غالباً مایُنظر إلى صفات الله تعالى من بعد «معرفة الله» ، وهذا صحیح فی محله طبع ، لکن القرآن الکریم استعمل هنا نقطة ظریفة اُخرى وهی استعانته بهذه الصفات لتربیة الإنسان فی الغالب ، والتی تجلت نماذج منها فی الآیات التی ذکرناه ، لذا یجب أن نعمل بهذا الکتاب الإلهی ، ونتخذ من معرفة صفات الله تعالى أساساً لتهذیب نفوسنا وتکامل عقولن .
إنّ للإیمان بحکمة الله تعالى انعکاسات وآثار تربویة فی نفس الإنسان ، وهذه الآثار هی کالتالی :
أ) الإیمان بحکمته تعالى یمکنه أن یترک آثاراً بلیغة فی التطورات العلمیة للإنسان ومعرفته بأسرار عالم الوجود ، ویزید فی سرعة العلم البشری بالسیر إلى الأمام قُدُم .
لأننا عندما نعلم أن صانع هذا البناء البدیع العظیم معمار ماهر ، وأودع کل موضع منه أسرار الحکمة ، فإننا سوف لا ننظر إلى موجودات وحوادث هذا العالم بنظرة عادیة ، بل سوف نتعمق فی کل ظاهرة کموضوع مهم ، بحیث نتوصل إلى اکتشاف قانون الجاذبیة العام المهم جد ، وقوانین مهمّة اُخرى بمجرّد سقوط تفاحة من شجرة م .
ولا تعجب عند سماعک بأنّ (إنشتاین) کان یعتقد بأنّ العلماء والمکتشفین العظام کانوا جمیعاً یؤمنون نوعاً ما بوجود المبدئ العلیم ، وبحکمة الوجود ، وهذا الأمر هو الذی کان یشجعهم على بذل مساع أکبر .
ب) إنّ الاعتقاد بحکمة الله تعالى فی التشریع والتقنین یهوّن الصّعاب الموجودة فی تعالیم تلک الشرائع ، ویلتذ الإنسان فی تحمل الشدائد فی طریق امتثال أوامره سبحانه ، لأنّه یدرک بأنّ جمیع هذه البرامج والقوانین صادرة من ذلک الحکیم العظیم . فتجویزه سبحانه وتعالى دواءً مُراً مثل ، إنّما هو لدور ذلک الدواء فی شفاء الإنسان ، وتشریعه لتکلیف شاق معین ، إنّما هو من أجل سعادة الإنسان وتکامله المترتبة علیه.
ج) إیمان الإنسان بهذه الصفة الإلهیّة یزید من صبره وتحمله وقدرته ، ومقاومته فی مواجهة المصائب والحوادث المرة ، وذلک لأنّه یدرک وجود حکمة معینة فی کل واحدة منه ، وهذا الاحساس یعینه فی التغلب على المشاکل المذهلة ، لأننا نعلم بأنّ الشرط الأول للتغلب على المشاکل هو التمتع بالمعنویة العالیة ، والتی لا تتحقق إلاّ فی ظل معرفة حکمة الله تعالى .
د) وکما نعلم أنّ افضل مقام مرموق یبلغه الإنسان هو وصوله إلى مقام القرب منه تعالى ، ولا یتحقق القرب منه سبحانه إلاّ بالتخلق بأخلاقه تعالى والاقتباس من نور صفاته . والإیمان بحکمة الله تعالى یدعو الإنسان إلى سلوک طریق العلم والحکمة والتخلق بالأخلاق الإلهیّة ، ولعل هذا هو السر فی تعبیر القرآن عن الحکمة بعبارة (خیراً کثیراً) حیث قال : (وَمَن یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ اُوْتِىَ خَیْراً کَثِیراً). (البقرة / 269)
ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) قوله : «الحکمة ضیاء المعرفة ومیراث التقوى وثمرة الصدق وما أنعم الله على عبد من عباده نعمة أنعم وأعظم وأرّفعَ وأجْزلَ وأبْهى من الحکمة»(1) .
ونختم کلامنا هذا بکلام العلاّمة المجلسی (رحمه الله) ، والذی یوضح البحوث السابقة وخصوصاً البحث الأخیر .
فقد نقل العلامة المجلسی (رحمه الله) معنى الحکمة عن العلماء بأنّهم قالو : الحکمة تحقیق العلم وإتقان العمل ، وقیل : مایمنع من الجهل ، وقیل : هی الإجابة فی القول ، وقیل : هی طاعة الله ، وقیل : هی الفقه فی الدین ، وقال ابن درید : کل ما یؤدّی إلى مکرمة ، أو یمنع من قبیح ، وقیل : مایتضمن صلاح النشأتین ( 2) .