الآیة الثالثة ـ علاوة على ما ورد فی الآیات السابقة ـ تتعرض إلى مسألة علم الله بأعمال الإنسان بشکل خاص ، حیث قالت : (وَهُوَ اللهُ فِى السَّمـواتِ وَفِى الأَرضِ یَعْلَمُ سِرَّکُمْ وَجَهْرَکُمْ وَیَعْلَمُ مَا تَکْسِبُونَ) .
وقد أوضح القسم الأول من الآیة حضور الله فی کل نقطة من عالم الوجود ، أمّا القسم الثانی فقد ذکر علمه سبحانه ، والقسم الثالث إحاطته جلّ وعلا بأعمال الناس وهی بصورة عامّة انذار لجمیع الناس (1) .
ومن البدیهی أنّ المقصود من حضوره ـ جلّ وعلا ـ فی السموات والأرض لا یُراد منه الحضور المکانی ، لأنّه لیس جسماً لیحل بمکان ، فحضوره بمعنى الإحاطة الوجودیة ، فهو سبحانه قد أحاط بکُلّ شیء علم ، وکل شیء حاضر عنده .
وأمّا معنى قوله تعالى «ویعلم ما تکسبون» ؟ فقد قال بعض المفسرین : بأنّه دلیل على اطلاع الله على السر والجهر (2) (الباطن والظاهر) ، وبتعبیر آخر اطلاعه على النیات القلبیة والأعمال الظاهریة ، وقال الآخرون بأنّها إشارة إلى حالات وصفات روحیة ومعنویة یبلغها الإنسان بأعماله ، وعلیه فهی ذات مفهوم جدید مغایر للسّر والجهر(3).
وقال آخرون أیض : «السّر هذا بمعنى النیّات والجهر بمعنى الحالات وما تکسبون بمعنى الأعمال»(4) .
إنّ هذه التفاسیر الثلاثة مناسبة کله ، ولکن من خلال تتبع موارد استعمال مادة «کسب» فی القرآن الکریم ،فإنّ التفسیر الثالث یعتبر أقرب إلى الصواب .