إنّ الدلائل العقلیّة الواردة فی الآیات الآنفة الذکر أثبتت بأنّ المرئیّ أو المُشاهَدَ لابدّ اَنْ یحدد بمکان وزمان وجهة ، وهذه الاُمور غیر ممکنة بشأن الباری سبحانه . لأننا نعلم بأنّ
لکل جسم أجزاء ، علاوةً على خضوع جمیع الأجسام للتغیُّر والتحوُّل ، وکونها ذات عوارض کاللون والحجم والأبعاد .
فی حین أنّ واجب الوجود لیس لَهُ جزء ، وغیر خاضع للتغیُّر والتحول؟ ولا یقع محلاً للحوادث ، ولا یعترضُه شیء ، فجمیعها من صفات الممکنات .
قال بعض مؤیدی عقیدة إمکانیة الرؤیة فی مقابل هذا الاستدلال: ( لیس لدینا أی دلیل على کون الرؤیة البصریة مخصوصة بالأجسام؟ فما المانع فی أن تُرى الأمور غیر المادیّة بالعین؟ وخاصةً إذا ما تغیرت القدرة البصریّة وصارت بمستوى أقوى ممّا هی علیه الآن؟
إنّ بُطلان هذا الکلام بیّن ، لأنّ الرؤیة البصریّة ذات حالة مادیّة ، وهذا الأمر المادی یتعلق بالأمور المادیّة حتم ، ولیس من المعقول أن یرى الإنسان ما وراء المادّة بالوسائل المادیّة .
یقول العلامة الطباطبائی(رحمه الله) حول هذه المسألة فی تفسیر المیزان : «الرؤیة البصریة سواءً کانت على هذه الصفة التی هی علیها الیوم أو تحولت إلى أیّ صفة اُخرى ، هی معها مادیة طبیعیة متعلقة بقدر وشکل ولون وضوء تعملها أداة مادیة طبیعیة فانّها مستحیلة التعلق بالله سبحانه فی الدنیا والآخرة» (1) .
علاوةً على هذا فالآیات القرآنیة صرحت : (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَىْءٌ) . ( الشورى / الآیة11 )
لذا فهو لیس له شبهٌ بالأجسام المادیّة؟ ولیس شیئاً مادیاً یمکن مشاهدته ، فلا یحدّه مکان ولا زمان ، ولا یمکن الإشارة إلیه بشکل محسوس.