لو آمنوا بالمعاد لما ارتکبوا الذنوب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
إنکار المعاد هو السبب الرئیسی لاقتحام الفجورالإیمان بالمعاد وعلاقته بالرؤیة الواقعیة

تحدثت الآیة الثامنة عن الذین تقاعسوا عن الاشتراک فی الجهاد عندما صدر الأمر بهذه الفریضة الإلهیّة، فهؤلاء کانوا یذهبون إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) ویتحجّجون بحجج واهیة، لیحرجوا النبی(صلى الله علیه وآله) حتّى یأذن لهم بعدم الذهاب إلى سوح القتال، وبهذا کانوا یریدون أن یتخلَّصوا من ثقل هذه الفریضة المهمّة، من دون أن یکونوا فی الظاهر قد ارتکبوا معصیة!

قال تعالى: (لاَیَسْتَأْذِنُکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الاْخِرِ أَنْ یُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَاَنْفُسِهِمْ). (التوبة / 44)

بل عندما یأتی الأمر بالجهاد یذهبون نحو میادین القتال بکل اشتیاق ورغبة، فهل یحتاج القیام بالواجب إلى الاذن؟

ثم یضیف: (إِنَّمَا یَسْتَأذِنُکَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالیَومِ الآخِرِ).

وهذا لا ینحصر طبعاً بفریضة الجهاد، فالمؤمنون الذین لدیهم اعتقـاد بالمعاد، یتسلحون بعزم راسخ وإرادة قویة لا تتزلزل فی جمیع المجالات، عند انجـازهم للتکالیف الإلهیّة الموکلة إلیهم، لکن عدیمی الإیمان والذین ضعف إیمـانهم وتزلزل، وبالأخص المنافقون یسعون دائماً للتخلص من عبء التکالیف، مع أنّهم فی نفس الوقت یحاولون أن یظهروا بمظهر من یلتزم بالموازین الشرعیة وأنّ الشرع قد استثناهم من هذا المجال، ویالها من علامة حسنة للتمییز بین المؤمنین والمنافقین الذین یضمرون الکفر!.

وتحدّثت الآیة التاسعة عن الذین یتعاملون بعنف مع الأیتام بسبب عدم إیمانهم بیوم الدین، والذین لا یشجعون الآخرین على اطعام المساکین، قال تعالى: (أَرَأَیتَ الَّذِى یُکَذِّبُ بِالدِّینِ * فَذلِکَ الَّذِى یَدُعُّ الیَتِیمَ * وَلاَ یَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ).

وکـلمةُ «یدعّ» مشتقة من مادة «دعّ» (علـى وزن سدّ) وهـی فی الأصل بمعنى الطرد المقرون بالغلظة، وکلمة «یحُضُّ» مشتقة من مادة «حضّ» وهی بمعنى تشجیع الآخرین على القیام بعمل ما، وبما أنّهما جاءتا فی الآیة المذکورة بصیغة المضارع فهما تدلان على الاستمرار، و«طعام» بمعنى «إطعام».

وبما أنّ «الفاء» فی «فذلک» فی الآیة المذکورة «للسببیة» فهذا یدل بوضوح على أنّ إنکار یوم الجزاء هو المنبع الرئیسی لهذه الأعمال السیئة والمشؤومة، فهو لا یحرم الأیتام فحسب، بل یمنعهم بغلظة وشدّة، ولا یکف نفسه عن اطعام المساکین فحسب، بل یدفع الآخرین أیضاً على الکف عن اطعامهم، ویقف حائلا دون تصدّق الآخرین عَلیهم، وذلک لأنّه لا یخاف عاقبة سوء أعماله.

إنّه لا یؤمن بمحکمة العدل الإلهیّة ولا یؤمن بالحساب والثواب والعقاب، فهو لا یعتقد إلاّ بالحیاة الدنیویة المحدودة والاُمور المادیة فقط، لذا فهو مشغوف بحبها ولا یفکّر بسواها.

وجملة (أَرأَیتَ) مأخوذة من مادة «الرؤیة»، ویحتمل دلالتها على الشهود العینی أو على الشهود اللّبی، وهی بمعنى العلم والمعرفة، وعلى أیّة حال فالآیة تفید هذا المعنى وهو: إنّک إنْ لم تعرف من ینکر یوم الجزاء فهم یحملون علائم واضحة، إحداها أنّهم قساة القلوب ولا یرحمون الیتیم، والاُخرى أنّهم لا یَعبأون بحال المعدمین، فبهذه الصفات السیّئة یمکنک تمییزهم بوضوح، وتلمسُ حقیقة غیابِ الإیمان بالمعاد فی وجودهم.

وقد ذکر المفسرون أسباباً عدیدة فی نزول هذه الآیات، منها: إنّ هذه الآیات نزلت فی شأن (أبو سفیان)، فإنّه کان یذبح فی کل اسبوع إثنین من الابل (لکنّه کان یحتفظ بها لنفسه وذویه)، فجاءه فی أحد الأیّام فقیر یطلب منه شیئاً، فدفعه أبوسفیان بعصاه إلى الخلف (فنزلت هذه الآیة إِثر تلک الحادثة).

ونقل الفخر الرازی عن «الماوردی» أَنّ هذه الآیة نزلت فی شأن (أبوجهل)، فأبو جهل کانت له وصایة على أحد الأیتام، فجاءه الیتیم وهو عریان، وطلب من أبی جهل أن یمدّه بشی من أمواله، لکن أبا جهل طرد الیتیم بعنف، فقال وجهاء قریش للیتیم الیائس: اطلب من محمد أن یذهبَ إلى أبی جهل فیشفع لک عنده، وکانوا یریدون بذلک الاستهزاء والسخریة، فتوجَّهَ الطفـل إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وهـو لا یعـلم الهـدف من کـلام وجهاء قریش، وطلب من النبی(صلى الله علیه وآله) أن یشفع له عند أبی جهل، وکان من عادة النبی(صلى الله علیه وآله)أن لا یردّ طلب محتاج أَبداً، فقام(صلى الله علیه وآله) فاصطحب الطفل وذهب إلى أبی جهل، وعندما وقع نظر أبی جهل على النبی(صلى الله علیه وآله)رحّب بـه (وقـد ملأ وجوده العجب)، ثم أعطى الیتیم مالا کثیراً، بعد ذلک وجَّهَ وجهاء قریش اللوم لأبی جهل على فعله، وقالوا له أملکک حبُ محمد یا أبـا جهل؟ فقـال کلا والله إنّ حبّه لم یدخل قلبی، لکننی شاهدتُ حراباً على یمینه وشماله فخفت إنْ لم اُلبِّ دعوته أن تمزقنی تلک الحراب(1)!.

وعلى أیّة حال فإنّ دلالة الآیة على تأثیر الإیمان بالمعاد على سلوک الإنسان ظاهر بکل وضوح.

وفی الآیة العاشرة طُرِحت نفس هذه المسألة أی العلاقة بین «الإیمان بالحیاة بعد الموت والحساب والجزاء والقیامة» وبین «أعمال الإنسان فی هذه الدنیا والمسائل المتعلّقة بالتربیة» ولکن بنحو آخر، قال تعالى: (بَلْ یُریدُ الاِْنسَانُ لِیَفْجُرَ أَمَامَهُ * یَسْئَلُ أَیَّانَ یَومُ القِیَامَةِ).

وَهل یمکن للإنسان الذی یؤمن بعظمة الله، وقدرته على خلق جمیع هذه الأجرام السماویة والمجرّات والعوالم العجیبة، أن ینکر قدرته على احیاء الموتى؟!

بناءً على هذا لا یکون الهدف من انکار هذا الإنسان إلاّ التحرر من القیود من أجل اشباع جمیع غرائزه، ولیبسط یدیه فی الظلم وهتک حدود العدالة وارتکاب الذنوب، أنّه یرید أن یخدع نَفسهُ بهذا الاُسلوب حتى تصل به القناعة المزیّفة بأُسلوبه هـذا حدّاً یجعله یخلق الاعـذار والتبریرات لإخفاء قباحة أعماله عن أنظـار الناس، إنّه یرید أن یحطّم السدّ العظیم الذی أوجده الإیمان بالمعاد للمنع من ارتکاب أی نوع من المعصیة، وهذا الأمر لا یختص بالزمان الماضی، فالیوم کالأمس أیضاً.

لهذا ذُکِر فی البحوث المتعلّقة بالدوافع نحو التمایل إلى المادیّة وإنکار المبدأ والمعاد، أنّ إحدى تلک الدوافع هو الهروب من عِبءِ المسؤولیات وتجاوز السنن الإلهیّة وخداع الوجدان الإنسانی.

والمراد من «الإنسان» فی هذه الآیة هو نفس ذلک الإنسان الذی جاء الحدیث عنه فی بدایة سورة الدهر، ذلک الإنسان الذی انکر القیامة، وکان یظن بانّ الله لا یقدر على جمع العظام الرمیم واحیائها مرةً أخرى، والفرق هنا ـ کما ورد فی تفسیر «المیزان» ـ عـدم استخدام الضمیر واستبداله بالاسم الظاهر (کلمة الإنسان)، وهذا فی الواقع هو من أحد أشکال اللوم والتحقیر وکأنّه قال: کیف لمن حصل على مقام الإنسانیة أن یسلک هذا الطریق الخاطیء(2).

أمّا استعمال صیغة المضارع فی (یُریدُ ـ یفجُرَ) التی تستعمل عادة للدلالة على الاستمراریة، فقد جاء هنا للدلالة على هذه الحقیقة وهی أنّ الإنسان انانیٌّ ویحبّ الذات على الدوام ویرید الاستمرار على المضیّ فی فجوره.

و «فجور»: من مادة «فجر» بمعنى تمزُّق الشیء بشدّة، وبما أنّ الذنب یسبب خرق حُجب التدیّن لذا استخدمت هذه الکلمة فی هذا المورد(3).

وأمّا کلمة «أمام» (على وزن مقام) فهی فی الأصل بمعنى الجهة الإمامیة وهی تقابل «الخلف» وبتعبیر آخر إنّ «أمام» بمعنى ما یقابل وجه الإنسان، وبما أنّ الجهة المقابلة لوجه الإنسان ذات أهمیّة بالغة بالنسبة له، لذا استخدمت هذه الکلمة هنا (لأنّ مادة «أمّ» بمعنى «قصدَ»).

لکنّه من الواضح أنّ استخدام هذا التعبیر هنا هو من أجل الدلالة على مستقبل العمر، وهی ظرف مکان ـ على حدّ تعبیر بعض المفسرین ـ وقد استخدمت للدلالة على ظرف الزمان من باب الکنایة(4)، والمراد هنا فی الحقیقة هو أنّ الإنسان المتصف ذاتاً بحبّ الذات، یتّخذ من إنکار المعاد ذریعة لکسب الحریة فی ارتکاب الذنوب خلال فترة حیاته.

أمّا ما احتمله البعض أنّ «أمام» للدلالة على القیامة فإنّه بعید جدّاً; وذلک لأنّها لا تتلاءم مع مادة الفجور، بالإضافة إلى أنّ هذا المعنى یقطع صلة الترابط الموجود بین الآیات.


1. تفسیر الکبیر، ج 32، ص 111; وتفسیر روح البیان، ج 10، ص 522.
2. تفسیر المیزان، ج 20، ص 190.
3. مفردات الراغب مادة (فجر).
4. تفسیر روح البیان، ج 10، ص 245، وقد أخذ أیضاً بهذا المعنى صاحب المیزان، ج 20، ص 190.

 

إنکار المعاد هو السبب الرئیسی لاقتحام الفجورالإیمان بالمعاد وعلاقته بالرؤیة الواقعیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma