قبض الأرواح!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
عذاب آل فرعون فی البرزخ1 ـ خلود الروح

وفی الآیة الرابعة (والآیات المشابهة لها) نلاحظُ تعبیراً آخرَ فی هـذا المجال، قال تعالى: (قُلْ یَتَوفَّاکُمْ مَّلَکُ المَوْتِ الَّذِى وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ اِلَى رَبِکُمْ تُرْجَعُونَ).

والتعبیر الجدید واللطیف فی هذه الآیة «یتوفاکم» من مادة «التوفّی» على وزن (الترقّی).

قال الراغب فی المفردات «وافی» فی الأصل بمعنى وصول الشیء إلى الکمال، بناءً على هذا فإنّ «التوفّی» یکون بمعنى أخذ الشی بصورة کاملة وهذا التعبیر یدل بوضوح على هذه الحقیقة وهی أنّ الموت لا یعنی الفناء أبداً، بل نوع تام من أنواع القبض، والأخذ أخذ روح الإنسان بصورة تامّة، دلیلٌ واضح وملموس على أنّ روح الإنسان لا تفنى بعد «التوفّی» (أی الأخذ الکامل) لها.

ومن الجدیر بالذکر أنّ هذه الآیة وردت فی الجواب عن تساؤل منکری المعاد، وقد نُقل عنهم فی الآیة السابقة قولهم: (وَقَالُوا ءَاِذَا ضَلَلْنَا فِی الاَْرْضِ ءَإِنَّا لَفِى خَلْق جَدِیْد).

فأجابهم تعالى فی هذه الآیة: «أنّکم لستم أجساداً فحسب کی تضلوا بعد الموت، بل إنّ الروح هی الأصل فی وجودکم والتی تتوفاها الملائکة، وسوف تُعادُون وتحشرون یوم القیامة (بالجسم والروح معاً) وکما قلنا آنفاً: إنّ هذا التعبیر قد تکرر ذکره فی آیات متعددة فی القرآن وقد اکّد علیه کثیراً».

إنّ خطاب الآیات القرآنیة فیه ارشاد للاثبات بعدم النظر إلى الموت من منظار مادّی أبداً، فالمادّیّون یعتقدون بأنّ الموت نهایة الطریق بالنسبة للإنسان وینادون دائماً بهذا الشِعار: (اِنْ هِىَ اِلاّ حَیَاتُنَا الدُّنیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا) بینما لا یکون الموت إلاّ عبارة عن الانتقال من «الحیاة الدنیئة» إلى «الحیاة الراقیة» ویتم ذلک الانتقال بواسطة ملائکة الله.

وفی بعض الموارد نسب الله التوفّی إلى نفسه: قال تعالى: (اَللهُ یَتَوَفَّى الاَْنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا). (الزمر / 42)

وقال من موضع آخر: (وَلکِنْ اَعْبُدُ اللهَ الَّذِى یَتَوفَّاکُمْ). (یونس / 104)

ومن البدیهی أن لا یوجد هناک تناقض بین تعبیرات القرآن الثلاثة المذکورة (التوفی من قبل الله والتوفی بواسطه ملک الموت والتوفّی بواسطة الملائکة)، لأنّ هؤلاء جمیعهم یطیعون أمر الله، والله عزّ وجلّ هو الفاعل الحقیقی، کما أنّ الملائکة التی تتوفّى الأرواح لهم رئیس أیضاً الذی یسمى بملک الموت وسائر الملائکة الموکلین بقبض الأرواح یعتبرون مسیّرین من قبل هذا المَلک.

وفی الآیة الخامسة والاخیرة ورد هذا المعنى نفسه مع مقارنة وضع الإنسان عند النوم مع وضعه عند الموت، وقد عبّر بـ «التوفّى» عن کلتا الحالتین، قال تعالى: (اللهُ یَتَـوَفَّى الاَنْفُسَ حینَ مَوْتِهـَا وَالَّتِى لَمْ تَـمُتْ فی مَنـَامِهَـا فَیُمْسِکُ الَّتى قَضَى عَـلَیْهَا الْمَوْتَ وُیُرْسِلُ الاُْخْـرَى اِلَى اَجَل مُسمَّىً اِنَّ فِی ذلِکَ لاََیَـات لِقَوم یَتَفَکَّرُونَ).

و «انفس»: جمع «نفس» بمعنى الروح، والمراد من الروح هنا الروح الإنسانیة ویستفاد من الآیة المذکورة إنّ روح الإنسان تقبض فی کلتا الحالتین، حالة الموت وحالة النوم، مع فارق واحد أنّ التوفی فی حالة النوم غیر تام حیث تعود الروح ثانیة إلى الجسد، أمّا فی حالة الموت فلا عودة لها، (وهناک طبعاً من ینتقل من حالة النوم إلى الموت مباشرة ولا یستیقظ من نومه أبداً، وقد أشارت الآیة المذکورة لهذه الحالة أیضاً).

وعلى حد تعبیر بعض المفسرین: «إنّ للروح ثلاث حالات، فتارةً یشع نورها على ظاهر البدن وباطنه، واُخرى على الظاهر فقط، وثالثة، ینقطع اشعاعها عن الظاهر والباطن معاً. فالحالة الاُولى حالة الیقظه، والثانیة حالة النوم، والثالثة حالة الموت»(1).

ولمزید من الایضاح یجب الالتفات إلى هذه الحقیقة وهی أنّ الإنسان له ثلاثة أنواع من الحیاة.

«الحیاة النباتیة» وهذا یعنی أنّ خلایا البدن تتغذى وتنمو وتتکاثر (کما هو الحال فی النباتات).

«الحیاة الحیوانیة» التی تشتمل على الحس والحرکة، والحرکة هنا تشمل الحرکة الارادیة کالمشی وحرکة الید والرجل أو الحرکات غیر الارادیة کضربات القلب وغیرها من الحرکات.

«الحیاة الإنسانیة» التی تختص بالإدراکات الرفیعة التی یمتلکها الإنسان والتی تتعلق بالإرادة وتحلیل المسائل المختلفة والابداع والابتکار والشعور بالمسؤولیة.

وممّا لا شک فیه أنّ النوعین الأول والثانی من أنواع الحیاة لا یُسلب من الإنسان فی حالة النوم، والنوع الثالث الوحید الذی یخرج عن اختیار الإنسان فی تلک الحالة.

وممّا یجدر ذکره أنّ هذه الآیة تفید بأنّ النوم «موت مخفف» أو بتعبیر آخر إنّ الموت «نموذج کامل من النوم» کما یُفهم أیضاً بأنّ الإنسان مرکب من الروح والجسد وأنّ الجسد مادّی والروح جوهر لا یخضع للقوانین المادّیة:

ومن خلال ماتقدم یمکن التوصل إلى معرفة نبذة من أسرار الأحلام والرؤیا وما یدرکه الإنسان من حقائق جدیدة فی تلک الحالة، لأنّ روح الإنسان فی حالة النوم تنفصل عن الجسد وتنجز فعّالیاتها بحریّة أکثر، إذن فهی تَحوم فی عوالم جدیدة.

جاء فی الحدیث عن أمیر المؤمنین علی(علیه السلام): «إنّ الروح یخرجُ عند النوم، ویبقى شعاعه فی الجسد، فلذلک یرى الرؤیا، فإذا انتبه عادَ روحُهُ إلى جسده بأسرع من لحظة!»(2).

وعلى أیّة حال فإنّ هذه الآیات لا تفسر إلاّ بمسألة بقاء الروح، وذلک لأنّ توفّی الشیء أی أخذه بصورة تامة عند الموت لایصدق على التوفّی الجسدی، فالحیاة النباتیة والحیوانیة تفْنى بواسطة الموت ولا یبقى منها شیء فلایمکن أن تکون مصداقاً لعنوان «التوفّی»، فبناءً على هذا تکون النتیجة أنّ المراد من التوفی توفی الروح الإنسانیة التی تعتبر العامل الرئیسی فی حیاة الإنسان.


1. التفسیر الکبیر، ج 26، ص 284.
2. تفسیر روح البیان، ج 8، ص 115.

 

عذاب آل فرعون فی البرزخ1 ـ خلود الروح
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma