2ـ الأدلّة العقلیّة على مسألة العدل الإلهی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
1 ـ مسألة العدل الإلهی لدى المذاهب والفرق الإسلامیة3ـ ملاحظتان مهمتان

اعتقد أغلب علماء المسلمین بأنّ هذه المسألة من ناحیة البعد العقلی هی فرعٌ من مسألة (الحُسن والقُبح)، لذا یتوجب علینا هنا متابعة هذه المسألة، وذکرنا عصارة منها هنا:

کان الأشاعرة (جماعة أبو الحسن الأشعری المدعو علی بن اسماعیل والذی کان من متکلمی أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجری) یُنکرون (الحسن والقبح) العقلیین بالمرّة، ویقولون: إنّ عقلنا لیس بقادر لوحده على إدراک الصالح والطالح، والحسن والقبیح من الأشیاء، ومعیار معرفتهما هو الشرع.

فما یستحسنه الشرع فهو حَسنٌ، وما یستقبحه فهو قبیح، حتى الأمور التی نعتقد الیوم بحُسْنها وقُبحها، فإذا قال الشرع خلاف ما نعتقد لقلنا مثل قوله، حتى وإن سُئِلوا: هل یُدرک العقل حُسْن العدالة والإحسان، وقبح الظلم والبخل، وقتل الأبریاء؟ لقالوا: لا! فیجب الإستعانة فقط بتوجیهات الأنبیاء وأولیاءِ الله.

وفی مقابل هؤلاء یقف (المعتزلة) و(الشیعة) الذین یعتقدون باستقلال العقل فی إدراک الحسن والقبح، فمثلا یعتبرون حُسن الإحسان، وقبح الظلم من بدیهیات حکم العقل.

طبعاً إنّهم لا یقولون: إنّ العقل قادرٌ على إدراک جمیع المحاسن والمساوی، لأنّ إدراکه محدود على أیّة حال، بل یقولون: إنّ العقل یدرک القسم الواضح جدّاً منها، ویُعدّونها من المستَقلات العقلیّة.

ذکر (فاضل القوشچی) ثلاثة معان للحسن والقبح:

1 ـ (صفة الکمال والنقص)، کقولنا: الِعلمُ حسنٌ، والجهل قبیحٌ، لأنّ العلم یمنح صاحبه الکمال، والجهل یخلّف النقصان.

2 ـ الحسن بمعنى (التنسیق مع المقصود)، والقبح بمعنى (عدم التنسیق مع المقصود).

هذا هو ما یُعبَّر عنه أحیاناً بـ(المصلحة) أو (المفسدة) فنقول: العمل الفلانی حسن ومن ورائه مصلحة، أی یُقربنا أو یقرب المجتمع الإنسانی من أهدافه، أو الأمر الفلانی فیه مفسدة وقبیح، لأنّه یُبعدنا عن الأهداف الأساسیّة، سواءٌ کانت هذه الأهداف مادیّة أو معنویّة.

3 ـ الحسن بمعنى (الأمور المستحقّة للثناء والثواب الإلهی)، والقبح بمعنى (الأمور المستحقة للتوبیخ والعقاب).

ثم أضاف قائلا: وموضع الشجار والنزاع بین الأشاعرة والمعتزلة هو هذا المعنى الثالث(1) (2) .

ولکن الحق هو أنّ هذه المعانی الثلاثة غیر منفصلة عن بعضها، لأنّ الثواب والثناء یعود إلى الأفعال والأعمال التی فیها مصلحة معینة، وتقرّب الإنسان إلى مراحل الکمال طبعاً، کما هو حال الصفات الکمالیة کالعلم الذی یُقرّب الإنسان من هذه الأهداف.

وعلیه فإنّ هذه المعانی الثلاثة لازمة وملزومة ببعضها، وإن فرّق «فاضل القوشچی» بینها فإنّما هو لتعبید الطریق للإجابة على استدلالات جماعة (الحسن والقبح العقلیین)، فمثلا یَرُدُ على استدلالهم هذا عندما یقولون: (نحن ندرک حسن الإحسان وقبح الظلم بحکم ضرورة الوجدان). فیقول: إنّ هذا الکلام صحیحٌ بالمعنى الأول والثانی، وغیر صحیح بالمعنى الثالث.

لذا یُمکن القول فی تعریف (الحسن والقبح) بأنّ الأفعال الحسنة هی الأفعال التی تقرّب الفرد أو المجتمع البشری من الکمال المطلوب، أو تربّی فیه الصفات الکمالیّة، وتقرّبه من الأهداف التکاملیة، ومثل هذه الأعمال فیها مصلحة طبعاً ومحببة من قبل الله سبحانه وتعالى وتستحق الثواب، وعکسها الأفعال القبیحة.

الآن وبعد أن عرفنا معنى (الحسن والقبح) والأراء المختلفة حول عقلانیتهما وعدم عقلانیتهما، لننظر أیّاً منهما أحق من صاحبه.

لا ریب فی أنّ الذهن الفارغ من تأثیرات هذا وذاک یعتقد إجمالا بعقلانیة الحسن والقبح، ویبدو أنّ المنکرین کانوا قد خضعوا لتأثیرات مسائل اُخرى أدّت بهم إلى الوصول إلى هذه النتیجة (کالطریق المسدود الذی وصل إلیه دعاة مسألة الجبر والتفویض التی أشرنا إلیها سابقاً)، والدلیل على إثبات هذا الموضوع إجمالا أمران:

أ) عندما نُراجع وجداننا نلاحظ أَنَّهُ حتى على فرض عدم ارسال الله أیّ رسول أو نبی، تبقى مسائل الظلم والجور وإراقة دماء الأبریاء وسلب الأموال، وحرق بیوت الأبریاء ونقض العهود وإثابة المسیء، من القبائح، وبالعکس، فالإحسان، التضحیة، الفداء، السخاء، مساعدة الضعفاء، الدفاع عن المضلومین، حسن وذو قیمة.

فنحن نعتقد بأنّ هذه الأعمال ـ التی ذکرناها أخیراً ـ ناشئة من صفات الکمال، وباتّجاه أهداف المجتمع البشری وتستحق الثناء والثواب، فی حین أنّنا نعتبر أعمال المجموعة الأولى ناشئة من النقص، وتؤدّی إلى الدمار والفساد الفردی والاجتماعی وتستحق التوبیخ والعقاب.

لذا فإنّ جمیع العقلاء، حتى اُولئک الذین لا یدینون بشریعة أو دین معین وینکرون جمیع الأدیان، یعترفون بهذه الأمور، ویؤسسون نظامهم الاجتماعی (ولو فی الظاهر) وفقها، ویعتبرون أی نغمة مخالفة قد تظهر من زاویة معینة، بأنّها حتماً ناشئة من (الأخطاء) أو نوع من النزاع اللفظی واللعب بالألفاظ.

فأی عقل یسْمح بأن نقتل جمیع المحسنین والصالحین ونلقی بهم فی البحر، ونفتح أبواب السجون أمام الجناة والأشقیاء ونمنحهم الحریّة ونسلّمهم مقالید الأمور؟!

ب) إن أنکرنا مسألة الحسن والقبح لتزلزلت أسس جمیع الأدیان والشرائع السماویّة، ولما أمکن إثبات أی دین، لأنّ من یُنکر الحسن والقبح علیه أن یقبل بکذب الوعود الإلهیّة التی أعطاها الله فی جمیع الأدیان، وإن کان الله قد قال: إنّ الجنّة مأوى المحسنین، والنار مثوى المسیئین، فما المانع لو کان الأمر بعکس ذلک!؟

وکذّب الله (العیاذ بالله) فی جمیع هذه المسائل، ولا قباحة فی الکذب!!

وکذا ما المانع من أن یجعل الله المعاجز فی تصرّف الکذّابین؟ لیخدعوا عباده ویحرفوهم عن الطریق الصحیح!

وعلیه فلا تبقى هنالک ثقة بالمعاجز، ولا بما یأتی به وحی السماء، إلاّ أن نقبل بقباحة هذه الأمور، ونزاهة الله عن فعل القبیح، فتقوى الأسس الشرعیّة وتصیر المعجزة دلیلا على النبوة، ویصیر الوحی دلیلا على بیان الحقائق.


1. شرح تجرید القوشچی، ص 441.
2. هنالک معنى رابعٌ للحسن والقبح والذی هو خارج عن بحثنا، وهو الحسن بمعنى موافقة الطبع (الوجه الجمیل) والقبیح بمعنى منافرة الطبع .

 

 

1 ـ مسألة العدل الإلهی لدى المذاهب والفرق الإسلامیة3ـ ملاحظتان مهمتان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma