جاءت الآیة الثامنة باستدلال واضح ، ملموس لإثبات علم الله المحیط بکل شیء وبجملة مختصرة وغنیة جدّ ، کما هو شأن القرآن الکریم ـ حیث قال تعالى : (أَلاَ یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطیفُ الخَبیرُ)(1) .
لو أردنا أن نشرح هذا الدلیل بشکل بسیط نقول : بأنّ نظام موجودات الکون یدلّ على أنّه ـ الموجودات ـ خلقت وفق خطة وأهداف معینة وبرنامج دقیق ، وعلیه فإنّ خالق هذه الموجودات یعلم بجمیع أسرارها حتى قبل خلقه .
ولو التفتنا إلى مسألة دیمومة واستمرار خلق الله ، وأنّ جمیع الممکنات مرتبطة مع واجب الوجود فی الوجود وفی البقاء ، وفیض الوجود یفیض من ذلک المبدأ الفیّاض على المخلوقات فی کل آن ، لأدرکنا بأنّ علمه وإحاطته بجمیع موجودات عالم الوجود دائم وسرمدی وفی کُل مکان وزمان ، فتأمل .
والجدیر بالالتفات هو أنّ الآیة ابتدأت باستفهام استنکاری ، فهی تطلب الإجابة من سامعه ، أی أنّ الموضوع بدرجة من الوضوح بحیث إنّ کل من یراجع عقله ووجدانه یعلم أو یدرک بأنّ الخالق لأی شیء خبیر به حتم(2) .
و«لطیف»: من ماة «لطف» ، وهو هنا بمعنى خالق الموجودات اللطیفة والأشیاء الظریفة والدقیقة جدّ ، أو بمعنى من أحاط بها علم .
وقالوا أیضاً فی معنى الخبیر : بأنّه من یعلم بالأسرار الخفیة ، ووصفه تعالى بهاتین الصفتین تلویح عن علمه بأسرار الکون ورموزه الخفیة .
والجدیر بالملاحظة هو أنّ الله قد خاطب الناس قبل هذه الآیة فقال : (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُم أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) . (الملک / 3)
ثم طرح الاستدلال المذکور أعلاه لإثبات هذه القضیة . وعلیه فإنّ الاستناد إلى هذه الآیة فی الاستدلال على إثبات علم الله سبحانه یدلّ على أثرها التربوی أیض .
یتّضح ممّا قِیل حول تفسیر هذه الآیة بأنّ مفهومها واسع جدّ ، وینبغی أن لا تحدد بعلم الله بأعمال الناس ونیّاتهم وعقائدهم فحسب ، بل هی فی الحقیقة دلیل کُلی ومنطقی على علم الله ، وقد جاءت لتوضیح جانب تربوی معین .