إنّ مسألة خلود الروح لها علاقة وثیقة بمسألة استقلالها وأصالتها، لأنّ الروح إن کانت مستقلة فیحتمل أن تبقى على حالها بعد الموت، لکنّها لو کانت تابعة لقوانین المادة وکانت تشبه فی خواصها المادة فإنها سوف تفنى تبعاً لفناء الجسم (کما هو الحال فی حرکة عقارب الساعة التی تتبع فی وجودها وعدمها نفس الساعة).
لذا علینا وقبل کل شیء أن نبحث فی هذه القاعدة هل أنّ روح الإنسان جوهر مستقل أم شیء مشابه للخواص الفیزیائیة والکیمیائیة التی تمتلکها خلایا المخ التی تفنى تبعاً لفناء المخ، کما هو الحال فی الروح الحیوانیة والنباتیة التی هی عبارة عن التغذیة والنمو والتکاثر والحس والحرکة؟
إنّ ممّا لا شک فیه أنّ التغذیة والنمو والتکاثر لا تبقى بعد فناء الجسم وکذلک تنعدم فیه الحرکة والحس (فتأمل).
ولکن لدینا أدلة کثیرة تثبت أنّ الروح الإنسانیة لا تشبه الروح النباتیة والحیوانیة، بل هی حقیقة مستقلة تتعلق بالبدن تارة وتنفصل عنه اُخرى.
من هنا ننطلق لبحث الأدلة العقلیة التی أتى بها الفلاسفة لإثبات أصالة الروح واستقلالها أولا، وبعد ذلک نشرع بذکر أدلة المنکرین أی المادیین ثم نشرعُ بنقد تلک الأدلة.
ومع أنّ مجرد إثبات خلود الروح لا یُثبت جمیع ما نرید إثباته فی مباحث المعاد ـ کما أشرنا إلى ذلک سابقاً ـ (لوجود قسم کبیر من مسائل المعاد یرتبط بجانب المعاد الجسمانی) إلاّ أنّه یُمهّد امامنا نصف الطریق على الأقل ویکبح جماح المنکرین.
