الأدلة على القدرة الإلهیّة المطلقة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
نتیجة البحث تمهید

هنالک أدلة مختلفة لاثبات هذه المسألة بعضها علمیة ، والاُخرى فلسفیّة:

1 ـ الدلیل العلمی : ( والمقصود من العلم هنا هو العلوم التجریبیة ) : عندما نجلس فی بیتنا ونفکّر فی محیطنا المحدود الضیّق فقط ، نجد أنّ الدنیا صغیرة وبسیطة . ولکن لو خرجنا من هذه الدائرة الضیّقة وذهبنا إلى الغابات والمزارع والحقول ، وقمم الجبال الشاهقة ، وأعماق البحار الواسعة ، ولو طرنا بأجنحة الخیال وتصورنا عظمة الفضاء والکواکب السیارة ، ثم نزلنا وتوغّلنا فی أعماق الذرّة وأسرارها لَتجسَّمت لنا عظمة الوجود العجیب .

فهنالک آلاف الأنواع من النباتات المختلفة فی الترکیب بصورة تامّة ولها خواص متنوعة ، ابتداءً من النباتات المجهریّة السابحة فی أمواج البحار ، وانتهاءً بالأشجار التی یبلغ طولها خمسین متراً أو أکثر !ومن قصب السُّکر الحلو وحتى الحنظل المُر ، ومن العقاقیر الحیاتیة المودعة فی أوراقها وأزهارها وجذورها إلى أنواع السموم القاتلة .

وکذلک ملایین الأنواع من الحیوانات والحشرات والأحیاء التی تبلغ من الصِغر أحیاناً بحیث لا یمکن رؤیتها بالعین المجرّدة ، ومن الکبر أحیاناً اُخرى بحیث یتعدى طول بعضها الثلاثین متراً ( کبعض الحیتان التی تعتبر اکبر الحیوانات على الأرض ) .

وقد بلغ وزن القلب لدى بعضها ألف کیلو غرام ! فی حین أنّه أصغر من حبّة الحمّص فی البعض الآخر .

وبعضها بدرجة من الخفّة بحیث تحلّق فی جو السماء بسرعة ، وبعضها الآخر أقوى من الفولاذ بحیث تتحمل ضغط الماء العظیم فی أعماق البحار .

وهنالک نجوم متفاوتة مع بعضها من حیث الکبر والصغر ، والبعد والقرب ، والوزن وسرعة الحرکة وبقیة الصفات الاُخرى ، وکل واحدة ذات عالم خاص .

وکذلک ترکیب الخلایا والذرّات ونظامها العجیب المذهل ، فکل واحدة منها تُجسّمُ لنا عالماً جدید .

والألطف من جمیع ذلک هو أنّ جمیع هذه الموجودات العجیبة الموجودة فی عالم الوجود مرکّبة من أصل واحد ، والکائنات الحیّة مرکّبة جمیعها من الخلایا الصغیرة ، وکل عالم المادة مرکب من وحدات صغیرة تُدعى الذرّة!

إنّ هذا التنوع البسیط والمحکَم فی نفس الوقت الذی نراه فی الکتاب التکوینی یشبه بالضبط ذلک النوع الملحوظ فی الکتاب التدوینی أی ( القرآن الکریم ) ، فکل تلک المحتویات والمعارف الإلهیّة العظیمة مصبوبة فی قالب ألفاظ مرکّبة من هذه الحروف الأبجدّیة البسیطة !

ومن مطالعة مجموع هذه المسائل ، نتوصل إلى أن مُبدی عالم الوجود ذو قدرة لامحدودة ، ولا یعجزه شیء فی السموات ولا فی الأرض .

2 ـ برهان الوجوب والامکان ( برهان فلسفی ) : عرفنا فی بحث إثبات وجود الله أنّ الوجود لا یتعدى إحدى حالتَین : إما مستقلّ بالذات ویُدعى ( واجب الوجود ) ، أو محتاج إلى غیره ویدعى ( ممکن الوجود ) .

وکذلک ثبت فی بحث التوحید ووحدة الذات الإلهیّة المقدّسة بأنّ ( واجب الوجود ) فی هذا العالم واحد لا أکثر ، وکل ما سواه ( ممکن الوجود ) ، وجمیع الممکنات محتاجة إلیه تعالى لا فی بدایة إیجادها فحسب ، بل فی بقائها واستمراره . وهذا بحد ذاته مظهر وبرهان على قدرة الله على کل شیء ( فتأمل جید ) .

3 ـ برهان سعة الوجود ( برهان فلسفی ) : من المؤکد أنّ سبب عجزنا عن إنجاز عمل معین هو نقصن ، فمثلا لو عجزنا عن زراعة أرض معینة فالسبب فی ذلک إمّا لکون مساحة الأرض أکبر من قدرتنا وطاقاتن ، أو لعدم امتلاکنا الوسائل اللازمة لزراعته ، أو لأنّ الأرض سبخة ولیس بمقدورنا تحویلها إلى أرض زراعیّة .

لذا فلو کانت قدرتنا على الزراعة مطلقة ، وکانت الأرض بالنسبة لنا صالحة للزراعة مهما کانت مساحته ، وکنّا فی غنىً عن الوسائل الزراعیة لاستطعنا زراعة أی أرض وبدون استثناء .

لذا فأی مشکلة تحدث فی طریقنا هی فی الواقع تنبع من محدودیة وجودن .

اذن ، کیف یُمکن أن یعجز الوجود المطلق من کل ناحیة عن شیء معیّن!؟ وبتعبیر آ خر إنّ الله سبحانه حاضر فی کل مکان وبیده مقدّرات جمیع الأمور، لذا فهو قادر على ازالة کافّة الموانع ، وهذا دلیل قدرته على کل شیء .

4 ـ الله قادر مختار: کما أشرنا سابقاً إلى أنّ المقصود بالقدرة الإلهیّة هی القدرة المقرونة مع الاختیار .

وقد استدل الفلاسفة وعلماء الکلام على کون الله تعالى فاعلاً مختاراً بأنّ الفاعل على نوعین : إمّا ( مخیّر ) ، وإمّا ( مُسیَّر ) کتأثیر الشمس فی المنظومة الشمسیّة وموجوداته .

فلو قلن : إنّ خالق العالم فاعل مسیّر ، لوجب التسلیم بأحد الأمرین : إمّا بأنّ الوجود قدیم ، وإمّا بأنّ الذات الإلهیّة حادثة ، لأنّ الفاعل المسیَّر لا ینفصل عن فعله أبد .

أمّا کون هذا العالم أزلی فغیر ممکن ، لأننا عرفنا دلائل حدوث العالم فی بحث وجود الله سبحانه .

والقول بحدوث الذات الإلهیّة المقدّسة یستلزم إنکار وجوده تعالى ، لأنّها لو کانت حادثة لاحتاجت إلى علّة ، إذن فهو لیس بواجب الوجود والحالة هذه .

وبتعبیر آخر لو کانت خالقیة الباری کأشعة الشمس لاستلزم أن یکون هذا الکون قدیماً وازلی ، لأنّ إرسال الشمس لأشعتها لا إرادیّ وهو ملازم لوجودها دائماً وأبد .

لذا نستنتج بأنّ الله تعالى فاعل مختار ، وأنّ ذاته المقدّسة أزلیة وفعله حادث ، وکلما أراد شیئاً یتحقق بدون فاصلة زمنیة .

سؤال: من المعلوم أنّ کلمة الفاعل المختار تعنی المرید ، ونعلم أنّ الإرادة کیفیّة نفسانیة تَعرض على صاحبه ، وهذا المفهوم یتعارض مع حقیقة ذات الباری تعالى ، لأنّ ذاته لا تقع محلا للحوادث ، فکیف نفسّر إرادة الله تعالى ؟

الجواب: بالرجوع إلى ما ذکرناه فی بحث الإرادة الإلهیّة ( فی ذیل صفة علم الله تعالى ) یتضح جواب هذا السؤال ، وهو عدم إمکانیة تطبیق ومقایسة مفهوم الإرادة الذی نجده فی أنفسنا مع مفهومها بالنسبة للذات الإلهیّة ، کما هو الحال فی صفة العلم ، فالعلم الحصولی الموجود فینا والحادث بالنسبة لنا لا معنى له أبداً بخصوص الذات الإلهیّة المقدّسة .

والإرادة الإلهیّة الذاتیة ـ کما شرحنا ذلک سابقاًـ تتشعَّب من علمه سبحانه ، وهی عبارة عن ( علمه بالنظام التکوینی الأحسن ) الذی هو علّة خلق الأشیاء والأحداث الواقعة فی الأزمنة المختلفة .

إذن إرادته أزلیّة وآثارها تدریجیّة ( تمعّن بدقة ) .

ولزیادة الإطلاع حول هذا الموضوع ، وحول التفاوت الموجود بین الإرادة الإلهیّة «الذاتیة» و«الفعلیة» راجع بحث الإرادة فی نفس هذا الجزء .

5 ـ المخالفون لشمول القدرة الإلهیّة: فی نفس الوقت الذی أقرّ بعض الفلاسفة والمتکلمین بالقدرة الإلهیّة بدون أی مناقشة، نجدهم قد توقفوا فی مسألة عمومیّتها ـ بسبب مواجهتهم لبعض الإشکالات التی عجزوا عن حلّه ، ومن جملة هؤلاء:

1 ـ الفلاسفة والمتکلمین المجوس : ومن المعلوم أنهم قسّموا جمیع موجودات العالم إلى مجموعتین : ( الخیر ) و( الشر ) ، واعتقدوا بأنّ لکل واحدة منها خالقاً خاص ، فخالق الخیر لا یُمکن أن یخلق الشّر ، والعکس صحیح ، لذا فقد اعتقدوا بتعدُّد المبدی: إله الخیر ( یزدان ) ، وإله الشّر ( أهریمن )، بَیدَ أن خطأهم الفادح ناجم من تقسیم الموجودات منذ البدایة إلى مجموعتی الخیر والشر ، لأنّ التحقیقات الدقیقة تُشیر إلى عدم وجود ( الشر المطلق ) فی عالم الوجود ، بل مانسمیّه نحن بالشر قد یکون ذا جنبة عدمیّة کالفقر والجهل ، فالأول بمعنى عدم المال والثروة ، والثانی بمعنى عدم العلم ، ونحن نعلم بأنّ العدم لیس شیئاً یحتاج إلى خالق .

وأمّا ما کان ذا جنبة نسبیة کلسعة الحشرات التی تعتبر شرّاً بالنسبة للشخص الملسوع فهی فی الحقیقة وسیلة دفاعیة بالنسبة للحشرات اللاسعة ، وتعتبر خیراً لأنّها وسیلة لتأمین بقائه .

علاوة على أنّ الکثیر من الأمور الوجودیّة نعتبرها شرّاً بسبب جهلنا لأسراره ، لذا وبعد حصول التطور العلمی واکتشاف أسرارها نُقرُّ بضرورته ، کالعواصف الثلجیة الباردة التی تقضی على الکثیر من الآفات النباتیة، أو الحّر الشدید الذی یؤدّی إلى نمو أنواع النباتات وتبخُّر کمیاتِ کبیرة من میاه البحار الذی یؤدّی بالتالی إلى هطول الأمطار المفیدة وما شاکل ذلک. لذا فعندما ننزع نظارات الشّر عن أنظارن ، وننظر إلى الوجود بنظرة خیر ینتفی موضوع هذه العقیدة الثنویة ، وهناک توضیحات أوسع حول هذا الموضوع سنطرحها فی بحث العدل الإلهی إن شاء الله تعالى .

2 ـ المفوّضة : قالت هذه الجماعة: إنّ الله سبحانه لیست له قدرة على أعمالن ، أو بعبارة اُخرى : إنّ أفعال الإنسان خارجة عن دائرة قدرته تعالى ، وإلاّ لزم ( الجبر ) ، لأنّ أفعال الإنسان لو کانت فی دائرة القدرة الإلهیّة لحصل التضاد ، حیث یحتمل أن یرید الله تعالى فعلا معین ، ویرید عبادُهُ غیر ذلک ! .

وخطأ هذه الجماعة ینشأ من اعتقادهم بأنّ قدرة الله تعالى على أفعالنا تتعارض مع قدرتنا على أساس أنّهما فی عرض واحد ، غافلین عن أن هاتین القدرتین تقعان فی طول واحد .

توضیح ذلک : إنّ الله تعالى قد خلق البشر ومنحهم الحریّة والقدرة على اتخاذ القرار ، وقادر على سلبها منهم متى شاء ، لذا فانّه سبحانه هو الذی أراد أن یکونوا فاعلین مختارین ، وعلیه فإنّ أفعالهم غیر خارجة عن دائرة قدرته ، لأنّ هذه الحریّة من عطائه ومتطابقة مع إرادته ومشیئته سبحانه .

وسیأتی توضیح أکثر حول هذا الموضوع فی بحث الجبر والتفویض .

3 ـ إعتقد بعض أهل السُّنة : ( جماعة النَظّام ) بأنّ الله تعالى غیر قادر على فعل القبیح ، لأنّ الأفعال القبیحة إمّا أن تکون بسبب الجهل ، وإمّا بسبب الحاجات الکاذبة ، وبما أنّ الله تعالى منزّه عن الجهل والحاجة ، لذا فهو غیر قادر على فعل القبیح أبداً!

والخطأ الذی وقعت فیه هذه الجماعة ینشأ من عدم تمییزهم بین ( الإمکان الذاتی ) و( الإمکان الوقوعی ) .

توضیح ذلک : إنّ بعض الأمور مستحیلة ذاتاً کاجتماع الضدین ، أو النقیضین ، وهو الجمع بین الوجود والعدم فی حالة واحدة ، ویُطلق على هذا النوع بالمستحیل الذاتی .

أمّا الأمور غیر المستحیلة ذاتاً لکنها لا تصدر من حکیم کالباری تعالى مثل الظلم والفساد والأفعال القبیحة الأُخرى ، فیطلق علیها بالمستحیل الوقوعی .

ومن المسلّم به هو أنّ الله تعالى قادر على الظلم لکن حکمته تمنعه من ذلک .

وقد یصدق هذا الکلام بخصوصنا أحیان ، فنحن نستطیع أن نلقی بأنفسنا فی النار ، أو نضع جذوة من النار فی أفواهن ، أو عیونن ، ولسنا بعاجزین عن القیام بهذا الفعل ، لکننا لانقوم به أبد ، لأنّ عقولنا لا تسمح لنا بمثل ذلک ، فهذا مستحیل وقوعی لا ذاتی .

4 ـ اعتقد بعض الفلاسفة : بأنّ الذات الإلهیّة المقدّسة ، ولکونها واحدة من کل ناحیة ولا تقبل الکثرة والتعدُّد ، فلا یصدر منها سوى مخلوق مجرّد واحد رفیع جدّاً سموه « العقل الأول » ، واستندوا فی معتقدهم هذا على القاعدة المعروفة التی تقول « الواحِدُ لا یصدُر منه إلاّ الواحد » .

لذا فهم یقولون : إنّ المخلوق الإلهی الوحید هو ذلک الموجود المجرّد الأول ، لذا ومن حیث إنّ « العقل الأول » ذو جهات متعددة ( له وجود من جهة ، وماهیّة من جهة اُخرى ، ذاتاً «ممکن الوجود » من جهة ، و« واجب الوجود » بالعرض من جهة اُخرى ) ، فبسبب جهات الکثرة هذه ، نشأت منه معلولات مختلفة ، لذا فمنشأ الکثرة فی عالم الوجود هی الکثرة الموجودة فی العقل الأول والمراتب البعدیة حاصلة منه.

وقد اعتمدوا لإثبات القاعدة أعلاه على مسألة « السنخیّة بین العلّة والمعلول » ، وقالوا: لولا ضرورة السنخیّة بین العلّة والمعلول ، لأمکن أن یکون کل موجود علّةً لأی معلول ، لکن لزوم السنخیّة یحول دون هذا الأمر ، وعندما نقر بوجوب السنخیّة بین العلّة والمعلول ، یجب علینا أن نقر بأنّ العلّة الواحدة من کل ناحیة تستلزم أن لا یکون لها أکثر من معلول واحد . ( تأمّل جیّد ) (1) .

ویُمکن الرد على هؤلاء بعّدة طرق :

أ) على فرض صحة هذا الاستدلال ، فإنّه لا یُفهم منه محدودیّة القدرة الإلهیّة، بل هو على کُلّ شیء قدیر ، لکن قدرته بالنسبة « للعقل الأول » بدون واسطة ، وبالنسبة للموجودات الاُخرى مع وجود واسطة ، وکلاهما یعتبران فی حدود المقدور ، فما الفرق بین أن یُباشر الإنسان عملا معیناً بیده ، أو بوسیلة وأداة معینة من صنعه ؟ فالفعل فعله فی کلتا الحالتین .

ب) ما قیل بخصوص قاعدة ( الواحد لا یصدر منه إلاّ الواحد ) لا یصح تطبیقه على الفاعل المختار بنظر بعض المحققین .

لذا فقد طرح المرحوم «العلاّمة الحُلی(رحمه الله)» هذه المسألة فی « کشف المراد » بشکل أمر بدیهی وقال : « المؤثّر إن کان مختاراً جاز أن یتکثّر أثره مع وحدته ، وإن کان موجباً فذهب الأکثر إلى استحالة تکثُّر معلوله »( 2).

وعلیه فقد جعل ( الفاعل الموجَب ) مرکز بحثه لا ( الفاعل المختار ) ، ثم نقل استدلال القائلین بوحدة الأثر فی الفاعل الموجب ورَدّهُ (3) .

والحقیقة أنّه لا یوجد أی دلیل على شمول القاعدة المذکورة للفاعل المختار ، فهو مجرّد ادعاء محض .

ج) بغض النظر عن جمیع ذلک فإنّ قانون « السنخیّة بین العلّة والمعلول » محل إشکال حتّى فی غیر الفاعل المختار ، لأنّه لو کان المراد من السنخیة هو السنخّیة والتشابه من جمیع الجهات ، فهو مستحیل التحقق بین « واجب الوجود » و«ممکن الوجود » ، فالممکنات مهما تکن فهی متباینة مع واجب الوجود فی جهات کثیرة ، فلو اشترطنا السنخیّة التامّة وفی جمیع الجهات ، فکیف یمکن أن یخلق وجود غیر مادی موجودات مادیّة؟

ولو کان المراد منها السنخیّة الإجمالیّة ، فهی متحققة بین الخالق والموجودات المتکثّرة والمتعددة ، لأنّها جمیعاً تشترک فی الوجود والکمال النوعی الذی یُعَدُّ قطرةً من بحر کمال الله اللامحدود .

د) علاوة على جمیع ما ذکرنا یُمکن القول : إنّ الکون نسخ واحدٌ لا أکثر على الرغم من احتوائه ظاهراً على موجودات متعددة ومتکثّرة ، وبتعبیر آخر ، فإنّ عالم التکوین کبحر عظیم لامحدود توجد على سطحه أمواج ، وهذه الأمواج والتعرجات بمثابة تلک الموجودات المتعددة والمتکثّرة ، والمقصود هنا عالم الوجود ، لا الذات الإلهیّة المقدّسة .

وباختصار فإننا لو أمعنا النظر لعلمنا بأنّ مجموع عالم الوجود موجود واحد متصل ومترابط ، وعلى الرغم من کل تنوعاته وکثرة قوانینه المؤثرة فیه فهو واحد ، وهذا الموجود الواحد یفیض من الوجود الإلهی الواحد ، وهذا المخلوق الواحد له خالق واحد.

والبعض الآخر الذین شکّکوا فی شمول القدرة الإلهیّة قالوا:لو افترضنا أنّ الله تعالى على کل شیء قدیر ، لواجهنا تعارضاً فی بعض الحالات لا نستطیع حلّه .

فمثلا تساءَل البعض : هل یستطیع الله تعالى أن یخلق موجوداً مثله !؟ فإن قلتم : نعم ، لکان تعدد الآلهة ممکناً ! وإن قلتم : لا، فقدرته محدودة!.

أو یتساءل : هل یقدر الله تعالى أن یُدخل جمیع هذا العالم الواسع ، وبجمیع کراته وکواکبه فی بیضة ، من غیر أن یصغر العالم أو تکبرُ البیضة؟! فإن قلتم : بلى ، فغیر مقبول ، وإن قلتم : ل ، فقد أقررتم بعجزه ـ سبحانه .

أو : هل یستطیع الله تعالى أن یخلق موجوداً لا یقدر على إفنائه !؟ أیَّما الطریقین انتخبتم فقد أقررتم بعجزه ، والکثیر من هذه الأسئلة .

إنّ مصدر اشتباه هؤلاء هو عدم إلمامهم بالمسائل الفلسفیة ، وغفلتهم عن هذه الحقیقة الواضحة ، وهو أنّه عندما یدور الحدیث حول «القدرة» ، فمعناه القدرة على الاُمور الممکنة ، لأنّ القدرة لا تشمل المستحیلات لأنّها لا شیء .

توضیح ذلک : إنّ معنى تساؤلنا عن اقتدار الله تعالى على شیء معین أحیان ، هو کون ذلک الشی من الممکنات ، وقصدنا إکساؤه حُلة الوجود بالقدرة الإلهیّة ، أمّا لو کان ذلک الشی مستحیلا ذاتاً فإن تساؤلنا عن إمکانیة إیجاده غیر صحیح بتات ، ولا معنى له أبد . وهذا مایُسمَّى بالسؤال المتناقض .

کأن یکون لدینا عشرون برتقالة ونرید توزیعها على أربعین شخص ، بحیث یحصل کل واحد منهم على واحدة!؟ فهل یُمکن ذلک ؟

فالسؤال المطروح متناقض بحدّ ذاته وغیر صحیح ، لأنّ قولنا عشرون برتقالة یعنی أنّها لیست أربعین ، وقولن : إنّ أربعین شخصاً یحصل کل واحد منهم على برتقالة ، معناه وجود

أربعین برتقالة ، ممّا یلزم تحقق العددین عشرین وأربعین فی نفس الکمیة من البرتقال وفی آن واحد ! وبدیهی أنّه لا یوجد إنسان عاقل یتفوّه بمثل هذا الکلام .

وبعد التحقیق فی جمیع الأسئلة التی ذکرناها یتضح أنّها من هذا القبیل ، أی أنّها متناقضة وغیر مقبولة ، لذا ینتفی جوابه .

فمثلا عندما نقول : هل یستطیع الله تعالى أن یخلق إلهاً آخر مثله ؟ معناه أنّ ذلک الإله غیر مخلوق ، فیصبح السؤال متناقض ، لأنّه سؤال عن خلق شیء لا یُمکن أن یکون مخلوق ، وبمجرّد أن یخلق الله سبحانه شیئاً فهو مخلوق ، ولا یمکن أن یکون إله .

وهکذا عندما یُقال : هل یستطیع الله تعالى أن یُدخل الدنیا فی مکان صغیر من غیر أن تصغر الدنیا أو یکبر ذلک المکان ، فمعناه أن یکون العالم صغیراً وکبیراً جدّاً فی آن واحد ، وهذا شیء متناقض .

واللطیف أنّ رجُلا سأل أمیر المؤمنین (علیه السلام) نفس هذا السؤال : « هل یقدر ربُّک أن یُدخل الدُّنیا فی بیضة من غیر أن تصُغر أو تکبر البیضة »؟ فأجابه الإمام(علیه السلام) : « إنّ الله تبارک وتعالى لا یُنسب إلى العجز والذی سألتنی لا یکون »(4) .

وما نجده فی الروایة المنقولة عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) عندما یجیب على هذا السؤال فیقول (علیه السلام): « نعم وقد جعلها فی عینک وهی أقلُّ من البیضة »(5) ، فهو فی الحقیقة جواب إقناعیّ ، وذلک لأنّ السائل لم یکن ذا قدرة على تحلیل مثل هذه المسائل ، وقد أجابه الإمام (علیه السلام) بهذه الطریقة مراعاةً لحاله من الفهم ، وإلاّ فالجواب الأصلی على هذا السؤال هو نفس ماورد فی کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام).


1. تلخیص من نهایة الحکمة ، ص 166 .
2. کشف المراد، ص 84 .
3. المصدر السابق.
4. بحار الأنوار، ج 4 ، ص 143 ، ح 10 .
5. المصدر السابق .

 

نتیجة البحث تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma