4 ـ أدلّة القائلین بالرؤیة الظاهریّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
3 ـ الروایات الدالّة على انتفاء رؤیة الله5 ـ الله عزّ وجلّ لیس جسماً

وکما أشرنا فیما مضى ، فإنّ هناک جماعة من علماء أهل السُّنّة الماضین وحتى المعاصرین المؤیدین لمسألة الرؤیة ، یصرحون أحیاناً بإمکانیة رؤیة الله بالعین الظاهریة هذه ، ولکن لا فی الدنی ، بل فی الآخرة ! وأحیاناً اُخرى یؤوّلون ذلک بقولهم: ( إنّ الله یُرى فی الآخرة بواسطة الحاسة السادسة التی یخلقها لعباده المؤمنین ، أو بعین غیر هذه العین والتی یمتلکها حتى الأعمى .

ویظهر أنّ الشیء الأساس الذی قادهم إلى التسلیم بهذا المعتَقد والإشتباه فی تفسیر الرؤیة وتوجیه کلامهم بتوجیهات عجیبة ، هو الروایات الواردة فی کُتُبهم عن الرسول محمد(صلى الله علیه وآله)، بالدرجة الاُولى ، وبالدرجة الثانیة هو ظواهر بعض الآیات القرآنیة التی لم تفسَّر بصورة صحیحة .

1 ـ ورد فی الحدیث عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) : «إنّکم سترون ربّکم کما ترون هذا القمر لاتُضامّون فی رؤیته»(1) .

2 ـ وفی حدیث آخر عن ابی هریرة أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) سأل أصحابه : «تضامّون فی رؤیة القمر لیلة البدر ؟ فقالو : کلاّ أیّ اننا نرى القمر بدون أن نزدحم فی رؤیته» .

فقال (صلى الله علیه وآله): «کذلِکَ لا تُضامُّونَ فی رؤیةِ ربّکم یومَ القیامة »(2).

3 ـ وفی روایة اخرى فی نفس هذا الکتاب عن «ابو رزین» عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «ضحک ربُّنا من قنوط عباده وقُرب غیرهِ .

فقال الراوی : فسألته هل یضحک ربُّنا یارسول الله ؟

فقال : نعم ، فقلت : لن نعدم من ربٍّ یضحک خیراً» (3) .

4 ـ وفی حدیث آخر عن «أبو عاصم العبادانی»... عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «بینا أهلُ الجنّة فی نعیمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ قد أشرفَ علیهم من فوقهم فقال : السلام علیکم یا أهل الجنّة ! قال وذلک قول الله سلامٌ قولاً من ربٍّ رحیم ، فینظر إلیهم وینظرون إلیه» (4).

بعد أن نقل ابن ماجه الحدیث المذکورة نقل عن السیوطی فی مصباح الزجاجة کلاماً یدل على عدم الوثوق بأحادیث أبی عاصم العبادانی .

وقد ورد الحدیث الأول أیضاً فی صحیح البخاری ، الذی یُعَدُّ من أشهر مصادر الحدیث لدى أهل السُّنّة ، عن ( جریربن عبدالله ) فی کتاب ( مواقیت الصلاة ) فی بابین مختلفین مع اختلاف بسیط(5) .

وقد نُقلَ بصراحة فی قسم تفسیر الآیات من المجلّد السادس لصحیح البخاری أیضاً مسألة رؤیة الله یوم القیامة (6) .

5 ـ یُلاحظ فی کتاب الصلاة من«صحیح مسلم» وجود عدّة روایات منقولة عن «أبی هریرة» حول نزول الله تبارک وتعالى کلّ لیلة إلى السماء الدنی ، من جملتها عن الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ینزل الله إلى السماء الدنیا کل لیلة حین یمضى ثلث اللیل الأوّل ...»(7).

مع أنّ هذه الروایة لا تتحدث عن مسألة الرؤیة لکنّها تشتمل على مسألة تجسیم الله عزّ وجلّ ، ونسب العوارض إلیه أیض ، کالمکان والحرکة والنزول والصعود!

إنّ هذه الروایات ـ ومع الاسف ـ قد وردت مراراً فی مصادرهم الشهیرة التی ذکرنا قسماً منها أعلاه ، وبما أنّها تخالف صراحة الآیات القرآنیة التی تقول (لا تدرکهُ الأبصار )و(قَالَ لَن تَرانی ) ومخالفة لحکم العقل أیضاً فیجب أن تُهمل ، وإن لم یُعثر لها على تفسیر وتوجیه واضح ، فیجب القول : إنّها روایات مجهولة ونسبت إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)) .

والعجیب ، أنّ أکثر هذه الروایات منقولة عن طریق أبی هریرة المشکوک فی أمره من عدّة جوانب .

وکما نقلنا فی روایة الإمام الرضا (علیه السلام) : کیف یُمکن لأجیر أن یُبلّغ عن الله عبارات صریحة تقول بعدم إمکانیة رؤیة الله أبد ، ثم یدّعی بأنّ المؤمنین یَرون الله فی القیامة ، أو بأنّ الله ینزل إلى السماء الدنیا کُلّ لیلة ؟ وهذا تضادٌّ غیر ممکن ، إضافة إلى هذ ، فالروایات الآنفة الذکر کما تقول بامکانیة رؤیة الله ، تُصرح أیضاً بجسمانیة الله ، وتنسِبُ إلیه الصعود والنزول والضحک والقهقهة ، وهذا شیء لا یتقَبلهُ حتى الأشاعرة الذین یعتقدون بالرؤیة ، وذلک لأنّهم یقولون بصراحة : إنّ رؤیة الله لاتعنی تجسیمه ، وهذا شاهد آخر على کون هذه الروایات موضوعة .

وکذلک ماورد فی ( سنن ابن ماجة ) عن عبد الله بن عمر أنّه سمعَ رسول الله (صلى الله علیه وآله) قال: « یُدنى المؤمن من ربّه یوم القیامة حتّى یضع علیه کنفَه... »(8) .

فلو لم تُحمل هذه التعابیر على المعانی المجازیّة والکنائیّة ، فهی حتماً تدلُّ على مجهولیة هذه الروایات التی تجعل لله ذراعاً وصدراً وجناح ، وبواسطتها تُعرض الأفکار المنحطّة للقائلین بالجسمیّة ، فی قالب أحادیث مَجعولة .

والأعجب من ذلک وهو جود جماعة لحدّ الآن یؤیدون مسألة رؤیة الله ، وذلک بسبب تقیدُّهم بمثل هذه الروایات المبتدَعة .

فی حین أنّ مذهب أهل البیت (علیه السلام) قد نفى هذه العقیدة مطلقاً لأنّها مرفوضة من قِبل العقل والآیات القرآنیة .

ومن بین الآیات الشریفة التی یستند علیها القائلون بالرؤیة هی (وُجُوُهٌ یَومَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ). (القیامة / 22 ـ 23)

فی حین أنّ کلمة ( ناظرة ) المشتقة من مادة ( نظر ) تأتی بمعنى المشاهدة ، وبمعنى الإنتظار ، وعلى أیّة حال یجب أن توضع هذه الآیة إلى جنب الآیات القرآنیة الاُخرى التی تقول (لا تدرکه الأبصار) وأن تُفسَّر هذه المتشابهة بتلک المحکمة .

وتستعمل هذه التعابیر الکنائیّة بکثرة ، کقولنا: ( فُلان ینظر إلیک فقط ، أو عینه علیک) أی یتوقع منک المحبّة واللطف والرأفة ، فأصحاب الجنّة أیضاً ینظرون یوم القیامة إلى ربّهم ویرجون منه اللطف والرحمة .

والملفت أنّ تقدُّم الجار والمجرور فی جملة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) یعطی معنى الحصر ( أی إنّها ناظرة إلى ربّها فقط ) ، فی حین أنّهم یُشاهدون أنواع نِعَمِ الجنّة بأعیُنهم ، کالأشجار والأنهر والثمار والحور العین وغیر ذلک بنفس الوقت ، ممّا یدلّ بحد ذاته على أن هذه النظرة إلیه تعالى والمختصّة بذاته المقدّسة ، هی انتظار کرمه وعفوه.

والاحتمال الآخر الوارد فی تفسیر الآیة ، هو أَنَّ المقصود من النظرة هی الشهود الباطنی ، والرؤیة الصریحة بعین القلب والبصیرة ، والخالیة من کل ألوان الشّک والتردید .

والحدیث النبوی المنقول عن أنس بن مالک یُعدُّ خیر دلیل على هذا الإدعاء وهو : « ینظرون إلى ربّهم بلا کیفیّة ولا حد محدود ولا صفة معلومة » (9) .

ومن المُسلَّم أنّه لو کان المقصود من الرؤیة هو الرؤیة البصریّة الظاهریّة فهی مستحیلة بدون وجود کیفیّة وصفة معلومة .

یقول العلاّمة الکبیر المرحوم ( السید شرف الدین ) فی کتاب ( کلمة حول الرؤیة ) ـ بعد أن تطرّق إلى الأحادیث التی نقلها محدثو أهل السُّنّة بخصوص رؤیة الله یوم القیامة ـ: ( إنّهم بحملهم هذه الروایات على الصحّة اضطرّوا إلى سلوک الطریق الذی سلکه القائلون بجسمانیة الله ، الطریق المخالف للعقل والنقل ، فی حین أنّه لا هذه الأحادیث صحیحة ، ولا ماورد فیها شیء یقبله العقل والشرع ، ولکن کثرتها أدّت بهم إلى تعطیل حکم العقل ، وحتّى إلى تطبیق آیات من القرآن الکریم معه .

إنّه عمل غیر متوقَّع ، إِنَّا للهِِ وإِنَّا إِلَیهِ رَاجِعُونَ! .

ثم تطرّق إلى آیة: (وُجُوهٌ یَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، وأضاف قائلا: التعبیر بکلمة ( نظر ) خصوصاً عندما تتعدى بـ ( إلى ) لا یعنی الرؤیة والمشاهدة أبد ، بل یعنی صرف النظر إلى شیء حتى وإن لم یکن مرئیّ ، کما صرّح بذلک أرباب اللغة ، مضافاً إلى ذلک وورد فی القرآن الکریم: (وَتَرَاهُمْ یَنظُرُونَ إِلَیکَ وَهُمْ لاَیُبصِرُونَ) (الأعراف / 198)

والذی یتبادر إلى الذهن من الآیة أعلاه هو ذلک الانتظار للفضل الإلهی یوم القیامة ، ( وکما أشرنا سابقاً) فإنّ استعمال هذه الکلمة بهذا المعنى والمفهوم یُعَدُّ حقیقةً لا مجاز ، وهی ملحوظة فی الأشعار والکلمات الیومیّة التی تمر علینا کقول الشاعر:

وجوه ناظرات یوم بدر *** إلى الرحمن تنتظر الخلاصا

ویقول الشاعر الآخر:

إنّی إلیک لِما وعدتَ لناظر *** نظر الفقیر إلى الغنی الموسر

ثم أضاف قائلاً: إنّی أتعجّب من هؤلاء الأخوة کیف استدلوا بهذه الآیة على إمکانیة رؤیة الله وحصوله ، وغاب عنهم معناها الظاهری؟ فی حین أنّهم عندما یَصِلون إلى الآیات المشابهة لهذه الآیة یؤوّلونه ، کالآیة: (الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى). ( طه / 5 )

و(یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیدِیهِمْ) ( الفتح /10 )

ولا یحملون هذه الآیات على معنى جسمانیة الله والمکان والحرکة ، بل یعتبرون الأولى بمعنى سلطة الله الربوبیّة على العرش ، والثانیة کنایة عن قدرته الفائقة جلّ وعل .

ولا یُعلَم سبب هجرهم للمعنى الجلی لجملة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) واندفاعهم نحو مسألة الرؤیة .

مضافاً إلى ذلک فیُمکن أن تکون هذه الآیة کنایة عن الرؤیة بعین البصیرة ، کما ورد فی کلام أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) عندما قال: « لو کُشِفَ لیَ الغطاء ماازددتُ یقین » . أو یقول فی موضع آخر : « أَوَ أعبُدُ ربّاً لم أرهُ » ؟ ثم صرّح قائلا: «لا تراه العیون بمشاهدة العیان ولکن تدرکه القلوب بحقائق الإیمان » .

أو ماورد فی کلام ولده الإمام سید الشهداء الحسین (علیه السلام) فی دعاء عرفة مخاطباً ربّه: « عمیت عین لا تراک علیها رقیب »!(10).

والآیة الاُخرى التی استندوا علیها لإثبات مقصودهم هی (کَلاَّ إِنَّهُم عَن رَّبِّهِم یَوْمَئِذ لََّمحَجُوبُونَ). (المطففین / 15 )

ویستفیدون منها کون المؤمنین غیر محجوبین عن الرؤیة ، ویرون ربّهم حتماً.

ولکن کما أنّ کلمة ( حجاب ) تُستعمل للحجاب الظاهری ، فکذلک تستعمل للحجاب المعنوی أیض ، والمقصود فی هذه الآیة هو المعنى الثانی لا الأول ، وذلک بقرینة الآیة التی سبقتها حیث تقول: (کَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا کَانُوا یَکْسِبُونَ) (المطففین / 14)

إنّ المقصود هنا من الرَّین هو الرَّین المعنوی لا الظاهری .

والشاهد الآخر هو الآیة الخامسة من سورة فُصّلت التی تخبر عن قول الکفار:(وَمِنْ بَیْنِنَا وَ بَیْنِکَ حِجَابٌ ) . ومن المُسلَّم أنّ الحجاب الذی کان بین الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) والکفّار لم یکُن حجاباً ظاهری .

وفی قوله تعالى:(جَعَلْنَا بَیْنَکَ وَبَیْنَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً) . (الاسراء / 45)

وعلیه فإنّ الکفّار محرومون من اللقاء المعنوی مع ذلک المحبوب ، وذلک لوجود الحجاب بینهم وبین الله تعالى ، والآیة الثالثة التی استعانوا بها لإثبات مقصودهم هی: (أَنَّهمْ مُّلاقُوا رَبِّهِمْ). ( البقرة / 46 )

وقالو : إنّ الملاقاة تعنی المشاهدة .

فی حین أنّ الآیات القرآنیة تدل بوضوح على أنّ اللقاء یوم القیامة بأی مفهوم کان لا یخص المؤمنین ، بل یتساوى فیه المؤمن والکافر ، بینما نجد أنّهم یعتقدون بأنّ رؤیة الله فی القیامة خاصّة بالمؤمنین فقط ، والدلیل على عمومیة اللقاء ما ورد فی قوله تعالى:

(یَااَیُّهَا الإِنسَانُ إِنَّکَ کَادِحٌ إِلَى رَبِّکَ کَدحًا فَمُلاَقِیهِ) . (الانشقاق / 6)

إذن فالمخاطَب فی هذه الآیة جمیع الناس . و کما ورد فی قوله تعالى: (فَأَعْقَبَهُم نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِم إِلَى یَومِ یَلْقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوه وَبِمَا کَانُوا یَکذِبُونَ) . (التوبة / 77)

فهذه الآیة خاصّة بالمنافقین ، وفی نفس الوقت فانّها تثبت أنّ لهم لقاء الله ، وعلى هذا یتضح أنّ لقاء الله ، بأیّ مفهوم کان ، یشمل کلاً من المؤمنین والکافرین ، فی حین أنّهم یعتقدون باختصاص هذا الموضوع بالمؤمنین .

والجدیر بالذکر أنّ کلمة ( لقاء ) فی الأصل اللغوی بمعنى حدوث تماس بین شیئین ، لا بمعنى الرؤیة والمشاهدة ، ونحن نعلم باستحالة تحقق هذا الأمر بخصوص الباری تعالى ، والأشاعرة أیضاً لا یقولون بذلک ، لذا یجب أن یُحمَل على المعنى الکنائی .

وما یُستفاد من الآیات القرآنیة المختلفة هو أن ( یوم لقاء الله ) ، کنایة عن یوم القیامة الذی سیلقى الناس فیه الجزاء والحساب والقصاص الإلهی ، لذا فقد ورد فی آیات متعددة بدلا عن ( لقاءالله ): (لِقاءَ یَومِهِم هَذَا) ( الأعراف / 51 )

أو (لِقاءَ یَومِکُم هذا). (السجدة / 14) (الجاثیة / 34 )

وورد التعبیر عنه فی آیات اُخرى بملاقاة یوم الحساب ویؤوّل باللقاء مثل: (اِنِّى ظَنَنْتُ أَنِّى مُلاَق حِسَابِیَهْ). ( الحاقّة / 20 )

لهذا فقد حمل الکثیر من أرباب اللغة آیات لقاء الله على هذا المعنى .

یقول الراغب فی المفردات: « ملاقاة الله عزّ وجل عبارة عن القیامة » .

وکذلک یقول إبن الأثیر فی النهایة: « المراد بلقاء الله المسیر إلى دار الآخرة » .

وقد نقل ابن منظور فی لسان العرب نفس هذا المعنى أیض .

ویُلاحظ نفس هذا المعنى فی الروایات أیض ، کما ورد فی الحدیث النبوی أنّه (صلى الله علیه وآله)قال: « من حلف على یمین لیقتطع بها مال امرء مسلم لَقِیَ الله وهو علیه غضبان »(11) .

والظاهر أنّ التعبیر عن القیامة بـ ( یوم لقاء الله ) ینبع من هذا المعنى ، وهو : أنّ الإنسان ـ فی ذلک الیوم ـ یشعر بالأمر الإلهی فی کل مکان ، فی الحساب ، فی عرصة المحشر ، فی الجنّة والنار ، ویتجلّى وجود الله عزّ وجلّ للجمیع ، بحیث یراه المؤمن والکافر بعین القلب والبصیرة.

والعجب هو استدلال الأشاعرة بآیات أُخرى لا تدلّ على مقصودهم أدنى دلالة ممّا یؤید أنّهم مصرّون على تحمیل الآیات القرآنیة على آرائهم ، کالآیة: (لِّلَّذِینَ أَحسَنُوا الحُسنَى وَزِیَادَةٌ). (یونس / 26 )

فقالو : إنّ المقصود من (زیادة) رؤیة الله!!

فی حین عدم وجود أدنى إشارة فی هذه الآیة الشریفة على هذا المفهوم ، بل إنّ الآیة تشیر إلى نفس ذلک الشی الذی ورد بهذا المضمون حیث قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالَهَا) . (الانعام / 6)

وکذلک استدلوا بالآیة: (لَهُم مَّایَشَاؤُنَ فِیهَا وَلَدَیْنَا مَزِیدٌ) . (ق / 35)

فقالو : إنّ المقصود من ( لدینا مزید ) هو رؤیة الخالق! فی حین أننا لا نرى أدنى إشارة إلى هذا المفهوم .

وخلاصة الکلام هو أنّ مسألة رؤیة الله ، ـ علاوة على کونها مخالفة للدلیل القطعی العقلی والنقلی ـ کانت تستلزم جسمانیة الله ( إلاّ أن یکون المقصود منها الرؤیة بعین القلب والباطن فلا أحد یُناقش فی ذلک ) .

ولا یوجد دلیل روائی أو قرآنی علیه ، والأمر الوحید هو استعانتهم بالمتشابهات لتصدیق معتقدهم هذ ، فی حین أنّ القرآن أمرنا بمطابقة وتفسیر المتشابهات بالمحکمات .

وإنّ قسماً من الروایات المنقولة فی کتب هؤلاء القوم بخصوص هذا الموضوع ، هی روایات تتنافى مع حکم العقل والقرآن ، ونحن مأمورون بترکها وعدم الإهتمام بها.

وقد انتقد المرحوم العلاّمة السیّد شرف الدین بدوره اسناد هذه الأحادیث أیضاً فی کتابه القیّم « کلمة حول الرؤیة » وأثبت بأنّها موضوعة ( ولزیادة التوضیح راجع الکتاب المذکور ) (12) .

فما أقبح عصرنا الحاضر إذ یوجد فیه من لا یزالون یؤیدون خرافة ( رؤیة الله بالعین الظاهریة فی القیامة ) ، على الرغم من کون البحوث العقائدیة فیه تدور حول محور الأدلّة العقلیّة ، وقد اتضحت المسألة بصورة کافیة من خلال آیات القرآن .


1. سنن ابن ماجه، ج 1 ( المقدمة ـ الباب 13 ، ح 177 ) نلاحظ فی مجمع البحرین ( تَضامَّ القوم أی اِنضمّ بعضهم إلى بعض ) .
2. المصدر السابق، ح 178 .
3. المصدر السابق، ص 64 ، ح 181 .
4. المصدر السابق، ص 65 ، ح 184 .
5. صحیح البخاری، ج 1 ، ص 145 و150.
6. المصدر السابق، ج 6 ، ص 56 تفسیر سورة النساء .
7. صحیح مسلم، ج 2 ، ص 175، کتاب صلاة المسافرین ، ( باب الترغیب فی الدعاء ) .
8. سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 65 ، المقدمة ، ح 183 ـ کنف على وزن هدف ، له معان عدیدة من جملتها الذراع ، الصدر، الجناح ، الجانب ، والظل .
9. تفسیر المیزان، ج20 ص 204 .
10. کلمة حول الرؤیة ، ص 48 ـ 53 باختصار .
11. تفسیر الکبیر، ج 3 ، ص 51 ، ذیل الآیة 46 من سورة البقرة .
12. کلمة حول الرؤیة، ص 67 ـ 80 .

 

3 ـ الروایات الدالّة على انتفاء رؤیة الله5 ـ الله عزّ وجلّ لیس جسماً
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma