هل یمکن إثبات المعاد بهذا الجسم المادّی المؤلف من العناصر المادیة عن طریق العقل أم لا؟
یرى البعض عدم وجود دلیل عقلی مقنع لاثبات هذه المسألة کما أنّه لا یوجد دلیل على نفیها أیضاً، وبما أننا لانمتلک دلیلا على استحالة ذلک فإننا نکتفی فی هذا المجال بأدلة کتاب الله والسنّة من دون تأویل ظواهرهما(1) وبتعبیر آخر إنّ دلیل العقل یعجز عن إثبات هذه المسألة فعندما یتمکن الدلیل العقلی من إثبات ذلک فإنّه لا یبقى أمامنا سوى التسلیم للدلیل النقلی.
هذا بالإضافة إلى مایراه البعض من أنّ المعاد الجسمانی مطابق للدلیل العقلی ویقولون بأنّ روح الإنسان تنمو بموازاة نمو البدن وترتقی معه إلى الکمال. لذا فإنّه توجد هناک رابطة وثیقة بین «الروح» و«البدن» فتؤثّر حالات کلٍّ منهما فی الآخر، فالآلام الجسمیة تؤثّر على الروح کما أنّ الآلام الروحیة تؤثّر على الجسم أیضاً، فالسکینة وراحة البال فی کلٍّ منهما له تأثیر إیجابی على الآخر بصورة تامة.
على هذا فإنّ الروح والجسم رفیقان حمیمان ینشآن وینموان معاً.
ولا شک فی أنّ الموت یقطع هذا الارتباط بصورة مؤقتة، ولکن من أجل إقامة العدالة الإلهیّة والوصول إلى العقاب والثواب التام یجب أن تعاد تلک الرابطة على مستوى ارقى کی یتم لقاء الروح برفیقها الحمیم لیتمکن من التحرک ونیل المواهب المعنویة والمادیة التی اعدت لها فی الآخرة أو تحمّل العذاب إن کانت تستحق العقاب.
وقصارى القول إنّ إعادة کل واحد من هذین الاثنین بمفرده یعنی وجود نقص فی المعاد وکمال المعاد لا یتمّ إلاّ عن طریق إعادتهما معاً.
ورغم أنّ الروح هی التی تتلقى العقاب أو الثواب واللذة أو الألم لکننا نعلم جیداً بأنّ الکثیر من هذه الآلام والملاذ تتلقاها الروح عن طریق الجسم، فإذا عُدِم الجسم فإنّ قسماً کبیراً من هذه الملاذ أو الآلام لن یبقى لها أیّ تأثیر.
بناءً على هذا فالعقل یقول: یجب أن یقترن هذان ببعضهما فی الآخرة کما کانا مقترنین فی الدنیا، وذلک لأنّ کل واحد منهما یعتبر ناقصاً لوحده (فتأمل).