عدّ علماء العقائد صفة «المدرک» من احدى صفات الله ، وقد أشار القرآن الکریم إلى هذا المعنى حیث قال : (لاَ تُدْرِکُهُ الاَْبْصـَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الاَْبْصـَارَ وَهُوَ اللَّطیفُ الْخَبیرُ) .(الأنعام / 103)
قال المتکلمون : إنّ المدرک بمعنى السمیع والبصیر ، وعلیه فهذه الکلمة تجمع کلتا الصفتین (1) .
وقد قال الراغب فی المفردات : بأنّ «الإدراک» معناه الوصول إلى نهایة الشیء ، لکن البعض فسروها بالمشاهدة العینیة ، والبعض الآخر قالو : إنّها بمعنى المشاهدة ببصیرة القلب .
وفی الحقیقة فإنّه لا شیء فی اللغة یدلّ على أنّ معنى الإدراک هو الإدراک الحسّی ، بل وکما قلنا فإنّ الإدراک معناه الوصول إلى نهایة الشی والاحاطة به ، سواءً کان حسیّاً أم عقلی ، وما یثیر العجب أکثر هو أنّه على الرغم من أنّ الآیة المذکورة قالت وبعبارة صریحة : «لا تدرکه الأبصار» (سواء فی الدنیا أم فی الآخرة، وسواء فی ذلک الرسول (صلى الله علیه وآله) فی لیلة المعراج أم غیره) فمع ذلک أصرّ بعض المفسرین على حمل الآیة على خلاف معناها الظاهری ، وقالو : إنّه یمکن رؤیة الله فی الآخرة على الأقل ، وذکروا عدّة توجیهات فی هذا المجال ، وقد ذکر الفخر الرازی أربعة نماذج منها فی تعلیقه على هذه الآیة ( 2) ، جمیعها ضعیفة جدّاً وتبعث على التأسف وتدلّ على میل البعض فی فرض آرائهم الباطلة على القرآن بأیّ ثمن کان .
وسنبحث هذا الموضوع بتفصیل أکثر فی شرح الصفات الإلهیّة السلبیة إن شاء الله تعالى ، وسوف نلاحظ عکس ذلک تماماً فی روایات أهل البیت (علیهم السلام) حیث لم تکتفِ فقط بنفی قدرة الإنسان على رؤیته تعالى ، بل حتى نفت قدرة العقل البشری على إدراک کنه ذاته المقدّسة .