ذکرت الآیة التاسعة صفة البصیر فقط ، وأمّا ما جاء من أنّه بصیر بعباده وحاجتهم إلى الامداد الإلهی . فهذا جاء نقلا لخطاب مؤمن آل فرعون الذی کان یکتم إیمانه عن آل فرعون وبذل النصح لقوم موسى (علیه السلام) عندما کانوا یخطّطون لقتله ، وهدّدهم بالعذاب الإلهی وصرفهم عن هذا العمل فقال لهم: (فَسَتَذْکُرُونَ مـَا اَقُوْلُ لَکُمْ)، فإن حملتم کلامی هذا على التعاون مع موسى (علیه السلام) وقصدتم ایذائی فانی : ( وَأُفَوِّضُ اَمْرِى اِلى اللهِ اِنَّ اللهَ بَصیرٌ بِالْعِبـَادِ) .
وبالتالی فقد نجّى الله سبحانه هذا العبد المؤمن المجاهد من المؤامرات العدیدة التی حِیکت ضدّه (والتی کان من جملتها التعذیب والاعدام) .
وبالحقیقة ، أنّ التذکیر بکون الله بصیراً بالعباد هنا إنّما هو کنایة عن عدم تخلی مثل هذا الرب عن عباده المجاهدین المخلصین ، وأنّ مثل هؤلاء العباد بإیمانهم بمثل هذا الرب سوف لا یهابون الصعاب ، ومن هذه الجهة فقد أشارت الآیة التی بعدها إلى نجاته من مخالب الاعداء فی ظل اللطف الإلهی .
وهذه المسألة جدیرة بالذکر أیض ، وهی الآصرة الوثیقة الموجودة بین کون الله سبحانه بصیراً بعباده وبین تفویض الاُمور له ، لأنّه کیف یمکن أن یدافع عن الإنسان من لا یعلم مشاکل الإنسان وحوائجه الظاهریة والباطنیة؟ وبتعبیر آخر فالتفویض بمعنى ثمرة الإیمان بکون الله بصیراً بالعباد وأمورهم ، والتفویض هنا طبعاً لا یعنی أن یتقاعس الإنسان ویتکاسل أبد ، لأنّ هذا الکلام صدر من رجل مجاهد جازف بحیاته من أجل الدفاع عن موسى (علیه السلام) ورسالته ، بل المقصود هو أداء التکلیف ثم تفویض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .