هل رأیتم کیف تحیى الأرضُ المیتةُ؟ فهکذا النشور!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
إشارةتمهید

لقد اهتم القرآن الکریم فی الآیة الاُولى من هذا البحث بشرحِ جذورِ الحیاةِ الرئیسیةِ أیْ قطراتِ المطـر، قـال تعـالى: (وَنَـزَّلْنَا مِـنَ السَّمَـاءِ مَاءً مَّبَارَکاً فَاَنْبَتْنَـا بِهِ جَنَّـات وَحَبَّ الـحَصِیدِ).

أشار القرآن الکریم بهذه الآیة إلى جمیع بساتین الفواکه ومزارع الغلاّت والبقول(1).

ثم أشارَ إلى النخیل الباسقات التی تحمل ثمراً کثیراً وهذا النوع من النخیل یعتبر من أرقى واکمل أنواع النخیل، فأضاف تعالى: (وَالنَّخْلَ بَاسِقات لَهَا طَلْعٌ نَّضِیدٌ)(2).

والجدیر بالذکر أنّه ذکر النخیل الباسقات من جهة أنّها خُلقتْ ونشأتْ من تلک الأرض المیتة، وتلک البذور الصغیرة التی نمت وأصبحت بهذه الهیئة العجیبة.

ومن ناحیة اُخرى أشار إلى ثمارها المتراصة التی تحملها فی ارتفاع شاهق، تلک الثمار اللذیذة المغذیة «الحیویة»، تحتوی على أنواع من المواد الضروریة التی یحتاج إلیها جسم الإنسان(3).

وأخیراً نصل إلى هذه النتیجة وهی:، إنّ الهدف من هذا أنّ الله سبحانه یهب (رزقاً للعباد)، (وَأَحْیَیْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّیِتاً)(4) (کذلک الخروج).

إنّ هذه الآیة تکشف عن حقیقة وهی أنَّ خروج الإنسان یوم القیامة تابع لتلک القوانین المهیمنة على النباتات والبذور والأشجار بفواکهها المتنوعة، ذلک الأمر الذی نشاهده کل عام بأعیننا، ولکن بما أننا اعتدنا على ذلک فإننا نعتبره أمراً عادیاً، وبما أننا لم نشاهد عودة البشر إلى الحیاة بأعیننا فإنّ البعض یعتقد بأنّ ذلک امر غیر معقول وأحیاناً یعتقد بأنّه من المحالات، مع أنّ النظام المهیمن على الأمرین واحد.

وفی الآیة الثانیة طُرحت نفس المسألة ولکنْ بتعبیر آخر، قال تعالى: (یُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَیُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الحَىِّ).

إنّ الفاصلة الزمانیة التی ترونها بین الحیاة والموت لا تکون امراً یُعتنى به بالنسبة للذات المقدّسة الإلهیّة، فهـو علـى الدوام یُخرجُ الحىَّ مـن المیّت وبالعکس، (یجب الانتباه إلى أن «یخرج» فعل مضارع وهو یدل على الاستمراریة، أی أنّ هذا العمل مستمر ودائم) على هذا فإنّ منظر نهایة هذا العالم الذی هو عبارة عن خروج الموت من باطن الحیاة، وکذلک منظر المعاد الذی هو عبارة عن خروج الحیاة من باطن الموت امرٌ مستمر ویتکرر وقوعُه أمام أعیننا دائماً ولو على مستوىً محدود، فما المانع من أن تموت جمیع الموجودات الحیّة مرّةً واحدة ویُعاد البشر إلى حیاة جدیدة فی یوم الحشر؟ أیْ أنْ یتحقّقَ قانونُ تبدیل الموت بالحیاة والحیاة بالموت بصورة أوسع وأشمل ممّا علیه حالیاً.

وأمّا بالنسبة لعروض الموت على الحیاة فإنّه أمرٌ بدیهی وواضح لدى الجمیع، ولکن بما أنّ عروض الحیاة بعد الموت یخفى على البعض ویحتاج إلى شیء من التـأمل فقد قال تـعالى فی ذیل الآیة: (وَیُحْىِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوتِهَا وَکَذلِکَ تُخْرَجُونَ).

وجملة «کذلک تُخرجون» تشیر بوضوح إلى هذه الحقیقة وهی أنّه لا یوجد هناک ایّ تفاوت بین القیامة الصغیرة التی تحدث فی عالم النباتات والأرض المیتة وبین تلک القیامة الکبرى الشاملة.

وبمجرّد أن یتأمل الإنسان قلیلا فی هذا الموضوع فإنّه سوف تزول عنه کل ظنونه الخاطئة والوساوس الشیطانیة التی تنتابه فی أمر المعاد.

إنّ فی کل لحظة تمرُّ على هذا العالم الوسیع تنفلق فیها الآلافُ المؤلفة من البذور وتخرج منها براعم جدیدة للحیاة، وفی کل لحظة تبدأ أرض واسعةٌ بالحیاة بعد أن کانت میتة، إنّها سُنّة الله السرمدیة والتی تُوحی بها الآیة الثالثة وبعد بیان کیفیة تکوّن الأمطار بعد تسییر الریاح وتراکم الغمام على بعضها، قال تعالى: (فَانْظُرْ اِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ کَیْفَ یُحىِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوتِهَا)، (إِنَّ ذَلِکَ لَُمحىِ الْمَوتَى)، نعم إنّه: (عَلَى کُلِّ شَىء قَدِیرٌ).

و«آثار»: جمع «أَثَر»، قال فی «مقاییس اللغة»: إن الأَثَرَ له ثلاثةُ معان، الشی الذی له سابق، والذکر الباقی بعد الموت، وما بقی من رسم الشی، لکن بعض علماء اللغة حَصَروا معنى الأثر فی المعنى الثالث، وذلک لأنّ المعنیین الأولین ناتجان عن الآثار الباقیة من أجل الفضیلة وعوامل علوّ الشأن.

والمراد من «رحمة الله» هنا هو المطر الواهب للحیاة الذی یعتبر نموذجاً حیاً وبیِّناً للرحمة الإلهیّة التی تتجلّى آثارها فی کل مکان، فهو یحیی الأرض المیتة ویفیض بالحیاة على القلوب المیّتة ویهب النشاط والحیاة للهواء الملوّث المیِّت وأخیراً یجود بنور الحیاة على جسم الإنسان.

واستعمال کلمة «ذلک» فی الآیة للإشارة إلى الله تعالى فی حین أنّه یستعمل للإشارة إلى البعید للدلالة على عظمة مقامه وعلى أنّه لا تدرکه العقول والأبصار.

والإِتیانُ بـ «أنّ» التی تفید التوکید و«اللام» فی «لَمُحیی» الذی یفید التوکید أیضاً بالإضافة إلى «الجملة الإسمیة» التی تفید التوکید کذلک، کل هذا من أجل إثبات حقیقة إنّ الذی یحیی الأرض المیتة عن طریق إنزال مطرِ رحمتِهِ باستمرار بإمکانه أن یُحییَ أمواتَ البشر وبعیدَ لهم الحیاة من جدید.

واستعمال کلمة «انظر» تجلب الانتباه من جهة أنّها تشیر إلى أنّ مسألة المعاد أمرٌ حسیّ مشاهد، ظاهرٌ للعیان دائماً، فکیف تُنکرون ذلک أو تتخذونه سخریّاً؟!

وفی الآیة الرابعة بعد أنْ ذکر المراحل التکاملیة للنطفة فی الرحم وبعد ذِکْرِ تطوراتِ الجنین بانّها دلیل واضح على مسألة إمکان المعاد، ینتقل إلى الحدیث عن بذورِ النباتات التی تنمو فی أعماق الأرض، قال تعالى: (وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً)(5).

(فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَیْهَا الَماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ کُلّ زَوج بَهِیج).

إنّ القرآن المجید کتاب عجیب حقاً، فإنّه عندما یرید أن یؤکّد على احدى الحقائق ویرسخها فی الأذهان ویکرر ذکرها یصورها بألوان مختلفة، فیشعر الإنسان عند سماع تلک الحقیقة کأنّه یواجِهُ حقیقةً غیرَ التی سمعها سابقاً ویجد نفسه أمام صورة جدیدة من صور تلک الحقیقة، فلا یصبح تکرارها مملاًّ أو غیر نافع له، فالإنسان یتلقّى دروساً جدیدة باستمرار، ونحن نشاهد فی مسألة احیاء الأرض المیتة فی الآیات المعنیّة بالبحث نموذجاً لذلک.

ومن الجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم فی هذه الآیة التی عطفها على مسألة التطورات الجنینیة یؤکد على أنّ حیاة الإنسان والحیوان والنبات تقع جمیعها تحت مقولة واحدة، وکل نموذج نراه ونلمسه فی هذه الثلاثة، یکون دلیلا على إمکان المعاد لغیرها من المخلوقات، فالتعبیرُ بـ«ترى» کالتعبیر بـ«اُنظر» فی الآیة السابقة وکلاهما للتأکیدِ على أنّ قیامة النباتات أمرٌ محسوس ومشاهد.

و«اهتزّت»: من مادة «اهتزاز» المشتقّة من «هزّ» بمعنى الحرکة الشدیدة، وفسّرها البعض بمعنى الحرکة الجمیلة الجذّابة، وقد جاءت هنا للدّلالِة على التغیرات الجمیلة والحرکات المختلفة التی تحصل بفعل نمو أنواع النباتات التی تظهر على سطح التربة.

و«رَبَتْ»: من مادة «ربوّ» وجاءت هنا بمعنى نموّ الأرض لا نمو النباتات، والمراد من نمو الأرض هنا هو بروز اجزاء من التربة بفعل خروج النباتات وتوغّل الجذور وظهور سیقان النباتات، أمّا الذین فسّروا هذه الجملة بأنّها تدلّ على نموّ النباتات فإنّهم فی الحقیقة غفلوا عن مفاد الجملة المتأخرة عنها، لأنّه تعالى یقول: (وَأَنْبَتَتْ مِنْ کُلّ زَوج بَهِیج).

وتحمل الآیة الخامسة فی طیّاتها نفس محتویات الآیة السابقة ولکنّها تختلف عنها بعدّة أمور: أولا أنّها اعتبرت احیاء الأرض المیتة دلیلا على أصل التوحید بالإضافة إلى دلالتها على المعاد، قال تعالى: (وَمِنْ آیَاتِهِ أَنَّکَ تَرَى الاَْرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)، (إِنَّ الَّذِى أَحیَاهَا لُمحْىِ الْمَوتَى إِنَّهُ عَلَى کُلِّ شىء قَدِیرٌ).

وثانیاً عبّرت عن الأرض المیتة ب «الخاشعة»، قال فی «المیزان» هی الأرض القاحلة، وقد شبّهها هنا بالفقیر الذلیل المسکین الذی لا یمتلک شیئاً، ثم شبّهها بعد نزول المطر بالذی أُوتیَ مالا کثیراً ولبس أفضل الثیاب، حیثُ یمشی بنشاط مرتفعَ الرأس مستقیماً تبدو آثار النعمة على وجهه(6).

وهناک أمرٌ آخر یمکن أن نستخلصه من هذا التعبیر وهو درس من دروس الأخلاق، فکما أنّ الأرض الخاشعة الخاضعة تشملها رحمةُ الله فتحصل على کل آثار البرکات والنمو والنشاط، فإنّ عباد الله الخاشعین والخاضعین تنالهم رحمة الله الواسعة أیضاً، وتنمو فی نفوسهم براعم العلم والإیمان والتقوى.

و وردت هذه المسألة فی الآیة السادسة بتعبیر جدید من خلال بیان کیفیة نزول المطرِ، قال تعالى: (وَ اللهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّیَاحَ فَتُثِیرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَّیِّت فَاَحْیَینَا بِهِ الاْرضَ بَعْدَ مَوتِهَا)، (کَذَلِکَ النُّشُورُ).

وهذِهِ الآیة فی الحقیقة من أدلة إثبات المُبدئ تعالى أیضاً، أی إثبات الذات الإلهیّة المقدّسة، وفی نفس الوقت تستعمل دلیلا على المعاد، فهو یشیر فی البدایة إلى الآیات والبراهین الدالة على وجوده تعالى عن طریق بیان النظام الدقیق المهیمن على حرکة الریاح والسحاب وسقی الأرض المیتة وإحیائها، وأخیراً یشیر إلى دلیل حیّ وعمیق المعنى لإثبات المعاد.

وجملةُ «کذلک النشور» بالإضافة إلى أنّها تشبّه إحیاء الإنسان بإحیاء الأرض المیّتة، إلاّ أنّها من الممکن أن تکون دلیلا على سوق الأرواح إلى الأبدان فی یوم القیامة ویساق التراب المنتشر فیُجمع وتحلّ فیه الروح، کما هو الحال فی سوق الریاح للسُحُبِ وجمعها إلى بعضها کی تتلاقح وتهطل ثمارها التی هی عبارة عن قطرات المطر.

وفی الحدیث الشریف أنّ أحد أصحاب رسول الله(صلى الله علیه وآله) سأله قائلا: کیف یحیی اللهُ الموتى وما آیةُ ذلک فی خلقه؟ فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله): «أمَا مَرَرْتَ بوادِیْ أهلِکَ مُمْحِلا ثمَّ مَرَرْتَ بهِ یهتزُّ خَضِراً؟»(7) فقال الصحابی: بلى یارسول الله: فقال(صلى الله علیه وآله): «فکذلک یُحیی اللهُ الموتى وتلک آیتُهُ فی خلقه»(8).

وفی الآیة السابعة والأخیرة تحدّث سبحانه أیضاً عن إرسال الریاح واعتبرها تُبشِّر عن نزول مطر رحمته، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِى یُرسِلُ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَد مَیِّت فَاَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ)(9).

وبعد ذلک مباشرةً قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ کُلِّ الـثَّمَرَاتِ کَذَلِکَ نُخْرِجُ الْمَوتَى لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرون).

وجملةُ «لعلّکم تذکّرون» جاءت للدلالة على أنّ الله یریکم هذه المشاهد فی هذه الدنیا کی یثبت لکم وجوده تعالى من ناحیة، ومن ناحیة اُخرى یُثبتَ لکم أنّ هناک معاداً وقیامة فی العالم الآخر.

والعجیب ما جاء فی الحدیث المنقول عن رسول الله(صلى الله علیه وآله)، حیث قال: «ثمَّ یُرسلُ اللهُ مَطَراً کأنّهُ الطَّلٌّ فتنبُتُ مِنهُ أجسادُ الناس، ثم یُقال: یا أیٌّها الناسُ هَلُمُّوا إلى ربِّکُمْ، وقفوهُم إنّهم مسئولون»(10).

ویُستفاد من أقوال بعض المفّسرین إنّ ذلک المطر لیس کالمطر المعتـاد، بل له شبه بماء النطفة التی یتکوّنُ الإنسان منها! ویستمرّ هطول هذا المطر مدّة أربعین یوماً، فیؤثّر فی أجزاء الإنسان المیّتة بشکل عجیب وینفخُ فیها الروح.

جواب عن سؤال:

أَعطى القرآن المجید فی الآیات المذکورة آنفاً جواباً قاطعاً لمنکری المعاد وذلک عن طریق مثال حسیّ واضح، وجعل «الشاهد» دلیلا على «الغائب» و«الیوم» دلیلا على «الغد».

وذلک لأنّ الأرض المیّتة تحیى فی کل عام مرّة أو مرّتین أو أکثر بفعل هطول مطر الرحمة الإلهیّة، بل یمکن القول بأنّ هذا الأمر یتکرر وقوعه فی کلّ یوم فی العالم، فینبت فی کل یوم نبتٌ جدید فی الأرض المیتة، وتظهر فی کل یوم ظاهرة المعاد أمام نظر الإنسان.

ومن هنا یُطرح هذا السؤال: إنّ العلماء المعاصرین اتفقوا على أنّ جمیع التجارب أعطت نتیجة واحدة هی أنّ الموجودات الحیّة لا تولد إلاّ من موجودات حیة اُخرى، فإن لم توجدْ فی الأرض بذور نباتیة فسوف لن یکون نزول المطر مؤثراً أبداً.

ومن ناحیة اُخرى، إنّ البذور تتکوّن من قسمین، وأحد هذین القسمین والذی یعتبر القسم الأکبر من البذرة یشکّل المادّة الغذائیة فیها، والقسم الآخر أی القسم الأصغر من البذرة عبارة عن خلیّة حیّة، وهذه الخلیة إذا توفرت لها الظروف المساعدة (على الأخص الماء) فإنّها سوف تنمو وتترعرع بواسطة التغذّی على المادة الغذائیة الموجودة فی البذرة والموادّ الموجودة فی التربة، فإذا ماعُدمت هذه الخلیة الحیة فإنّه من المستحیل أن تحیى الأرضُ المیّتة.

وجوابنا عن ذلک هو: إنّ هذا ممّا لا شکّ فیه، وهو کما تقولون وإنّ تلک الخلیّة الحیّة الصغیرة تتغذى على الأجزاء المیّتة التی تمتصها من التربة وتحولها إلى جسم حیّ وموجود حیّ (فتأمل).

وبتعبیر آخر: إنّ النخلة التی یصل وزنها أحیاناً إلى طن واحد کانت فی البدایة خلیّة صغیرة تأخذ مکانها فی النواة، ووزنها لا یتعدّى الملیغرام الواحد، ثم بعد ذلک امتصّت ما یقارب الطنّ الواحد من الموادّ المیّتة الموجودة فی التربة والماء والهواء التی تعتبر جمیعها موجودات غیر حیّة، فأعطت الحیاة لجمیع هذه الموجودات، وهذا فی الواقع هو معنى تبدیل الأرض المیّتة إلى موجودات حیّة.

والجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم یقول: تُحیى الأرض المیّتة (ولا یقول تُحیى الأشجار والبذور المیّتة، لأنّ هذه لم تمُت بالکامل) أی أنّ هذه الأرض المیّتة أصبحت جزءاً من بدن النباتات والشجر ثم تبدّلت إلى خلایا حیّة.

ومن البدیهی إنّنا لو امعَنّا النظر فی ظهور الحیاة على الکرة الأرضیة لصار الأمر أکثر وضوحاً، لأنّ الأرض بعد انفصالها عن الشمس کانت کتلة من النار ولم یوجد أىّ موجود حی فی ذلک الحین طبعاً، ولکن بعد أن بردت الأرض وأصبحت مستعدة لاستقبال الموجودات الحیّة وهطلت الأمطار بغزارة علیها فبردت الأرض بفعل هطول المطر أکثر وأعدّها ذلک المطر لاستقبال الحیاة فظهرتْ آنذاک أول براعم الحیاة النباتیة التی لم یکتشف لحدّ الآن سرّ ظهورها، وبقی هذا السرّ مخفیاً عن العلماء وکأنّ ظهورها من تلک الموادّ المیّتة التی تحتوی علیها التربة، وبهذا النحوِ غمرت الحیاة تلک الموجودات المیّتة (فتأمل جیّداً).


1. یـجب الالتفات إلى أنّ الـمراد من «حب الحصید» الحبوب القـابلة للحصد (و«حصید» بمعنى «محصود»).
2. «باسقات» جمع «باسق» أی المرتفع.
3. «الطلع» هو اسم ثمار النخیل فی بدء ظهورها، و«نضید» بمعنى متراکم، ومن الغرائب هو أنّ الأشجار نادراً ما تحتوی على فواکه عنقودیة الشکل والأکثر غرابه من ذلک أنّ عناقید ثمار النخیل ثقیلة.
4. جاء هنا بالصفة «میتاً» بصیغة المذکر مع أنّ الموصوف «بلدة» مؤنث والسر فی ذلک هو أن «بلدة» هنا جاءت بمعنى المکان.
5. «هامدة» من مادة «همود» قال الراغب فی المفردات: الهمود فی الأصل بمعنى انطفاء النار (وذهاب حرارتها ونورها)، لکنّ عدداً من أصحاب اللغة والمفسرین ذکروا لها معانی اُخرى أیضاً، ومن جملة معانیها: الجفاف، والسکوت، والموت، وصیرورة الشی بالیاً عتیقاً، وهذه المعانی جمیعها یمکن أن تنطبق على هذه الآیة، فالأرض تموت وتخمد وتطفأ فی فصل الشتاء، بینما تدبّ الروح فیها وتأخذ بالحرکة فی فصل الربیع وکأنّها تصرخ!
6. تفسیر المیزان، ج 17، ص 419.
7. «ممحل» من مادة «مَحل» على وزن «نخل» ویعنی سَنة الجفاف وانقطاع الأمطار، وموت النباتات، مجمع البحرین، مادة (محل).
8. تفسیر القرطبی وتفسیر روح البیان فی ذیل الآیة مورد البحث.
9. یجب الانتباه إلى أنّ «سحاب» تفید الجمع من جهة المفهوم لذلک جاءت الصفة «ثقال» بصیغة الجمع ، لکنّها من جهة اللفظ مفردة لذلک جاء الضمیر فی «سقناه» مفرداً.
10. تفسیر القرطبی، ج 4، ص 2667.

 

 

إشارةتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma