1 ـ قصة حیاة عُزیر(علیه السلام) بعد موته

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهید2 ـ إبراهیم(علیه السلام) والمعاد

تحدّث القرآن الکریم عن هذه القصّة العجیبة فی أواخر سورة البقرة من خلال آیة واحدة تعتبر فی الواقع دلیلا تاریخیاً لدحض ادّعاءات منکری المعاد، قال تعالى:

(أَوْ کَالَّذِى مَرَّ عَلَى قَرْیَة وَهِىَ خَاوِیَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى یُحْىِ هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ کَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْم قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَام فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِکَ وَشَرَابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِکَ وَلِنَجْعَلَکَ آیَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ کَیْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَکْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى کُلِّ شىء قَدِیرٌ)(1). (البقرة/259)

وتوجد هنا عدّة اُمور تحتاج إلى الدقّة والتّأَمُّلِ:

1 ـ من کان هذا الرجُل؟ وأین تقع هذه القریة؟ (یجب الالتفات إلى أنّ المراد من القریة هنا التجمّع السکانی سواء أکان قریة أو مدینة).

فالقرآن لم یوضح ذلک، والمستفاد من سیاقِ الآیة أنّه رجلٌ أُوحیَ إلیه، أیْ کان من أحد انبیاء الله لکنّ المفسّرین وبالاستناد إلى الروایات الواردة فی هذا المجال یذکرون اسمه بالتعیین، ففى کثیر من الروایات وعبارات المفسرین ذُکر أن اسمه «عُزیر» نبیّ بنی اسرائیل المعروف، وذکر آخرون بأنّ اسمه «الخضر» وآخرون، قالوا إن اسمه «اشْعیا»(2).

وأیاً کان فانّه لایؤثر على معنى ومحتوى الآیة، أمّا ما احتمله البعض من أنّه کان رجلا غیر مؤمن وقد شک فی أمر المعاد فإنّ هذا کلام مردود، لأنّ الآیة تدلّ بجلاء على أنّ الوحی نزل على هذا الرجل.

أمّا «القریة» فهی «بیت المقدس» طبقاً لما جاء فی الروایات، وهذه الحادثة التی وقعت بعد هدم بیت المقدس على ید «نبو خذ نصّر».

2 ـ هل أنّ هذا الرجل المؤمن (أیاً کان) قد مات حقاً أم ذهب فی سبات عمیق؟ ظاهر الآیة یدلّ على أنّه مات حقاً وعاد إلى الحیاة مرّة اُخرى بإذن الله بعد أن مضى على موته مائة عام، وأکثر المفسرین یعتقدون بهذا الرأی، والبعضُ منهم فَسَّرَ «الموتَ» فی هذه الآیة بالنوم العمیق المشابه للموت، کما هوَ الحال فی نوم بعض الحیوانات التی تغط فی سبات عمیق فی فصل الشتاء وتخرج من سباتها فی فصل الربیع فتبدأ بالحرکة.

وفی مثل هذا النوم تکون النشاطات الحیویة بطیئة إلى حَدٍّ ما ویقلّ ماتحتاجه من طاقة بکثیر عمّا کان علیه فی حالاتها العادیة، لکنّه لایُطْفِیءُ البصیصَ من الحیاة على أیّة حال.

وقد رجّح هذا الاحتمال (ای احتمال السبات) صاحب «المنار» و«المراغی» وصاحب «أعلام القرآن» حتى أنّه ذکر فی أعلام القرآن أنَّ المراد من «مائة عام» لیس من الضروری أن یکون مائة سنة! بل من المحتمل أن یراد منها مائة یوم أو مائة ساعة!!

إنّ بعض المثقفین الذین یصعب علیهم تصدیق هذه الاُمور الخارقة للعادة، فإنّهم کلّما شاهدوا شیئاً من هذا القبیل سعوا للإتیان بالتبریرات والمغالطات بینما لا توجد أی ضرورة لهذا التکلّف أبداً.

إنّ القرآن المجید والروایات الصحیحة وباختصار کل محتویات المذاهب السماویة ملیئة بهذه الاُمور الخارقة للنوامیس الطبیعیة التی لایمکن إنکارها ولا السعی فی تبریرها، فإننا لو آمنّا بقدرة الله تعالى على الإتیان بمثل هذه الخوارق لکان التصدیق بمثل هذه الأمور أمراً یسیراً، وکل ما فی الأمر أنْ نبتعد عن المبالغة، وعن تجاوز الحدود، وأَلاّ ننسب کل امر إلى الاعجاز أو خرق النوامیس الطبیعیة.

و حتّى بالنسبة للعلماء المادیین، هُناک اُمور خارقة لا یمکن تفسیرها بالأسالیب العلمیة المعروفة فما هو الداعی لتحریف أیّة ظاهرة خارقة للعادة بمجرّد العجز عن کشف سرّها.

والقضیة المذکورة، وبغض النظر عن الرجل المؤمن المذکور فیها والذی مات وبُعث من جدید وبغض النظر عن الهدف منها وهو الرغبة فی تقدیم مثال لاحیاء الموتى یوم القیامة، تشیر إلى حماره أیضاً، وقد أخبر القرآن بأنّه قد مات وتلاشت عظامه، لأنّ الآیة صریحة فی جمع العظام بإذن الله وتغطیتها باللحم ثم نفخ الحیاة فیها، فهل یجب تعلیل کلّ ذلک؟

3 ـ وأمّا ما یتعلق بالمدینة التی وقعت فیها تلک القصة فإنّ أغلب المفسرین یعتقدون بأنّها وقعت فی بیت المقدس بعد أن هُدمت على ید «نبو خذنصّر» وخُربت عن آخرها وقد عبّر عنها القرآن ب(خَاوِیَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) أی بعد تهدیم سقوفها وتخریب جدرانها ومساواتها بالأرض؟ وقیل هی قریة مجاورة لبیت المقدس.

أمّا ما یتعلق بحدیث ذلک الرجل المؤمن مع نفسه فانّه لم یکن بسبب الإنکار ولا التعّجب والشک بل أراد أن یشاهد احیاء الموتى بأم عینیه کی یطمئن قلبه کما أراد إبراهیم(علیه السلام) ذلک فی القصة التی سوف نذکرها عمّا قریب.

ومن الممکن أیضاً أن یکون طلبه هذا من أجل أن یقدم دلیلا مقنعاً للمنکرین والمشککین، لأنّه فی بعض الأحیان لا تکفی الاستدلالات العقلیة ولا حتى نداء الفطرة والوجدان فی اقناع بعض الناس، فهم یصّرون على مشاهدة النماذج الحیّة لکی یأخذ الاستدلال طابع الحس وتزول جمیع الوساوس عن قلوبهم ونفوسهم.

4 ـ وأمّا ما یتعلق بنوع طعامه وشرابه فإنّ القرآن لم یصِّرح بشیء عنه، ولکن یظهر من جملة: (لَمْ یَتَسَنَّهْ) التی هی من مادّة «سَنَه» والتی یفهم منها عدم فساد الطعام والشراب على الرغم من مرور سنین طویلة انّهما کانا من الأغذیة والأشربة التی لا تفسد بمرور الزمان، وقیل بأنّ الطعام الذی کان یحمله هو «التین» و«العنب» والشراب هو «عصیر الفواکه» أو «الحلیب».

والملاحظ هنا أنّ الله تعالى ومن أجل اظهار قدرته، حفظ المواد السریعة الفساد من التلف، بینما ترک حماره الذی یقاوم الفساد عادةً عرضةً للفساد، وبهذا أصبح دلیلا على المکوث مائة سنة ودلیلا آخر على إمکان الحیاة بعد الموت، وذلک من أجل أن یشاهد الرجل المؤمن تلک الحقیقة باُمِّ عینیه فی کلا الأمرین (وجود نفسه ووجود حماره بعد الموت).

5 ـ عبارة: (وَلِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ) تدلّ على أنّ الفائدة المرجوّة من هذه الحـادثة لا تختص بذلک الـرجل المؤمن لوحده، بل لتکون عبرة نـافعة لجمیـع الناس، لأنّ الناس قد عرفوا « عُزیر(علیه السلام) » بالقرائن المختـلفة ، وتیقنوا مـن أنّه قد مـات وبُعث ثانیة بعد مرور مائة عام على موته، فإن کان الجیل المعاصر لحیاة عزیر قد مات وفنى فإنَّ الجیل الجدید عرفوا حقیقة الأمر بواسطة المعلومات التی حصلوا علیها من آبائهم.


1. جملة (أو کالّذی مَرّ...) طبقاً لتصریح کثیر من المفسرین هی عطف على الآیة التی قبلها (الم تر إلى الذی حاجَّ إبراهیم...) بناءً على هذا یکون معنى هذه الجملة کالتالی «اَلَم ترَ إلى الذی مَرّ على قریة...».
2. تفاسیر البرهان; نور الثقلین; مجمع البیان; روح المعانی; روح البیان; والکبیر والقرطبی فی ذیل الآیة مورد البحث.

 

تمهید2 ـ إبراهیم(علیه السلام) والمعاد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma