3 ـ مصائب العقوبات الإلهیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
القرآن والمصائب الذاتیة الصنعالعلاقة بین الذنوب والبلاء فی الروایات الإسلامیّة

إنّ البعض الآخر من المصائب التی تُصیب الإنسان عبارة عن عقوبات إلهیّة تصدرُ منه تعالى وفق استحقاق الأفراد، وهی تخص الأفراد الذین ارتکبوا ذنوباً إما کثیرةً وکبیرةً جدّاً، بحیث تستوجب العذاب الدنیوی والعذاب الأخروی، وإمّا طفیفة بحیث تُمحى بالعذاب الدنیوی فقط، وهو بالواقع نوع من اللطف الإلهی بحق هؤلاء الأفراد.

ویُحتمل أن تکون هناک فاصلة زمنیة بین (الذنب) و(العقوبة) لکن العلاقة محفوظة، وأحیاناً أُخرى تنزل العقوبة مباشرة ویکون الحساب سریعاً.

وتفاوت هذا البحث عن البحث السابق هو أننا تحدّثنا فی البحث السابق عن الأثر الطبیعی للأعمال، وفی هذا البحث عن العقوبة الإلهیّة.

وعلى أیّة حال فإنّه لا یُمکن للمؤمنین والمعتقدین بالعدل الإلهی إنکار وجود هذه المسألة، وهی تحقُّق العقوبة الإلهیّة الدنیویّة بحق فئة معینة على الأقل، ولکن یُمکن أن تکون تلک المصیبة بالنسبة للذین یجهلون سببها عجیبة وألیمة.

وصفحات التاریخ تُخبر عن حال الذین ارتکبوا جنایات فجیعة عند الاقتدار، وکان مصیرهم أنْ هلکوا بعقوبات ألیمة ومصائب موجعة، بحیث لا یکفی کتاب أو عدّة کتب لذکرها بالتفصیل.

وغالباً ما رأینا بأمّ أعیُننا فی حیاتنا الیومیّة نماذج من هذه المسألة بحیث لا یبقى لنا مجال للشّک فی وجود هذه العلاقة والآصرة بصورة إجمالیة.

والقرآن المجید أیضاً علاوةً على إشارته إلى هذه المسألة کأصل کُلّی، فقد وضع إصبعاً على مواضع خاصّة أیضاً، وأشار إلى الأقوام الذین ذاقوا أشدّ العذاب کعقوبة دنیویّة، وإلیکم أدناه نماذج من کلا القسمین:

1 ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَریَةً کَانَت آمِنَةً مُّطمَئِنَّةً یَأْتِیهَا رِزقُهَا رَغَداً مِّن کُلِّ مَکَان فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا کَانُوا یَصنَعُونَ). (النحل/ 112)

إنَّ هذه الحادثة سواء کانت تُشیر إلى مصیر جماعة من بنی إسرائیل، أو الى قوم سبأ، أو کانت مثلا عامّاً ـ وردت کل من هذه الاحتمالات فی کلام المفسّرین ـ فإنّها شاهدٌ حی على موضوع بحثنا، وتوضح وجود العلاقة فیما بین الذنب وقسم من المصائب.

فلو دخل جماعة مدینةً معینة أثناء إصابتها بالقحط، والخوف، والبلاء، دون أن یعرفوا ماضیها، لکان من الممکن أن یتعجبّوا، ویستوحشوا، ویسألوا أنفسهم قائلین: کیف یُمکن أن تتناسب کل هذه التعاسة والبلاء مع عدالة الله سبحانه!؟

ولکنهم عندما یطّلعون على ماضیها یُقرّون بعدالة الجزاء، وأحیاناً یرونَهُ أقل من الإستحقاق.

2 ـ بخصوص (فئات) من الأمم السابقة أُصیبت کل فئة منها بعقوبة معینة بسبب ما ارتکبت من الذنوب.

قال تعالى: (فَکُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنهُمْ مَّن أَرْسَلنَا عَلَیْهِ حَاصِباً وَمِنْهم مَّن أَخَذَتْهُ الصَّیحَةُ وَمِنْهُمْ مَّن خَسَفْنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَّن أَغْرَقنَا وَمَا کَانَ اللهُ لِیَظلِمَهُمْ وَلَکِن کَانُوا أَنفُسَهُم یَظْلِمُونَ). (العنکبوت/ 40)

ووِفقاً لهذه السنّة فقد أصاب قومَ عاد حاصبٌ هدّم منازلهم، وهلکَ قومُ ثمود بالصاعقة، وخسفت الأرض بقارون، وغرِقَ فرعون ووزیره هامان فی البحر، فإنّ هذا البلاء المتنوع لا یُنافی أصل العدل الإلهی فقط، بل یعتبر عین العدالة لأنّ الجمیع کانوا مستحقّین لذلک.

وقد نقلت بعض التفاسیر قصّة لطیفة فی تفسیر ذیل الآیة (90 / یونس) بخصوص فرعون تُعدُّ شاهداً حیّاً على موضوع بحثنا، وهی: دخل جبرائیل(علیه السلام) على فرعون ذات یوم بهیئة إنسان واشتکى إلیه قائلا: یا صاحب الجلالة! کان لی غلامٌ على سائر عبیدی، وسلّمته مفاتح کنوزی، فعادانی وعادى من یُحبّنی وأحبَّ أعدائی، وقربّهم إلیه، فاقض أنت بشأنه وعیّن عقوبته!

فقال فرعون: لو کان هذا غُلامی لأغرقته فی البحر!

فقال جبرئیل(علیه السلام): اکتب لی هذا الأمر (الحکم) یا صاحب الجلالة (لکی استفید من خطّک)، فأمر فرعون باحضار دواة وقلم وورق فکتب: (إننی أحکم على العبد الذی یتمرّد على مولاه ویکفر بأنعُمِهِ بأن یُقتلَ غرقاً).

(انتهت هذه الحادثة) وعندما أوشک فرعون وجنوده على الغرق فی البحر، ظهر إلیه جبرئیل وأراه خَطّهُ وقال له: «هذا ما حکمت بنفسک»(1).

والجدیر بالذکر هو أنّه لو کان أحدٌ حاضراً فی هذه الأقوام عند نزول البلاء کالعاصفة والصاعقة، والسیل، والزلزلة، من دون أن یعرف شیئاً عن ماضیهم، ویرى بأُمّ عینیه الدمار الناجم عن السیل وکیفیّة تهدُّم المنازل على رؤوس أصحابها بسبب العواصف، وکیف تحوّل الصاعقة کُلّ شیء إلى رماد فی لحظة واحدة، لتعجب ودُهِش ولأمکن أن یُشکّک فی مسألة العدل الإلهی فی عالم الوجود.

ولکن لو اطّلع على الحوادث السابقة وأعمال تلک الأقوام الماضیة لزال شکّهُ.

وهذه فلسفة قسم من الآفات والبلایا (وسبب قولنا ـ قسمٌ ـ هو وجود فلسفة خاصّة لکل قسم من أقسام البلاء).

3 ـ أشار القرآن الکریم فی سورة سبأ إلى قصّة مفصّلة وغنیّة وموقظة بشأن قوم من الیمن ذوی تمدُّن ملحوظ، وکان هذا التمدُّن ناتجاً عن وجود سدٍّ عظیم مُحْدَث بین الجبال یحصر میاه البراری والجبال لیوزعها بتنظیم دقیق على المزارع والحقول، فصارت أرضاً خصبةً ملیئة بالنعم الإلهیّة (جنّة).

اضافةً إلى ذلک فقد ساد الأمن فیها، وابتعدت عنها الآفات والبلایا والجفاف والمجاعة والخوف والوحشة، وحتى قیل: إنّ الحشرات المؤذیة قد هجرت تلک الدیار أیضاً.

ولکن لم تمض مدّة قلیلة حتى أُصیبوا بغرور النعمة وغفلة الرفاه، فطغوا وکفروا بالنعمة فی عدّة جوانب.

قال تعالى فی هذا المجال: (فَأَعْرَضُوا فَأَرسَلنَا عَلَیْهِمْ سَیْلَ العَرِمِ وَبَدَّلنَاهُمْ بِجَنَّتَیهِمْ جَنَّتَینِ ذَوَاتَىْ أُکُل خَمْط وَأَثْل وَشَىء مِّن سِدْر قَلِیل * ذَلِکَ جَزَینَاهُمْ بِمَا کَفَرُوا وَهَل نُجَازِى إِلاَّ الکَفُورَ).( 2) (سبأ / 16 ـ 17)

العجیب هو ماورد فی بعض الروایات بأنّ مقدّمات انهیار ذلک السدّ الترابی العظیم قد حدثت مُسْبقاً من قِبل الفئران البریّة التی نفذت فی السد وأحدثت فیه ثقباً کان یتّسع لحظةً بلحظة على أثر جریان الماء منه.

أجَلْ، إنَّ سیلا عظیماً متشکّلا بالحقیقة من قطرات المطر، وفعل عدد من الفئران البریّة قد أفنى حضارةً عظیمة، وأهلک القوم الطغاة المتجبرین.

ومن قبیل هذه الحوادث حوادثٌ کثیرة توضّح علاقة قسم من البلایا مع أعمال الإنسان وعقوبته، بحیث لو جُمعت لصارت کتاباً عظیماً.

وخلاصة الکلام وَوِفقاً للاستدلالات العقلیة والمنطقیة، وآیات قرآنیة کثیرة، ووِفقاً للروایات والتأریخ، فإنّه لا یُمکن إنکار کون قِسم ملحوظ من المصائب والبلایا النازلة بالظالمین والطواغیت ذات صیغة جزائیة، بالرغم من عدم إدراک الجهلاء والغافلین العلاقة بین العلة والمعلول هذه.

ومُسَلَّماً أنّ الله لم یکن لیظلمهم فی مثل هذه الموارد بل کانوا أنفسهم یظلمون، کما قال تعالى: (ذَلِکَ مِن أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَیکَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِیدٌ * وَمَا ظَلَمنَاهُمْ وَلَکِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُم). (هود/ 100 ـ 101)


1. تفسیر روح البیان، ج 4، ص 77.
2. ورد تفسیر هذه الآیآت وشرح هذه القصة فی التفسیر الامثل ذیل الآیة المذکورة من سورة السبأ.

 

القرآن والمصائب الذاتیة الصنعالعلاقة بین الذنوب والبلاء فی الروایات الإسلامیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma