5 ـ الخیر والشّر فی الروایات الإسلامیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
4 ـ الخیر والشّر فی القرآن الکریم«سؤالان مُهمّان عن العدل الإلهی»

وردت هاتان الکلمتان فی الروایات الإسلامیة الواردة عن الرسول(صلى الله علیه وآله)، والأئمّة المعصومین(علیه السلام)، بشکل واسع وفی صَیغ مُختلفة.

ما یتناسب مع موضوع بحثنا أولا هو تصریح الکثیر من الروایات بکون الخیر والشر مخلوقین إلهیّین، من جملتها:

ورد عن الإمام الباقر،(علیه السلام): «إنّ الله یقول أنا الله لا إله إلاّ أنا، خالق الخیر والشّر، وهما خلقان من خلقی...»(1).

وقد ورد نفس هذا المعنى فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام)، حیث قال: «إنّی أنا الله لاإله إلاّ أنا، خلقت الخلق، وخلقت الخیر وأجریته على یدی من أُحبّ، فطوبى لمن أجریته على یدیه، وأنا الله لا إله إلاّ أنا، خلقت الخلق وخلقت الشّر وأجریته على یدی من أریده، فویلُ لمن أجریتهُ على یدیه»( 2).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام)، أیضاً: «الخیر والشّر کُلّه من الله»(3) وهنالک أحادیث عدیدة اُخرى فی المصادر الإسلامیة، وذکرها بأجمعها یخرجنا عن صُلب الموضوع(4).

وقد طُرحَتْ أسئلة مختلفة بصدد هذه الأحادیث أهمها السؤال التالی:

أولا: إذا کان الشر أمراً عدمیّاً فکیف عُبّر عنه بالخلق هنا؟

یمُکن العثور على جواب هذا السؤال فی البحوث السابقة، وهو کثیراً ما یحدث أن تُطلق لفظه الشّر على الأمور الوجودیّة التی تُسبب العدم، کأنواع المکروبات والمواد السّامة والأسلحة المخرّبة والتی تعتبر جمیعها أموراً وجودیة لکنها مصدر «الأمراض» و«الموت» و«الخراب»، التی هی أمور عدمیّة، «دقق جیّداً».

علاوةً على هذا فإنّه یُحتمل أن یکون التعبیر الوارد یشیر إلى الشرور النسبیة ذات الصبغة الوجودیّة والتی یغلب خیرها على الرغم من ترکها أثاراً سلبیّة لبعض الأفراد.

یقول العلاّمة المرحوم المجلسی (رضوان الله تعالى علیه) فی «مرآة العقول» عن المحقق الشیخ الطوسی، فی شرح أمثال هذه الروایات: المقصود من الشّر هو الأمور التی لا تناسب طبع الإنسان على الرغم من وجود مصلحة معینة فیها.

ثم أضاف فی توضیحه عن کلام المحقق: «للشر معنیان».

1 ـ الشیء الذی یخالف الطبع ولا یتناسب معه کالحیوانات المؤذیة.

2ـ الشیء المؤدی إلى الفساد ولیس فیه مصلحة ما.

وما یُنفى عن الله سبحانه هو الشّر بالمعنى الثانی لا الأول، ثم أضاف قائلا: یعتقد الفلاسفة بأنّ الأمور على خمسة أنواع: الأشیاء التامّة الخیر والتی یُستلزم صدورها من الله عزّوجل، والأشیاء التامّة الشر التی یستحیل صدورها من الله عزّوجل، والأشیاء التی یغلب خیرها وهی ضروریة الصدور من الله أیضاً، والأشیاء الغالبة الشّر أو التی تساوى خیرها وشرّها، فکلاهما لا یصدران من الله تعالى، وما نراه من الحیوانات المؤذیة فی عالمنا فانَّ فوائده الوجودیّة أکثر من شره، «ولذلک خُلقوا»(5). لذا یُحتمل أن یکون المقصود من خلق الشّر من قبل الله تعالى هو الأمور التی فیها نسبة من الشّر، لکن خیرها غالب فی المجموع.

والسؤال الآخر المطروح بصدد هذه الروایة هو: أنّ الروایة تقول بأنّ الله یجری الخیر والشّر على ید فئات مُختلفة من الناس، أفلا تُعطی هذه المسألة رائحة الجبر؟ وکیف یمکن للخالق الحکیم أن یجعل أفراداً وسیلة للشرّ والفساد؟ والجواب على هذا السؤال أیضاً، بالنظر لما مضى سابقاً، لیس بأمر مُعقّد، لأنّ هذه التعابیر تُشیر إلى التوحید الأفعالی الإلهی، أی أنّ ذاته منتهى کُلّ شیء ولکن الله قد منح الإنسان حرّیة الإرادة وخیارها ومکّنه من أسباب الخیر والشّر والصلاح والفساد لیبتلیه، فالبشر هم الذین یُصمِّمون التصمیم النهائی فی انتخاب نوع الطریق، ونوع البرنامج السلوکی، ومُسلّماً أنّ الله یجری أنواع الخیر على ید الذین ینتهجون طریق الإیمان والعمل الصالح.

ومن هنا یتضح تفسیر الآیات التی تقول: (فَمَن یَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّة خَیراً یَرَهُ * وَمَن یَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّة شَرّاً یَرَهُ). (الزلزال / 7 ـ 8)

وخلاصة الکلام هو أنّ الشر بمفهومه العدمی لیس بمخلوق إلهیّ، وما هو مخلوق شیئان:

1 ـ الأمور الوجودیّة الأصل لکنها أسباب الأمور العدمیّة، وقد ذکرنا أمثلتها.

2 ـ الأمور التی خیرها یغلب شرّها، أو بتعبیر أخر شرها نِسْبی، کالکثیر من سموم الحیوانات التی تؤدی إلى موت وهلاک الإنسان فی حالات معینة، لکنها وکما نعلم مادّة صناعة الکثیر من العقاقیر الشافیة من جهة اُخرى، ویوجد فی مراکز صناعة الأدویة أقسام لحفظ الثعابین الخطرة وذلک للاستفادة من سمومها، علاوةً على هذا فإنّ أنیاب وسُمّ هذه الحیوانات هی وسیلتها الدفاعیة لمواجهة الأعداء، أو جمع الغذاء من أجل البقاء.

وکذا المکروبات المعروفة بالشّر هی امور وجودیّة، فبالإضافة إلى آثارها السلبیة فانَّ لها أثاراً إیجابیة أیضاً، وتعمل الکثیر من هذه الموجودات المجهرّیة على تفسیخ أجساد الموتى وجثث الحیوانات، ولولاها لما مضت إلاّ مدّة وجیزة حتْى تمتلىء الأرض بالأجساد المتعفّنة وتتلّوث بسببها، وَلَحَلَّ الدمار الشدید بالبیئة الإنسانیة.

وأیضاً تعمل مجموعة منها على إحداث افعال وانفعالات معینة داخل التربة لتهیّأها للزرع.

وحتى المکروبات المؤذیة المسببة للأمراض فإنّ هجماتها المستمرة على بدن الأنسان، عن طریق الغذاء والماء والهواء، تُنشّط جمیع خلایاه وتجعلها فی حالة دفاعیة دائماً وتکون سبباً فی اقتدارها، إلى الدرجة التی یعتقد البعض بأنّه لو لم تکن هذه المکروبات الهجومیّة لکان بدن الإنسان ضعیفاً جدّاً ولکان أطول إنسان لا یتجاوز طول قامته الثمانین سنتمتراً!

والسؤال الأخیر المطروح بصدد خلق الشّر هو: لم لا تنحصر مخلوقات الله بالخیر المحض؟ وتوجد أشیاء غالبة الخیر، فمثلا نجد أنّ النار مادّة حارقة ینتج منها الکثیر من شؤون الحضارة الإنسانیة، والمواد الحیاتیة والأشیاء المفیدة، لکنها أحیاناً قد تُحرق أفراداً، أو تحول بیتاً بأکمله إلى رماد بسبب سوء استخدامها.

ولکن یجب الإنتباه فی مثل هذه الموارد إلى أنّها لو جُرّدت عن صیغة الشّر فقدت محتواها، أی أن لا یخلق الله ناراً، لأنّ النار التی تُحرق أحیاناً ولا تُحرق أحیاناً اُخرى لیست بنار.

وبتعبیر آخر: یحتوی عالم المادّة بطبیعته على مثل هذه النقائص إلى جنب کمالاته، وإذا کان من المقرر حذف هذه النقائص لصار معناه نقض خلق عالم المادّة أساساً، «أی أن لا یُخلَقْ»، فی حین أنّه ذو خیر غالب وکمال نسْبی، وخلقه عین الحکمة (تأمل جیداً).


1. بحارالانوار، ج 5، ص 160، ح 20.
2. اصول الکافی، ج 1، ص 154، باب الخیر والشر، ح 1.
3. بحارالانوار، ج 5، ص 161، ح 21.
4. لزیادة الإطلاع راجع المجلد الأول من اصول الکافی: باب الخیر والشر، والمجلد الثانی من کتاب الدعاء: باب ما یمجد به الرب، الحدیث الأول والثانى، ص 515 و516، وبحارالانوار، ج 5، باب السعادة والشقاوة.
5. مرآة العقول، ج 2، ص 171، باب الخیر والشر، ح 1.

 

4 ـ الخیر والشّر فی القرآن الکریم«سؤالان مُهمّان عن العدل الإلهی»
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma