نحن نعلم تفاوت الابتلاء الإلهی عن الإبتلاء البشری بصورة تامّة، فالناس یمتحنون شخصاً أو شیئاً لتتوضّح لهم بعض المجهولات، وتتبیَّنَ قیمة وقابلیة واستعداد ذلک الشخص أو ذلک الشیء خلال الإمتحان.
لکن الله لا یخفى علیه شیءٌ فی جمیع عالم الوجود، فی الأرض والسماء وما وراء السموات، وفی داخل وخارج الأشیاء لکی یعرفه عن طریق الإمتحان.
إذن لِمَ وکیف یمتحن!؟
إنّ للإبتلاء الإلهی صیغة تربویّة، إنّ الذهب عندما یلقى فی النار فمن أجل تهذیبه وتنقیته من الشوائب أو عندما یُدرّبُ الجنود بالأعمال الشاقّة على تمرین المقاومة والإستقامة فمن أجل رفع مستوى لیاقتهم البدنیة، فالابتلاء الإلهی مثلهُ مثلُ هذه الحالات بالضبط. فهی تزید من تحمُّل ومعرفة ونقاء البشر، وبکلمة واحدة، إنّ الإبتلاء وسیلة لتکامُل وتربیة روح الإنسان وجسمه.
لذا فلا عجب من کون قسم من مصائب ومشاکل الحیاة فی هذا الصدد من الامتحان والاختبار، (نکرر بأنّ قسماً من المصائب داخلة فی هذا النوع ولیس جمیعها).
لا یوجد شَعْب فی العالَم تمکّن من التقدُّم والرقی فی المیادین الصناعیة والعسکریة والعلمیّة دون أن یتعّرض لضغوط معیّنة، وکما قال الفیلسوف والمفسّر التاریخی المعروف (تو این بی):
الحضارات اللامعة التی ظهرت فی العالم کان سبب ظهورها هو تعرّض شعب لهجوم شدید من قبل عدّو خارجی (فاستعمل ذلک الشعب جمیع قدراته واستعداداته واستعان بمُدّخراته فی مواجهة ذلک العدو).
فالقادة الذین یخوضون الحروب یمتازون بالعظمة والقوة والصبر، والتجّار الذین یمرّون بأزمات اقتصادیة شدیدة یتعلمون تجارب قیّمة، والسیاسیّون الذین یجتازون أزمات مختلفة سیکونون أقویاء ومقتدرین.
وتزداد صلابة الثوریین فی السجون وتحت التعذیب، لا نقول بوجوب دخولهم السجن، بل نقول بأنّ السجن یزیدهم قوّةً وصلابة.
أعتقد بأنّ علاقة مشاکل ومصائب الحیاة مع تربیة وتکامل الإنسان قد اتضحت بهذه الأمثلة والتحلیلات، وطبعاً لا ینبغی هنا حساب (المصائب الذاتیة)، وما ذکرناه لم یکُن عُذراً من أجل ترک مواجهة المشاکل والمصائب.
