ماهیة البرزخ وخصوصیاته

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهیدثمرة البحث

تحدثت الآیة الاُولى عن وضع الکفّار والظلمة والمجرمین، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جـَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّى اَعْمَلُ صـَالِحاً فِیمـَا تَرَکْتُ)، ولکنّه سرعان ما یواجه بجواب سلبی مدعوم بالأدلة والبراهین فیقال له: (کَلاَّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) ثم یضاف إلى الجواب: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى یَوْمِ یُبْعَثُونَ).

فبدایة الآیة تشیر إلى المنزل الأول أی «الموت» وذیلها یشیر إلى المنزل الثانی أی «البرزخ».

وبالرغم من اصرار البعض على تفسیرهم البرزخ هنا بمعنى الحائل الذی یحول بین الإنسان ودرجات الجنّة العُلیا، إلاّ أنّ جملة «إلى یوم یبعثون» تعتبر قرینة واضحة، على أنّ عالم البرزخ هو مرحلة تسبق یوم القیامة، وتقع بعد الموت.

کما فسّر البعض البرزخ أنّه بمعنى المانع الذّی یحول بین الإنسان والعودة إلى الدنیا، لکنّ هذا المعنى أیضاً لا یتلاءم مع ذیل الآیة وهو التصریح ببقاء هذا البرزخ إلى یوم القیامة، وبهذا أثبتت الآیة المذکورة بوضوح وجود عالم یتوسط بین الدنیا والآخرة.

وکلمة «وراء» تأتی أحیاناً بمعنى «الخلف» وأحیاناً اُخرى بمعنى «الأمام»، وذلک لأنّ هذه الکلمة من مادة (ورى) على وزن (سعى) وهی بمعنى الاخفاء، فمن یقف إلى أحد جانبی الجدار مثلا یعدّ الطرف الآخر الذی یخفى علیه «وراء» بالنسبة له، بناء على هذا فالإنسان فی أیّ جهة کان من الجدار یعدّ الطرف المقابل له «وراء» بالنسبة له(1).

جاء فی الحدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام): «اتخوَّف علیکم من البرزخ».(2)

فسأله الراوی: ما البرزخ؟

فقال(علیه السلام): «القبرُ منذ حینَ موتهِ إلى یوم القیامة»(3).

وجاء فی حدیث آخر عن الإمام علی بن الحسین(علیه السلام) أنّه قال: «إنّ القبر روضةٌ من ریاض الجنّة، أو حفرةٌ من حُفَر النیران»(4).

وفی الآیة الثالثة توجّه تعالى بالخطاب إلى جمیع المؤمنین وقال بوضوح: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ یُقْتَلُ فی سَبِیلِ اللهِ اَمْوَاتٌ بَلْ أَحْیَاءٌ وَلکِنْ لاَتَشْعُرُونَ).

فکلا هاتین الآیتین هما من الأدلة الواضحة على وجود عالم البرزخ (وإن کان الحدیث یقتصر على ذکر الشهداء)، وذلک لأنّهما تحدثتا عن حیاة الشهداء بل حتى عن رزقهم واستقرارهم عند ربّهم.

والعجیب هو أنّ بعض المفسرین ومن دون أن یلتفتوا إلى العبارات الواردة فی الآیات اللاحقة لها والتی تتحـدّث جمیعها عن حیاة الشهداء ( الحیاة بالمعنى الواقعی لهذه الکلمة ) حملوا الحیاة هنا على معناها المجازی، مثل بقاء أسمائهم وآثارهم، أو بقاء هدایتهم وطاعتهم ومذهبهم، أو بعثهم من القبور واحیائهم یوم القیامة!

فهل غفلوا عن وصف القرآن لهم بأنّهم عند ربّهم؟

أم غفلوا عن إرزاقهم؟

أم غفلوا عن وصفهم فرحین بما آتاهم الله من فضله ولا خوف علیهم ولا هم یحزنون؟

فکیف تتلائم جمیع هذه التعابیر مع المعنى المجازی؟

هذا بالإضافة إلى قوله تعالى: بل احیاءٌ ولکن لا تشعرون، فإنْ کان معنى الحیاة هو بقاء الاسم والمنصب والهدایة والمذهب فإنّ هذه الاُمور قابلة للإدراک.

والظاهر هو أنّ هؤلاء المفسرین لم یتمکّنوا من إدراک حیاة البرزخ بدقّة، فتوسّلوا بالخرافات بعد ما غابت عنهم الحقیقة، لکنّ الرازی صرّح فی تفسیره بالقول: إنّ أکثر المفسرین على أنّ الحیاة هنا هی الحیاة الواقعیة(5).

وعلى الرغم من ذکر المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان لاربعة تفاسیر للآیة، إلاّ أنّه رجّح التفسیر الأول الذّی فسّر الحیاة فی هذه الآیة بالحیاة الحقیقیة، واعتبره هو الصحیح من بینها(6).

وهناک روایات کثیرة فی هذا المجال طبعاً سوف نُشیر إلیها لاحقاً ـإن شاءالله ـ.

ومن العجائب الاُخرى هو ما نُقل فی تفسیر «المیزان» عن بعض المفسرین الّذین اعتبروا الآیة مختصة بـ«شهداء بدر» وادّعوا بأنّها لا تشمل جمیع الشهداء! ( یجب الالتفات إلى أنّ المفسرین صرّحوا بأنّ الآیة الاُولى نـزلت فـی شهداء اُحُـد والثانیة فی شهداء بدر(7)، ولکن على أیّة حال فإنّ أسباب النزول لا تحّد من مفهوم الآیات مهما کان المورد، فالآیة إذن تشمل جمیع الشهداء بصورة مطلقة).

وما یلفت الانتباه هو أنّ المرحوم العلاّمة الطباطبائی بعد أن نقل هذا التفسیر أضاف: «إنّ بعض المفسرین فسّروا الآیة السابقة لهذه الآیة (أی الآیة 153 من سورة البقرة) الّتی تأمر بالاستعانة بالصبر»(8).

ولکن على أیّة حال فإنّ الآیة تحدّثت عن الشهداء فقط، إلاّ أنّها لم تنفِ غیرهم، من هنا یطرح هذا السؤال وهو: إن کانت حیاة البرزخ تعمّ جمیع البشر فما هو فضل الشهداء على الآخرین؟!

والجواب على هذا السؤال واضح، وهو أَنّ فضلهم على غیرهم هو فی کیفیة حیاتهم.. الحیاة فی جوار رحمة الله والتنعّم بأنواع النعم والرزق الإلهی، لکنّ حیاة البرزخ للآخرین لا تشتمل على هذه البرکات طبعاً.

أمّا الآیة الرابعة فهی فی الواقع تمثّل النقطة المـقابلة لما جاء فی آیات الشهداء، وذلک لأنها تتحدّث عن عذاب «آل فرعون» فی البرزخ، قال تعالى: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)، ثم یُبیّن ماهیة هذا العذاب بقـوله: (النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا غُدُوّاً وَعَشِّیاً وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ اَدْخِلُوْا آلَ فِرْعَوْنَ اَشَدَّ الْعَذَابِ)، ومِنَ الواضح هو إنَّ النّار التی ذُکرت فی الآیة وَالتی یُعرض علیها آل فرعون صباحاً ومساءً هی نار البرزخ، وذلک لأنّ ذیل الآیة تحدّث عن عذابهم یوم القیامة بصورة مستقلة، لذا فقد فسّر أغلب المفسرین هذه الآیة بأنّها تشیر إلى عالم البرزخ وعذاب القبر.

ومن الجدیر بالالتفات هو أنَّ الآیة عندما تحدّثت عن عذاب البرزخ لآل فرعون قالت: (النّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا غُدُوّاً وَعَشِّیاً)، لکنها عندما تحدثت عن عذابهم فی الآخرة قالت: (اَدْخِلُوْا آلَ فِرْعَوْنَ اَشَدَّ الْعَذَابِ).

ویستفاد من اختلاف هذین التعبیرین (العرض والادخال) بأنّ المراد من النار هی نفس نار البرزخ، إلاّ أنّهم فی البرزخ یشاهدونها عن بُعد فیعمّ القلق والهم وجودهم، لکنهم یشاهدونها یوم القیامة عن قرب بواسطة الدخول فیها، فهذه العقوبات تحلّ بهم فی البرزخ صباحاً ومساءً، بینما تکون مستمرة ومن دون انقطاع فی یوم القیامة.

وقد رُوِىَ عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی هذا المجال ما یؤید هذا المعنى بکلّ وضوح، قال(صلى الله علیه وآله): «إنَّ أَحَدَکُمْ إذا ماتَ عُرِضَ عَلَیْهِ مَقْعَدُهُ بالْغَداةِ وَالْعَشِىِّ فانْ کانَ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ، فَمِنْ الجَنَّةِ وَإنْ کانَ مِنْ أهْلِ النارِ فَمِنَ النّارِ، یُقالُ هذا مَقْعَدُکَ حِیْنَ یَبْعَثُکَ اللهُ یَوْمَ القِیامَةِ»(9).

ویستفاد من هذه الروایات أنّ الأمر لا یختصّ بآل فرعون، بل یشمل الجمیع.

وهل یعذب أو ینعّم أهل البرزخ عن طریق المشاهدة لجهنم أو الجنّة فقط؟ أم یکون لهذین تأثیرٌ مادّیٌ علیهم أیضاً؟ کما لو مرّ الإنسان بالقرب من حفرة من النّار فإنّ النار تحرق وجهه، أو إذا مرّ بالقرب من بستان عامرة خضراء فیدبّ النشاط فیه أثر نسیمها المنعش العطر، أم یثاب أو یعاقب بکلا الوجهین؟ (الروحی والجسمی، والمراد هنا هو الجسم المثالی طبعاً).

الاحتمال الثالث أقوى. (فتأمّل).

کما یجدر الالتفات إلى هذه المسألة أیضاً وهی أنّ ظاهر الآیة یدل على أنّ آل فرعون یعرضون على النار، لکن بعض المفسرین قالوا: إِنّ هذا کنایة عن عکس ذلک الأمر، أی أنّ النار هی التی تعرض علیهم، کما هو الحال فی «عرضتُ الناقة على الحوض» المراد منه عرض الماء على الناقة. (وما جاء فی الحدیث عن النبی(صلى الله علیه وآله)یؤیّد هذا المعنى أیضاً، وذلک لأنّه(صلى الله علیه وآله) قال: «إذا ماتَ عُرضَ علیه مقعُدهُ من الجنّة أو من النار بالغداة والعشیّ».

وتحدّثت الآیة الخامسة عن «مؤمن إل یس» (الرجل المؤمن الذّی ورد ذکر قصته فی سورة «یس»، فقد نهض هذه الرجل لدعم رُسُل المسیح(علیه السلام) الذین بعثوا إلى مدینة «انطاکیة» ودعا الناس ونصحهم باتباع هؤلاء الرُسُل، لکن هؤلاء القوم المعاندین الفّجار لم یکتفوا بعدم الاکتراث بنصحه فحسب، بل ثاروا علیه وقتلوه). قال تعالى: (قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ یَالَیْتَ قَوْمِى یَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُکْرَمِینَ).

ومن الواضح هو أنّ هذه الجنّة لیست هی جنّة القیامة، بل هی جنّة البرزخ، لأنّ مؤمن إل یس تمنّى هنا لو کان قومه الذین هم فی هذه الدنیا یعلمون بعاقبته، ویعلمون بما غفر له ربّه وجعله من المکرمین!

قال المرحوم الطبرسی فی «مجمع البیان»: «إنّ هذه الآیة تشیر إلى نَعِم القبر (البرزخ)، لأنّ مؤمن إل یس قال هذا عندما کان قومه احیاءً، فإذا امکننا تصوّر وجود النعیم فی القبر، فإنّ تصوّر العذاب سوف یکون ممکناً أیضاً»(10).

وجاء فی کثیر من التفاسیر أن هذا الرجل المؤمن یدعى بـ«حبیب النّجار» والسبب فی اطلاق «مؤمن إل یس» علیه فی بعض الروایات(11) فالظاهر هو لأنّهُ کان رجلا مؤمناً بالإضافة إلى ذکره فی سورة «یس»، لذا قال البعض: إِنّ «إل» هنا زائدة والمراد هو «مؤمن یس»(12).

والآیة السادسة تصف وضع المجرمین یوم القیامة، قال تعالى: (وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُقْسِمُ الُْمجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَیْرَ سَاعَة)، ثم یضیف: (کَذلِکَ کَانُوا یُؤْفَکُونَ).

وعلى الرغم من أنّ هذه الآیة لم تتحدث عن محل اللبث، إلاّ أنّ الآیة اللاحقة أشارت إلى أنّ المراد من محل اللبث هو البرزخ، لأنها تقول: (وَقَالَ الَّذِینَ اُوتُوا الْعِلْـمَ وَالاِْیمـَانَ لَقَـدْ لَبِثْتُمْ فىِ کِتـَابِ اللهِ إِلَى یَـوْمِ البَعْثِ فَهَذَا یَوْمُ البَعْثِ وَلـکِنَّکُمْ کُنْتُـمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

وهذا التعبیر یشیر إلى أنّ مکث هؤلاء یطول أمده إلى یوم القیامة، ولا یصح هذا إلاّ فی البرزخ.

وقد انتخب هذا التفسیر عدد کبیر من المفسرین الکبار، وهو أنّ الآیة تشیر إلى حیاة البرزخ، لکنّ البعض الآخر یرون أنّ الآیة تشیر إلى اللبث الحاصل فی الدنیا، الذی یراه المجرم قصیراً جدّاً کانصرام ساعة، وادّعى بعضهم بأنّ هذه الآیة تدل على هذا المطلب، وهو ما جاء فی قوله تعالى: (کَاَنَّهُّمْ یَوْمَ یَرَوْنَهَا لَمْ یَلْبَثُوا إِلاّ عَشِیَّةً اَوْ ضُحَاهَا)!(النازعات / 46)

لکن لا یوجد فی هذه الآیة أیّ دلیل واضح على أنّ المراد من اللبث هو اللبث فی الدنیا، بل یحتمل أیضاً دلالتها على أنّ اللبث هو فی عالم البرزخ.

وإذا تجاوزنا ذلک فإنّنا لا یمکننا أن نفسّر الآیة إلاّ بدلالتها على «البرزخ»، وذلک بالاستناد إلى ما ذکرته الآیة من أنّ یوم القیامة هو الیوم الذی ینتهی فیه اللبث.

وهنا یطرح هذا السؤال نفسه وهو: لماذا یُعدّ هؤلاء الزمان الطویل لعالم البرزخ قصیراً وقلیلا؟

ویتضح الجواب على هذا السؤال من خلال ذکر مقدمة، وهی: عندما یُوعد الإنسان بوعد جمیل وشیّق، فإنّ نار الشوق للوصول إلى تلک اللحظة سوف تستعر فی قلبه، فتمر الساعات والدقائق علیه ببطء شدید، فتمرّ علیه الساعة کأنّها أیّام أو سنین، وعلى العکس من ذلک عندما یتوعّد العقاب الشدید فإنّه یودّ لو تتوقف عجلات الزمان، لکنْ تمرُّ علیه الأیّام والشهور بسرعة فی نظره وکأنّها لحظات أو دقائق لا أکثر، وهذا هو حال المجرمین یوم القیامة!

وبالرغم من أنّ العذاب الإلهی لا یتخطّاهم فی عالم البرزخ، لکن این عذاب البرزخ من عذاب یوم القیامة؟!

ویوجد احتمال آخر أیضاً وهو أن یعتبر البرزخ کالنوم بالنسبة للبعض بعد ابتداء عذاب القبر، ومن البدیهی أن لا یعلم هؤلاء مقدار مدّة لبثهم عندما تقوم القیامة، التی هی بمنزلة النهوض من النوم.

وبما أنّ جمیع الحقائق لا تنکشف أسرارها للإنسان فی البرزخ، فلا عجب من خفاء هذه الاُمور علیهم، لکنّه مِنَ الطبیعی أن تنکشف أسرار الحقائق بجلاء یوم القیامة الذی هو «یوم البروز».

وفی الآیة السابعة من آیات البحث جاء ما یرد على لسان الکفار عند مثولهم بین یدی الله یوم القیامة، قال تعالى: (قَالُوْا رَبَّنَا اَمَتَّنَا اثْنَتَینِ وأَحْیَیتَنَا اثْنَتَینِ فَاْعتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِّنْ سَبِیل).

تدل هذه الآیة على وجود عالم البرزخ من جهة أنّ تصوّر إماتَتَیْنِ وإحیاءَیْنِ غیرُ ممکن، إلاّ إذا سلّمنا بوجود عالم البرزخ، وهما الموت فی هذه الدنیا ثم حیاة البرزخ ثم الحیاة فی عالم الآخرة.

وهذا من أجل أنّ جمیع البشر وحتّى الملائکة والجِنّ وأرواح الأموات التی هی على هیئة أجسام مثالیة فی عالم البرزخ یموتون جمیعاً عند انتهاء هذا العالم، أی عند نفخ الصور بمقتضى قوله تعالى: (فَصَعِقَ مَنْ فی السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فی الأَرْضِ). (الزمر / 68)

ولا یبقى حىٌّ موجوداً فی ذلک الیوم سوى الله تعالى، إذن، هناک موت بعد حیاة البرزخ أیضاً.

وأمّا حیاة عالم الدنیا فهی خارجة عن المراد، وذلک لأنّ الآیة الشریفة تحدثت عن حیاتین بعد الموت، لا عن حیاة الدنیا بعد الموت.

لکن البعض احتمل أن یکون المراد من الموت الأول هو ما قبل وجود الإنسان فی الدنیا، أی عندما کان تراباً، بناءً على هذا الاحتمال سوف تکون الحیاة الدنیا هی الحیاة الاُولى أیضاً، والموت الثانی هو الموت الحاصل عند انتهاء هذا العالم، والحیاة الثانیة هی حیاة یوم القیامة، فیکون هذا شبیه ما جاء فی قوله تعالى: (کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللهِ وَکُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ). (البقرة / 28)

لکنّه من الواضح هو أنّ التعبیر بـ«الموت الأول» على هذا التفسیر یکون صحیحاً، إلاّ أنّ التعبیر بـ«الإماته» غیر صحیح، وبتعبیر آخر فإنّ الإنسان عندما کان تراباً فهو میّت لا أنّ الله اماته، لأنّ الإماتة یجب أن تکون بعد الحیاة، بناءً على هذا لا ینطبق تعبیر الآیة إلاّ على التفسیر الأول (أی على وجود عالم البرزخ)، إلاّ إذا اعتبرنا الإماتة جاءت هنا بمعناها المجازی، لکن هذا لا یجوز عند غیاب القرینة.

کما استدل بعض المفسرین بهذه الآیة على حیاة القبر أیضاً.. تلک الحیاة التی تنتهی بعد مدّة وجیزة بالموت (وفی الواقع أنّ هذه الحیاة هی أیضاً من أنواع الحیاة المؤقتة فی البرزخ).

وهناک کلام بین العلماء فی کیفیة الحیاة فی القبر، فهل هی حیاة بالجسم المادّی أم بالجسم المثالی فی عالم البرزخ؟ أم بجسم خلیط من المادة والمثال؟ وسوف نتحدّث لاحقاً عن هذا الموضوع بإذن الله.


1. مفردات الراغب، مادة (ورى).
2. منازل الآخرة، ص 161.
3. تفسیر البرهان، ج 3، ص 120، ح 2 و 1.
4. المصدر السابق.
5. تفسیر الکبیر، ج 4، ص 135.
6. تفسیر مجمع البیان، ج 1 و 2، ص 236.
7. وقال البعض أیضاً: إنّ الآیة المتعلقة بسورة آل عمران نزلت فی شهداء بدر بینما نزلت الآیة المتعلقة بسورة البقرة فی شهداء بدر واُحد معاً.
8. تفسیر المیزان، ج 1، ص 352.
9. رُوِیَ هذا الحدیث فی مجمع البیان، ج 7 و 8، ص 6 عن صحیح البخاری ومسلم فی تفسیر ذیل الآیة مورد البحث.
10. تفسیر مجمع البیان، ج 7 و 8، ص 421.
11. تفسیر المیزان، ج 17، ص 76 نقلاً عن تفسیر در المنثور.
12. تفسیر روح الجنان، ج 9، ص 270 (تعلیقة المرحوم العلاّمة الشعرانی).

 

تمهیدثمرة البحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma