العدالة لا تتحقق بدون القیامة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهیدالعدل هو النظام الحاکم على الخلق

قال تعالى فی الآیة الاُولى بعد أن أشار إلى ثواب المتقین العظیم فی سورة القلم: (اَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمیْنَ کَالُْمجْرِمِیْنَ).

فهل من الصحیح المساواة بین هذین الفریقین؟ وهل تقتضیى العدالة ذلک؟ ثم أضاف وقال: (مَالَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ).

لا یمکن للعاقل القبول بأنّ عاقبة المسلم والمجرم، والمطیع والعاصی، والعادل والظالم تکون واحدة، أو أن ینسب هذا الأمر إلى الله الذی راعى الدقة والعدالة فی جمیع افعاله.

وهناک احتمالان للمفسّرین فی تفسیر هذه الآیة:

الاحتمال الأول: إنّ هذه الآیة تشیر إلى مسألة المعاد، لأننا نرى المسلم والمجرم متساویین غالباً فی هذه الدنیا، بل قد یحصل المجرم على امتیازات لا مشروعة فی هذه الدنیا أکثر ممّا یحصل علیه المسلم، إذن یجب أن یتفوق «المسلم» على «المجرم» فی الآخرة، لأنّها من مقتضیات العدالة.

الاحتمال الثانی: إنّ هذه الآیة أتت جواباً لقوم مشرکین کانوا یقولون: لو کانت هناک قیامة فإنّنا سوف نتمتع بظروف حسنة کما نحن علیه فی هذه الدنیا کما یقال: (السَنَة الجیدة تعرف من ربیعِها) فأجابهم القرآن: هل من الممکن أن یساوی الله العادل بین المسلمین والمجرمین؟

ولا یوجد هناک منافاة بین هذین التفسیرین على الظاهر، بل یمکن حمل مفهوم الآیة کلا المعنیین، وتبقى هناک ملاحظة وهی أنّ هذه الآیة الشریفة تثبت حکم العقل بالحسن والقبح والإدراکات العقلیة الاُخرى بقطع النظر عن تأیید الشرع لذلک، (فتأمل).

والملفت للنظر أنّ الفخر الرازی فی بدایة حدیثه عدّ هذه الآیة من أدلة ما نقل عن مذاهب أهل السنّة أنّه یجوز لله أن یُدخل العاصین الجنّة وأن یُدخل المطیعین النار، «الحسن والقبح العقلیین» قال: ویقبح بحکم العقل طبقاً للآیة ولکن بما أنّ الرازی من الأشاعرة ومن منکری الحسن والقبح العقلیین فقد أجاب: إنّ إنکار هذه المساواة من باب الفضل والاحسان الإلهی لا من باب أنّ لأحد حقّاً علیه تعالى(1).

إنّ ضعـف هذا الرأی لایحتاج إلى دلیل فقد أمرهم القرآن بصراحة بأن یُحکِّموا العقل فی هذه الموارد ثم خاطبهم بخطاب مقرون باللوم والتوبیخ فی قوله: (مَالَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ

أی أنّ هذا الرأی لا یلیق بالإنسان العادل، وهذا دلیل واضح على إثبات حاکمیة العقل والمنطق فی مثل هذه الاُمور.

وفی الآیة الثانیة تابع القرآن الکریم هذا المعنى بصراحة أکثر وبصورة أوسع، قال تعالى: (اَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِیْنَ کَالْفُجَّارِ).

والملاحظة النظریة هنا هو أنّ الآیة السابقة لهذه الآیة وضّحت الهدف من خلق السماء والأرض وم بینهم فی قوله تعالى: (وَمَ خَلَقْنَ السَّمَاءَ وَالاَرْضَ وَمَ بَیْنَهُمَ بَاطِلا). (ص/27)

إنّ خلق السماء والأرض بالحق من ناحیة وعدم المساواة بین المؤمنین الصالحین والمفسدین الفجّار من ناحیة اُخرى یقتضی أن تکون هناک قیامة ومحکمة عادلة، وبهذا اندمج «برهان الحکمة» وبرهان العدالة فی هاتین الآیتین.

أجل إنّ مـن ینکر المعاد هو الذی یشک فی حکمة الله وعدالته معاً، لأنّه لا یبقى فی هذه الحالة هدف یلیق بخلق الدنیا ولا یبقى هناک ما یمیز المطیعین من الفاسقین.

ومن الجدیر بالذکر هو أنّ «المفسدین» فی هذه الآیة یقابلهم «المؤمنون الصالحون» وإن «الفجار» یقابلهم «المتّقون» وهذه المقابلة إشارة لطیفة إلى هذه الحقیقة وهی أنّ الإنسان إذا فقد الإیمان والعمل الصالح فإنّه سوف یکون فی زمرة المفسدین شاء ذلک أم أبى، وإذا ما فقد التقوى أی القوة الرادعة عن ارتکاب الذنوب فسیقع فی زمرة الفجار.

و«الفجّار»: من مادة «فجر» بمعنى الشق الوسیع، وکأنّ الفجور شق لحجاب الدین والطاعة.

وقد تحدثت هذه الآیة بوضوح عن حاکمیة العقل وحجیّة الإدراکات العقلیة فی مجال الحسن والقبح، وهی دلیل واضح لإثبات أنّ العقل یدرک بعض الحسن وبعض القبح قبل أن یصل إلیه حکم الشرع، والعجیب هو أنّ الفخر الرازی ـ فی هذه الآیة ـ سلم بهذا الأمر ضمنیاً، بینما أنکره فی الآیة السابقة!(2).

وهذا یعنی أنّ الإنسان إذا راجع وجدانه فسوف ترتقع عنه حجب التعصب ویعترف فی قرارة نفسه بهذا الواقع.

وفی الآیة الثالثة ورد نفس هذا المعنى ولکن فی قالب آخر، قال تعالى: (اَمْ حَسِبَ الَّذِیْنَ اجْتَرَحُوا السَّیّئَاتِ اَنْ نَّجْعَلَهُمْ کَالَّذِیْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْیْاهُمْ وَمَماتُهُمْ).

إنّ هذا لا یمت إلى عدالة الله بصلة، وصدور أمر کهذا عنه قبیح وهو محال: (سَاءَ مَا یَحْکُموُنَ)، فهل یمکن أن یتساوى الحسن والقبح أو الطهارة والرجس أو الصالح والطالح أو المؤمن والفاسق أو الظلمات والنور... إنّ هذا لأمر محال.

أمّا فی ما هو المراد من (سواء محیاهم مماتهم)؟ فقد احتمل المفسرون فی تفسیرها عدّة احتمالات!

فقالوا تارة: إنّ المراد من الحیاة والموت فی هذه الآیة هو الحیاة والموت فی دار الدنیا، وذلک لأنّ الإیمان والعمل الصالح له آثار إیجابیة على کیان الإنسان فهو ینیر القلب وینیر الفکر مضافاً إلى أنّ المؤمن ینال هدایة الله ونصره وحمایته، بینما لا یکون الأمر کذلک فی حالة الکفر والعصیان، فإنّ الکفر یخیم بظلامه على القلب والروح ویحرم الإنسان من المدد الإلهی.

وقالوا تارةً اُخرى: إنّ هذه الآیة تشیر إلى الموت فی هذه الدنیا للانتقال إلى الآخرة، أی ان الفریق الأول یعتبر مصداقاً لهذه الآیة: (اَلَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلاَئِکَةُ طَیِّبِیْنَ یَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَیْکُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ). (النحل / 32)

بینما یعتبر المذنبون مصداقاً لهذه الآیة: (فَکَیْفَ اِذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلاَئِکَةُ یَضْرِبُونَ وَجُوْهَهُمْ وَاَدْبَارَهُمْ). (محمد / 27)

وهناک احتمالات اُخرى لا تستحق الذکر فی تفسیر هذه الآیة، لکن الجمع بین التفسیرین المذکورین سهل، وإن کانت الآیة التالیة لها تتناسب مع التفسیر الثانی، لأنّه تعالى قال: (وَخَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالاَرْضَ بِالْحَقِّ). (وَلِتُجْزَى کُلُّ نَفْس بِمَا کَسبَتْ وَهُمْ لاَیُظْلَمُونَ)(3).

وبما أنّ الحدیث عن العدالة الإلهیّة وحقانیة خلق السموات والأرض وعن ثواب وعقاب کل إنسان على قدر عمله من ناحیة، ومن ناحیة اُخرى ـ وکما قلنا سابقاً ـ إنّ هذا الأمر لا یتمّ فی الدنیا بصورة شاملة، إذن یجب أن تکون هناک حیاة اُخرى بعد الموت لإقامة العدالة وإحقاق الحق.


1. تفسیر الکبیر، ج 30، ص 92.
2. التفسیر الکبیر، ج 26، ص 201.
3. قال الزمخشری فی تفسیر الکشاف، ج 4، ص 290»: جملة «ولتجزى» معطوفه على قوله «بالحق»، لأنّها تحمل معنى التعلیل (بناءً على هذا یکون مفهوم الآیة بهذا النحو: خلق الله السموات والأرض لیحق الحق ولتجزى...) ثم قال ویحتمل أن تکون معطوفة على جملة محذوفة فیکون التقدیر: خلق الله السموات والأرض بالحق لیدل بها على قدرته وتجزى کل نفس.

 

تمهیدالعدل هو النظام الحاکم على الخلق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma