3 ـ الخیرات التی تأتی من الشرور

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
2 ـ هل للشرور حالة عدمیّة؟4 ـ الخیر والشّر فی القرآن الکریم

نظراً لنسبیة الخیر والشّر، والتأثیر المتقابل للأشیاء فی بعضها الآخر: کثیراً ما یتفق أن تصیر الحوادث والظواهر التی تُعدُّ شروراً فی الظاهر منبعاً لخیرات وبرکات مختلفة.

فکثیر من حالات الحرمان تصیر سبباً فی تفتحُّ الإستعدادات والجهود العظیمة، لأنّ الإنسان على أیّة حال ینتفض ویُجنّد جمیع ما یمتلکه فی باطن وجوده للحصول على ما یصبوا إلیه، وهذه المسألة بالذات ستصیر سبباً فی القفزات العلمیة والاجتماعیّة.

وکثیرٌ من حالات الحرمان صارت سبباً للوصول إلى اختراعات کبیرة، وکثیر من حالات النقصان صارت مقدمة للتوصل إلى منابع مهمّة جدیدة.

فالأشجار التی تنمو فی المناطق الصخریّة، والنباتات البریّة التی تنمو بالرغم من افتقارها لکثیر من مُسببّات النمو، فهی أصلب عوداً، وأقوى وقوداً من النباتات التی تنمو على ضفاف الأنهار بعدّة أضعاف، والبشر یخضعون لهذا القانون أیضاً.

والبدو الذین یواجهون أنواع المشاکل دائماً، ویصارعون أنواع الحیوانات الوحشیّة، یتّصفون بالشجاعة والقوّة وشدّة التحمُّل، فی حین نجد سکّان المدن الذین یتمتعون بالنّعم الوفیرة والأمان نجدهم ضعفاء بالقیاس إلى البدو.

وللقرآن الکریم بیان لطیف فی هذا الخصوص حیث یقول: (فَإِنَّ مَعَ العُسْر یُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسرِ یُسراً). (ألم الشرح/ 5 ـ 6)

یجدر الإشارة إلى أن تلازُم هذین الأمرین بدرجة من القوّة والقرب بحیث وکأنّهما متجاوران، کما یُستنتجُ من کلمة (مع).

وهذه المسألة أیضاً جدیرة بالإنتباه وهی کون (العسر) معرفاً بالف لام التعریف، وتعبیر (یسر) مذکور بصیغة النکرة، والمقصود منه تبیان العظمة أی مع العسر یسرٌ عظیم.

یعتقد بعض المؤرخین بأنّ سیل المشاکل کان من أحد العوامل المهمّة لتقدُّم المسلمین الأوائل السریع، حیث ترعرع المسلمون فی وسط تلک المشاکل، وصاروا فی ظلّها مجاهدین أقویاء ومقتدرین، فی حین کان من أحد عوامل تراجع وتخلُّف المسلمین فی القرون المتأخرة هو العیش المرفّه، والتلذذ بأنواع النعم، والرکون إلى الدعة.

ونختتم هذا الکلام بعدّة جمل مقتطفة من آراء العلماء العظام حول هذا الأمر.

یقول أحد الکتّاب الغربیین: «لا اعتقد بوجوب تحملُّ کل فرد لمصیبة معینة، ولکن أعلم بکون المصیبة مفیدة فی الغالب بل ضروریّة، ولکن شریطة أن یُتقن کل فرد کیفیة مواجهة المشاکل، وأن یعتبر هذا العمل من الأعمال الأساسیة والمفیدة»(1).

وهذا التعبیر دقیقٌ جدّاً، وهو عدم لزوم استقبال الإنسان للمصائب، أو الجلوس إزاءها مکتوف الیدین، وعدم مکافحة عوامل المصیبة، ولکن مع هذا یجب عدم نسیان إمکانیة تحویل قسم من المصائب اللا إرادیة، التی نعجز عن مواجهتها، إلى عوامل بنّاءة فی حیاتنا.

یقول الفیلسوف والطبیب الفرنسی المعروف (ألکیس کارل) فی کتابه (الإنسان ذلک المجهول): «غالباً ما ینزوی أبناء الأثریاء، الذین قضّوا عُمراً بالثروة والنعمة وکانوا مقتدرین فی کل الجوانب، عن العمل اتّکالا على ثروة آبائهم، ویخلقون فی أنفسهم أسباب الضعف وسحق قواهم واستعداداتهم الخلاّقة»(2).

وبالعکس فهناک کثیر من الذین یترعرع أبناؤهم وسطَ خضم من المشاکل، فإنّهم یحققون انتصارات ملحوظة ونجاحاً کبیراً.

نختتم هذا الکلام بکلام لأمیرالمؤمنین علی(علیه السلام).

قال(علیه السلام) فی الکتاب الخامس والأربعین من نهج البلاغة فی الإجابة عن سوال وُجّه إلیه وهو: کیفیة قدرته(علیه السلام) على مبارزة شجعان العرب بالرغم من تناوُلِهِ أغذیة بسیطة جدّاً؟!

«ألا وإنّ الشجرة البریّة أصلب عوداً، والرواتع الخضِرة أرقّ جلوداً، والنباتات العِزْیة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً».


1. سرّ النجاح.
2. الإنسان ذلک المجهول، ص 152.

 

2 ـ هل للشرور حالة عدمیّة؟4 ـ الخیر والشّر فی القرآن الکریم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma