إنّ کلمة (الخالق) مشتقة من مادّة (خَلْق) وهی فی الأصل بمعنى (القیاس المباشر) و(الإیجاد والإبداع لأول مرّة)(1) .
وأرجعها بعض أرباب اللغة إلى أصلیْن : الأول هو المعنى الذی ذکرناه أعلاه، والثانی هو بمعنى الإستواء والتسطُّح (2) .
قال فی مقاییس اللغة: وأمّا الأصل الثانی فصخرة خلقاء أی ملساء ویقال : اخلولق السحاب أی استوى .
ولکن لا یُسْتبعد صدور المعنیین من أصل واحد ، وهو القیاس والتنظیم والإبداع .
وعلى أیّة حال فالفرق شاسعٌ مابین تعبیر الخالقیة الذی قد یُستعمل أحیاناً بالنسبة إلى العباد ، وبین تعبیر الخالقیة الذی یُستعمل بالنسبة إلى الله تعالى ، والمشمول أیضاً بتعبیر أحسن الخالقین ، بل یصدق تعبیر (الخلق) بمعناه الحقیقی بالنسبة إلى الله فقط الذی یوجِدُ الموجودات من العدم دون وجود أی أثر مُسبَق، فی حین لو ابتدع الإنسان أثراً صناعیّاً أو فنیّاً أو معماریاً فإنّما هو نتیجة ترکیب ومزج مواد مختلفة مأخوذة من عالم الطبیعة ، فیصنعها بأشکال کان قد رآها من قَبْل فی عالم الوجود (أو یرکّبُ أشکالاً مختلفةً سویةً)، وعلیه ، فلا المادّة من ابداعه ولا شکله .
ویجب الإلتفات إلى کون صفة (الخالق) أو(الخلاق) من أوسع صفات الفعل الإلهی ، والتی تشمل جمیع عالم الوجود بأکمله، ومظهرهُ السماء والأرض وعالم المادّة وما وراء المادّة .
وخلقُ الله یُعدُّ من أعظم الآیات الدالّة على وجوده ، لأننا أینما نحط رحالنا نشاهد نماذج من خلقه ومخلوقاته التی تدل على وجوده .
ولذلک فکلُ واحدة من الصفات الإلهیّة تحمل فی معناها بلاغاً للناس ، وهذا أحد الأهداف المهمّة من طرحها فی القرآن الکریم الذی هو کتاب معرفة وتربیة ، إذ تقول هذه الصفة للإنسان: إنّ آثار الموجودات دلیلٌ على وجود الله ، کأن تخترع أو تصنع شیئاً من الآثار العلمیّة والاجتماعیّة وما شاکله . فإن لم تترک أثراً من عندک فإنّک لا تمتلک أی شَبه مع تلک الذات الإلهیّة الفریدة ، ولم تتخلق بأخلاقه ، ولم تتوفق لسلوک طریق القرب منه تعالى .
حاول أنت أیضاً أن تصنع آثاراً وتسْتنیر بهذه الصفة الإلهیّة البارزة .
1. مفردات الراغب الأصفهانی .
2. مقاییس اللغة .
