إنّ کلمة (مَلِکْ) و(مالِک) و(مَلیک) جمیعها مشتقّة من مادّة (مُلک) ، وکما قال صاحب مقاییس اللغة : فهی تدل بالأصل على القوّة والسلطة ، أُطلقت هذه الصفات على الأثریاء والحکام والسلاطین لتَمتُّعِهم بالقوّة والسلطة .
یقول الراغب فی مفرداته : تُطلقْ کلمة (مَلکْ) على الذی یتصرف فی عامة الناس عن طریق الأمر والنهی .
وتطلق کلمة (ملِک) عادةً فی الملکیة السیاسیّة ، و(مالک) فی المسائل المالیّة ، وقال البعض : بأنّ (الملک ) اشمل من (المالک) لأنّ مالک الشیء حاکمٌ وملکٌ علیه ، ولکن لیس کلّ مالک یکونٌ ملک (1) .
وقال البعضُ أیض : إنّ (المالکَ) مخیرٌّ لیعمل مایشاء فی ملکه : فی حین أنّ (الملِکَ) لا یمتلک مطلق الخیار فی تصرُّفاته .
علاوةً على عدم استطاعة المملوک التمرُّد على مالکیة مالکه ، فی حین أنّ الرعیّة یستطیعون الخروج على حکومة حاکمهم (مَلکِهم) (2) .
بالطبع عندما تُستعمل هاتان الکلمتان کصفتین لله فانّما یُراد منهما الإشارة إلى المصداق الأتم والأکمل ، وبکلمة واحدة الأشارة إلى مصداقهما الوحید وهو الله تعالى . لذلک فحینما یصلُ المرحوم (الکفعمی) ـ فی کتاب (المصباح) ـ إلى کلمة (مَلِک) یقول : هو التام الملک ، الجامع لأصناف المملوکات ، وله مطلق التصرف والأمر والنهی فیما یرید من مأموریه ، هو الغنی عن جمیع الموجودات فی ذاته وصفاته ، وتحتاج إلیه جمیع الموجودات فی ذاتها وصفاتها (3) .
وتجدر الإشارة إلى هذه النقطة أیض ، وهی : أنّ المالکیة والحاکمیة ولیدة الخلق ، ولأنّ (الخالق) بمعناه الحقیقی فی عالم الوجود هو الله وحده ( فالمالک الأصلی) هو أیض ، وإطلاق کلمة (مالک) و(ملک) على غیره له صبغة کنائیة من هذه الناحیة .
و(الحاکم) من مادّة (حکم) طبقاً لما قاله صاحب مقاییس اللغة : وهی فی الأصل بمعنى (المنع) ، وقبل کل شیء (المنع من الظلم) ، وإنّما یُسمى (الحکیم) بهذا الاسم لامتلاکه قوة رادعة تحجبه عن الخطایا والمعاصی .
والسّر فی وصف الله بهذه الصفة هو منعه ونهیه جمیع الموجودات عن الأعمال السیئة سواءً فی عالم التکوین أَمْ فی عالم التشریع .
وتُعتبر کلمة (حکیم) من صفات الذات من حیث حکایتها عن علم الله ، ومن صفات الفعل من حیث إشارتها إلى خلق موجودات الوجود على أساس تنظیم وترتیب خاص ، وتشریع القوانین وفق مصالح کاملة ومُتقنة .
وقد ورد فی کتاب التحقیق : أنّ الفرق بین (الحاکم) و(الحکیم) و(الحکم) ینشأ من الاختلافات الموجودة بین مشتّقات هذه الکلمات ، فالحکیم تعنی من هو ثابت الحُکم والحاکم هو من یَصدُرُ منه الحُکم ، والحَکم ذو معنى مشابه مع ثبات أکثر .
یقول ابن الأثیر فی النهایة: (الحَکم) و(الحکیم) فی أسماء الله تعنی (الحاکم) ، ثم ذکر لها عدة معان : منها الذی یوجد الأشیاء بأحسن وجه ، والذی یعلم بأفضل الأشیاء على أفضل وجه ، والذی یمنع عن الأعمال السیئة وخاصةً الظُّلم .
وکما أشرنا سابقاً فإنّ کلمة (ربّ) ذات مفهوم أصلی واحد ، وسلسلة من اللوازم والأغصان والأوراق (الفروع) ، لهذا فهی لها حالاتُ استعمال کثیرة .
فکما ورد فی المفردات فإنّ مفهومها الأصلی هو (التربیة) والسَّوْق نحو الکمال ، ولأنّ هذا العمل رافقته مفاهیمُ اُخرى ، کالإصلاح ، والتدبیر ، والمالکیّة ، والحکومة ، والسیادة ، والتعلیم ، والتغذیة ، فإنّها تُطلق أیضاً على أی واحد من هذه المفاهیم .
وقد ورد فی (لسان العرب) أنّ کلمة (الرب) علاوةً على إطلاقها على الذات الإلهیّة المقدّسة ، فإنّها تأتی أیضاً بمعنى : المالک، السیّد، المدبّر، المربیّ ، القیّم ، والمنعم .
وقد ورد فی مصباح الکفعمی أیضاً أنّ کلمة (رب) تعنی فی الأصل التربیة والسوق التدریجی نحو الکمال ، ثم استُعمل هذا المعنى المصدری للمبالغة فی المعنى الوصفی . وبعد ذلک ذکر لها أربعة آراء حول مفهومها الأصلی هی: المالک ، السیّد، المدبّر ، والمربی ، واستعان بأمثلة منها: ربّ الدار : (أَمَّا أَحَدُکُمَا فَیَسْقِى رَبَّهُ خَمْراً). (یوسف / 41)
و(ربانیون) و(ربائب) ـ أی ابن الزوجة من رجُل آخر .
والذی نستخلصه ممّا تقدم أنّ کل هذه المعانی لها علاقة بمفهوم «التربیة».
اتضح من مجموع ما ورد أعلاه أن هذه الصفات الخمس (الملک) و(المالک)، و(الحاکم) ، و(الحکیم) و(الرب) ، التی هی بأجمعها صفات فعلیّة ماعدا «الحکیم» التی یُمکن اعتبارها من صفات الفعل وصفات الذات أیضاً (کالعالِم) . وهی ذات مفاهیم قریبة من بعضها ومتلازمة مع بعضها تقریباً ولا تنفصل (ربوبیة الله ) عن (ملکه) و(حکمه) وقد امتزجت مالکیته وحاکمیته مع ربوبیته .
إنّ الإیمان والتفکیر بهذه الصفات بمثابة إشارات وتجلیات لها آثار تربویة کبیرة على نفس الإنسان بالطبع بعد التعرف على المعنى الحقیقى لهذه الصفات والتی، تخص الذات الإلهیّة المقدّسة ، فإیمانی بمالکیة الله یبعث على الشعور بأنی أمینٌ على اموالی وینبغی علیَّ التصرُّف فیها وفق أوامر مالکها الأصلی .
والإیمان بحاکمیّة الله یمنعنی من الخضوع لسلطة الظالمین والطواغیت .
والإیمان بربوبیة الله یمنعنی عمن سواه، واعتبرُ جمیع العالم من نفحاته ، وآراه منقاداً لأوامره تعالى ، وبالتالی فإنّ هذا الإیمان یمنعنی من السقوط فی دوامة عبودیّة المخلوقات .
1. تفسیر مجمع البیان، ج 1 ، ص 23 .
2. نقل هذا الاختلاف بین مصطلح (المَلک) و(المالک) الفخر الرازی فی تفسیره، ج 1،ص237، عن بعض المصادر.
3. مصباح الکفعمی، ص 318 .