لقد أشرنا سابقاً إلى دلیل هذا الموضوع، ونذکره هنا بشی من التفصیل فنقول : إنّ النقطة الأساسیّة تکمن فی نزاهة الذات الإلهیّة المقدّسة عن المحدودیة من جهة ، ومحدودّیة عقولنا وعلومنا من جهة اُخرى .
فالله عز وجل وجودٌ لا نهایة له من جمیع الجهات (کما أثبتنا ذلک فی البحوث السابقة) ، فذاته کصفاته غیر محدودة وغیر متناهیة ، ومن جهة اُخرى فنحن محدودون ، وجمیع مایتعلق بنا من علمنا وقدرتنا وحیاتنا والمکان والزمان الذی نعیش فیه ، محدود أیض .
وعلى هذا فکیف یمکننا مع هذه المحدودیّة أن نحیط بذلک الوجود اللامحدود وصفاته؟ وکیف یستطیع علمنا المحدود أن یخبر عن ذلک الوجود اللامحدود ؟
أجل ، إنّه بإمکاننا فی عالم الفکر والتفکُّر أن نلمح شبحاً من بعید ، ونشیر إجمالاً إلى ذاته وصفاته ، أمّا الوصول إلى کُنه ذاته وصفاته ، أی الاحاطة التفصیلیة به ، فهی غیر ممکنة بالنسبة لنا ـ هذا من ناحیة .
ومن ناحیة اُخرى فإنّ الوجود اللامتناهی لیس له مثیل أو نظیر من کل ناحیة ، وفرد لا کفؤ له ، فلو کان له کفؤ أو نظیر لکان کلاهما محدودین (ورد تفسیر هذا المعنى بصورة کاملة فی أبحاث التوحید فی المجلد الثالث من هذا التفسیر) .
فکیف یمکننا أن ندرک وجوداً لا نعرف له کفؤاً ولانظیراً أبداً ؟ ، وکل ما نراه من الممکنات هو غیره ، وصفاته تتفاوت تماماً عن صفات واجب الوجود(1) .
نحن لا نقول بأنّنا نجهل أصل وجوده ـ سبحانه ـ ولا نعرف شیئاً عن علمه وقدرته وإرادته وحیاته ، بل نقول بأنّ لدینا معرفة إجمالیة عن جمیع هذه الاُمور ولا یمکننا أن ندرک کُنهها وعمقها بتات ، وقد حارت عقول جمیع عقلاء وحکماءـ العالم ـ دون استثناء ـ فی هذا الطریق .