لقد ذکرنا سابقاً بانّه لا یوجد أحد من المؤمنین یُنکِر أزلیّة وجود الله عزّ وجلّ وأبدیته ، لأنّه لو لم یکُن أزلیّاً لاستلزم أن یکون حادث ، وإن کان حادثاً لاحتاج إلى علّة اُخرى ، لاستحالة وجود المعلول بدون علة . وإذا آمنّا بأزلیته سبحانه فإنّها مصحوبة أیضاً بأبدیته ، لأنّ الوجود الأزلی لامحدود حتم ، ووجود کهذا سیکون أبدیّاً بالطبع ، مضافاً إلى ذلک فإنّ نفس التفکر فی حقیقة وجود الله تعالى یوصل إلى هاتین الصفتین بسهولة ، لأنّ دلائل إثبات وجود الله تفید کونه ( واجب الوجود ) ، ونعلم أنّ واجب الوجود لا یُمکن أن یکون منفصلا عن الوجود أبد ، أو بعبارة أصح ، الوجود عین ذاته ، ولم یُعطَ له من الخارج لیُؤخذ منه فی زمان م ، ووجود کهذا کان منذ الأزل وسیبقى إلى الأبد .
وقد تُجمع هاتان الصفتان فی صفة واحدة هی ( السرمدیّة ) ، لأنّ الوجود السرمدی هو الوجود الذی لا بدایة له ولا نهایة کما قال بعض أرباب اللغة .
وما قاله بعض ذوی الأفکار الضیقة من إمکانیة تصُّور ذات تکون وجوداً واجب الوجود فی زمان ، وغیر واجب للوجود فی زمان آخر ، إنّما هو کلام واه جدّاً ولا أساس له ، ویدل على عدم فهمهم معنى ( واجب الوجود ) بصورة صحیحة ، لأنّه وکما قُلنا سابق : فإنّ واجب الوجود هو عین الوجود ، فکیف یُمکن أن ینفصل عن الوجود!؟
وکذلک مانُقِلَ عن بعض الأشاعرة من اعتقادهم بأنّ صفة البقاء والأبدیّة زائدة على الذات الإلهیّة المقدّسة ، إنما یدل على عدم دقّتهم فی معنى ومفهوم واجب الوجود .