الطریقة الاُخرى التی اتبعها القرآن فی إثبات إمکان المعاد بالاستفادة من آیات متعددة هی طریقة التغییرات التی تطرأ على «النطفة» مند استقرارها فی عالم «الرحم» العجیب والغامض حتى مرحلة الولادة، وکل مرحلة من هذه المراحل فی الحقیقة هی حیاة جدیدة ونموذج من نماذج المعاد! فالمراحل الکیفیة لهذه التطورات کثیرة جدّاً، ممّا تثیرُ مطالعتها ومشاهدتها تعجّبَ الإنسان وتجعله یغرق فی التمعّن فی کیفیة هذا التحول العجیب الذی یطرأ على النطفة الحقیرة فی هذه المدّة الوجیزة.
من هنا تعتبر هذه التحولات العجیبة التی لا تتوقف فی أی وقت دلیلا على وجود باری هذا العالم القادر، الذی أوجد جمیع هذه العجائب فی ظلمات الرحم الثالث، ومن ناحیة اُخرى فإنّ هذه التحولات لها شَبَهٌ کبیر بمسألة الحیاة بعد الموت، والقرآن المجید فی کلا الأمرین (التوحید والمعاد) یعتمد على هذه الآیات والدلالات، وحقاً إنّ مثل هذه الظاهرة تستحق أن یُعتمدَ علیها بهذا الشکل.
بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن المجید ونمعن خاشعین فی الآیات التی وردت فی هذا المجال:
1 ـ (یَا اَیٌّهَا النَّاسُ إِنْ کُنتُمْ فِی رَیب مِّنَ البَعْثِ فَاِنَّا خَلَقنَاکُمْ مِّن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ مِن عَلَقَة ثُمَّ مِن مُّضغَة مُّخَلَّقَة وَغَیْرِ مُخلَّقَة لِّنُبَیِّنَ لَکُمْ وَنُقِرٌّ فِی الاَْرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى اَجَل مُّسَمّىً ثُمَّ نُخرِجُکُمْ طِفْلا... * ذَلِکَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقٌّ وَاَنَّهُ یُحىِ المَوْتى وَأَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَىْء قَدِیرٌ). (الحج / 5 ـ 6)
2 ـ (اَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىّ یُمْنَى * ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنهُ الزَّوجَینِ الذَّکَرَ وَالاُنثَى * اَلَیسَ ذَلِکَ بِقَادِر عَلى اَنْ یُحْیِىَ الْمَوْتَى). (القیامة / 37 ـ 40)
3 ـ (وَاَنَّهُ خَلَقَ الزَّوجَیْنِ الذَّکَرَ وَالاُْنثَى * مِن نُّطْفَة إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَیهِ النَّشْأَةَ الاُخْرَى). (النجم / 45 ـ 47)
4 ـ (قُتِلَ الاِْنسَانُ مَا اَکفَرَهُ * مِنْ أَىِّ شَىْء خَلَقَهُ * مِن نُُّطفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَاَقبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ اَنْشَرَهُ). (عبس / 17 ـ 22)
5 ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِّن طِین * ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً فِی قَرَار مَّکِین * ثُمَّ خَلَقْنَا النٌّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَکَسَونَا العِظَامَ لَحمَاً ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلقَاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللهُ اَحْسَنُ الخَالِقِینَ * ثُمَّ إِنَّکُمْ بَعدَ ذَلِکَ لَمَیِّتونَ * ثُمَّ إِنَّکُم یَوْمَ الْقِیَامَةِ تُبعَثُونَ). (المؤمنون / 12 ـ 16)
