خاتمة هذا المجلّد:

1 ـ قال الإمام علی(علیه السلام) فی کلام مختصر وبتعبیر لطیف غنی: «العدل حیاة»(4)

2ـ فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «العدل أحلى من الماء یُصیبه الظّمآن»(5).

3ـ وعن الإمام علی(علیه السلام) أیضاً: «جعل الله العدل قواماً للأنام وتنزیهاً من المظالم والاثام وتسنیة للاسلام».

4ـ وعنه(علیه السلام) أیضاً: «العدل رأس الإیمان وجماع الاحسان وأعلى مراتب الإیمان».

وأخیراً ورد تعبیر سام عن نبی الإسلام محمد(صلى الله علیه وآله): «عدل ساعة خیرٌ من عبادة سبعین سنة، قیام لیلها وصیامُ نهارها، وجورُ ساعة أشدّ وأعظم عند الله من معاصی ستین سنة».

اللّهمّ! أنر قلوبنا بنور معرفة ذاتک، وصفات جمالک وجلالک، لکی لا نعبد سواک، ولا نسلک إلاّ سبیلک.

اللّهمّ! نَوِّر أرواحنا وقلوبنا بعشق جمالک لتصطبغ أعمالنا وأخلاقنا بصبغتک وتقترن بها (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنَ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً). (البقرة / 138)

اللّهمّ! هب لنا تقوىً مقرونة بالإیمان بأسمائک الحسنى، تصوننا عن الإفتراق عن خط العدالة، وسلوک خط الانحراف، ولو بمقدار رأس إبرة.

آمین ربّ العالمین


1. لزیادة الإطلاع راجع التفسیر الأمثل، ذیل الآیتین 47 و 48 من سورة البقرة.
2. ولتمام التوضیح حول مسألة القضاء والقدر والمصیر راجع کتاب دوافع ظهور المذاهب، ص 17 ـ 41، والتفسیر الامثل ذیل الآیة 49 من سورة القمر.
3. ورد توضیح أکثر حول هذا البحث فی نفحات القرآن ، ج 2 ، ص 290 ـ 294.
4. غررالحکم نقل عنه میزان الحکمة، ج6 ، ص 81.
5. بحارالانوار، ج 72، ص 36، ح 32، وقد نقل نفس هذا المضمون بشکل آخر عنه(علیه السلام) حیث قال: «العدل أحلى من الشهد، وألین من الزبد، وأطیب ریحاً من المسک».

 

1 ـ لماذا طُرِحَ العدل کواحد من أصول الدین؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma