دار الحدیث فی الآیة الاُولى حول الشهداء. فقد کان هناک عدد من ضعفاء الإیمان یتألَّمون لهؤلاء الشهداء لأنّهم ماتوا ودفنوا وحرموا من کل شیء، لقد خاطب القرآن فی هذه المناسبة الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) (کی یتّعضَ الآخرون) قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فی سَبیلِ اللهِ اَمْوَاتاً بَلْ اَحیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ).
وبهذا غیّر نظرة الناس حول الموت تغییراً جذریاً وبالأخصَّ نظرتهم إلى «موت الشهداء الذین قتلوا فی سبیل الله»، وأبان لهم أنّ هؤلاء یرقدون فی جوار رحمة الله ویملأ وجودَهم الفرحُ وینادون الآخرین بأنّهم لاخوف علیهم ولاهم یحزنون.
فهذا التعبیر الحی الواضح یدل بجلاء على أنّ الروح خالدة وأنّ الشهداء احیاء فی عالم أرقى واعلى بکثیر من هذا العالم.
فإذا کانت حیاة الإنسان تفنى بالموت إلى الأبد تصبح هذه التعبیرات مبهمة وغیر مفهومة حتى فی مجال اطلاقها على الشهداء، ولن تکون سوى حفنة من المجازات اللغویة لا غیر.
أمّا الذین لم یتمکنوا من إدراک مغزى ومفهوم هذه الآیة فقد اتبعوا رأی ضعاف الإیمان الذین عاصروا الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) وفسّروا هذه التعبیرات بمعنى خلود اسم الشهداء وخلود معتقدهم! أو ما شابه ذلک، بینما تُبطِلُ الآیةُ مثلَ هذه النظریات قطعاً، وقد أکّدت على أنَّ للشهداءِ حیاة خالدة، ومن البدیهی أن لا تکون هذه الحیاة حیاةً جسمانیة ومادیّة لأنّ أجساد الشهداء الدامیةَ قد دُفنت تحت التراب، فلن یبقى أمامنا إذن إلاّ أن نعتبرها حیاةً تختصّ بالروح عن طریق خلودها فی البرزخ.
وعلى الرغم من اصرار البعض ـ على حدّ قول صاحب المیزانـ على أنّ الآیة نزلت فی حق شهداء بدر (و على رأی البعض أنّها تتعلق بشهداء أحد) إلاّ أنّ البدیهه تفترض أنّ الآیة ذاتُ مفهوم واسع وشامل، یشمل جمیع الشهداء دون أیّ استثناء، بالإضافة إلى أنّها لا تنفی الانطباق على غیر الشهداء أیضاً.
وعلى أیّة حال فإنّ لهجة الخطاب فی هذه الآیة والآیات التالیه لها تَدلُ على خلود أرواح الشهداء والتنعّمِ بالرزق المعنوی عند ربّهم وسرورهم الحاصل من نیلهم تلک النعم وذلک الفضل الإلهی، وهذه الآیات تبطل جمیع الآراء والتفسیرات المنحرفة.
