استعملت الآیة الحادیة عشر مصطلح (ظلاّم) الذی هو من صیَغِ المبالغة، ویعنی کثیر الظلم، قال تعالى: (وَمَا رَبُّکَ بِظَلاَّمِ لِّلعَبِیدِ).

ذکر القرآن هذه الجملة بعد أن أخبر بأنّ کل انسان مرتَهَنٌ بعمله، إن عمل صالحاً فلنفسه و إن أساء فعلیها، وإن تورّط الناس بعواقب مشؤومة فبما کسبت أیدیهم، وأنّ الله لیس بظالم لهم.

ونفی صفة (ظلاّم) ـ کثیر الظلم ـ عن الله تعالى ـ مع کونه لا یظلم أحداً أدنى شیء ـ فیه کلام، فقد قال البعض: إنّ صدور (ادنى شیء من الظلم) ممن یعلم بقباحته ولیس له أی حاجة إلیه، یُعَدُّ ظُلماً عظیم(1).

ویُحتمل أیضاً أن یؤدّی ترابط عالم الوجود، وبالأخص حیاة البشر، مع بعضه إلى أنّه لو افترضنا صدور ظلم معین من ذاته المقدّسة بشأن أحد ما، لسَرى إلى الآخرین واتخذ صفة (ظلاّم).

کیف یُمکن أن یوصف الله، المنزّه عن کل عیب ونقص، والموصوف بجمیع صفات الجمال والجلال، بصفة (الظلاّم)؟

والتفسیر الرابع هنا، والذی یَبدو أفضل من جمیع هذه التفاسیر، والمشار إلیه فی بعض الروایات الواردة عن المعصومین(علیهم السلام)، هو أنّ الآیة المذکورة ـ ونظراً لما ورد فی صدرها ـ تُبطل عقیدة الجبر: فتقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسَاءَ فَعَلَیْهَا). (فصلت / 46)

فعلیه الجمیع مفوّضون فی ممارسة الأعمال، وإذا أجبرهم الله على ارتکاب الذنوب وآخذهم علیها لکان ظلاّماً قطعاً، ولأنّ الله لیس بظلاّم للعبید فهو لا یجبرهم على ارتکاب القبائح ویؤاخذهم علیها فیما بعد.

ورد فی حدیث عن الإمام الرّض(علیه السلام) أنّه سُئِلَ من قِبَل أحد أصحابه: هل یجبر الله عباده على الذنب؟ فأجابه(علیه السلام): «لا، بل خیّرهم وأمهلهم لیتوبوا»، فسأله کذلک: فهل یکلّفهم ما لا یُطیقونه؟ فقال الإمام(علیه السلام): «کیف یفعل ذلک وهو یقول: (وَمَا رَبِّکَ بِظَلاَّمِ لِّلعَبِیدِ)».

(لاحظوا أنّ الإعتقاد بالجبر یوجب التکلیف بما لا یُطاق، لأنّ العبد المجبور على المعصیة، لا طاقة له على الترک، فی حین أنّ الله قد فرض علیه ترکها)( 2).

والجدیر بالإلتفات هو أنّ کلمة (ظلاّم) قد وردت. خمس مرّات فی القرآن الکریم أربعٌ منها بخصوص مسألة حریّة إرادة العباد(3).

1. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 18.
2. تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 555، ح 71.
3. وردت عبارة (وما ربک بظلام للعبید)، فی آل عمران، 182; و فصلت، 46 والتی یدور البحث حولها و الانفال، 151.