اُشیر فی الآیات الخمس السابقة إلى الآثار الإیجابیة للإیمان بالمعاد والحیاة بعد الموت فی أبعاد مختلفة وحیثیات متعددة، وابتداءً من الآیة السادسة فما بَعدها اُشیر إلى الآثار السلبیة لعدم الإیمان بالمعاد.
ففی الآیة السادسة قال تعالى: (فِى جَنَّات یَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الُمجْرِمِینَ * مَا سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ)(1).
فینادی أصحاب السعیر لیبّینوا أسباب دخولهم النار ویلخصونها فی أربعة عوامل هی: ترک الصلاة، وترک اطعام المساکین، ومعاشرة أهل الباطل، وأخیراً التکذیب بیوم الجزاء على الدوام، قال تعالى بلسان حالهم (قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ المُصَلِّینَ * وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ المِسْکِینَ وَکُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِینَ * وَکُنَّا نُکَذِّبُ بِیَومِ الدَّینِ).
إنَّ هذه الآیات تدلَّ بوضوح على أنّ أحد عوامل السقوط فی احضان جهنّم، وَالعامل الأساس المؤدّی إلیها هو إنکار یوم الجزاء، الذی یجعل من الإنسان موجوداً غیر مکترث ولا مسؤول وفاقد للتقوى والإیمان.
والجدیر بالذکر هو أنّ المتسائلین لم یسألوهم: لماذا ألقاکم الله فی النار؟ بل کان سؤالهم: ما هو السبب الذی أدّى إلى دخولکم النار؟، وذلک لتوضیح القانون الطبیعی الذی یربط «المنکرات والعقائد السیئة» بـ«دخول جهنّم».
وممّا یجدر الإشارة إلیه أیضاً هو أنّ العامل الأول من هذه العوامل الأربعة، هو ترک الارتباط بالله (الصلاة)، والثانی هو ترک الارتباط بالضعفاء (اطعام المساکین)، والثالث هو معاشرة أهل الباطل (الخوض مع الخائضین)، والرابع هو عدم الإیمان بالقیامة.
والتأکید على (یَومِ الدِّینِ) (یوم الإدانة) من بین أسماء القیامة هو للدلالة على هذه الحقیقة وهی أنّ المحرّک الرئیسی نحو الإیمان والعمل الصالح هو الاعتقاد بأنّ یومَ القیامة هو یوم الإدانة والجزاء.
وتحدثت الآیة السابعة عن «المطففین» (الذین ینقصون الکیل)، قال تعالى: (وَیَلٌ لِّلْمُطَفِّفینَ...اَلا یَظُنُّ اُولَئِکَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِیَوم عَظِیم * یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمینَ).
ومن المحتمل هنـا أن یکون الظن بمعنى الیقین، أو بمعنى الظن بالمعنـى الثانی، والهدف هو التأکید على هذا الواقع وهو أنّ یوم الجزاء یبلغ من الأهمیّة والعظمة، ممّا یجعل من یظن وقوعه یحرص على عدم ارتکاب المعصیة فضلا عن أن یکون متیقناً.
لکن الکثیر من المفسرین انتخبوا المعنى الأول أیضاً، کما جاء فی بعض الآیات السابقة مثل الآیة 249 من سورة البقرة، وقد أکّدت الروایات على هذا المعنى أیضاً(2).
على أَىِّ حال فإنّنا إن فسّرنا الظنّ بالیقین أو بالظن الذی هو أقل درجةً من الیقین، ففی کلا الحالتین تعتبر الآیة دلیلا على أنّ الإیمان بالقیامة له أثر احترازی مهم، فی ترک الظلم والکف عن غصب حقوق الناس وأمثال ذلک.
فکلما قطع أحدٌ، أو حتّى لو احتمل أنّ هناک محکمة عظیمة، یُحاسَبُ فیها على الأعمال الصالحة أو الطالحة حتى لو کان مقدارها «مثقال ذرة»، وینالُ جزاءه على کل عمل، وأنّه لا مفر له من الامتثال أمام تلک المحکمة، فمن البدیهی أن یراقب الشخص أعماله فی هذه الدنیا، وإیمانه هذا واعتقاده سوف یؤثّر فی تربیته.
ومن الطبیعی أنّه لیس المراد هنا بأنّ کل من ینقص الکیل، أو یرتکب ذنباً آخر لا یؤمن بالمعاد وهو کافر، بل المراد هو أنّ هؤلاء إمّا أن یکون إیمانهم ضعیفاً جدّاً أو أن یکونوا غافلین، وإلاّ فکیف یؤمن الإنسان إیماناً راسخاً بمثل هذا الیوم ویبتلى بالغفلة أیضاً ویغرق بمثل هذه الذنوب.