إنّه على کل شیء قدیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهیدثمرة البحث

فی الآیة الاُولى یقیس الله تعالى إحیاء الموتى بخلق السموات والأرض، قال تـعالى: (لَخَـلْقُ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَکِنَّ اَکْثَرَ النَّاسِ لاَیَعْلَمُونَ).

فحتماً یکون قادراً على إعادة الإنسان الذی خلقه أولا، فهذا برهان جلی فی إفادة هذا الأمر.

قال الفخر الرازی فی تفسیره لهذه الآیة: وکان من حقهم أن یقروا بأنّهُ القادر على خلق السماواتِ والأرض... فقد ظهر بهذا المثال أنّ هؤلاء الکفار یجادلون فی آیات الله بغیر سلطان ولا حجّة، بل بمجرد الحسد والجهل والکبر والتعصب(1).

وصَرّح آخرون مثل «الطبرسی» فی مجمع البیان و«القرطبی» و«روح البیان» بأنّ هذه الآیة خوطب بها منکرو المعاد وهی تقول: من قدر على خلق السماوات والأرض واختراعهما مع عظمهما وکثرة أجزائهما یقدر على إعادة خلق البشر(2).

والإتیان بجملة: (وَلَکِنَّ اَکْثَرَ النَّاسِ لاَیَعْلَمُونَ) کما قال کثیر من المفسّرین: لیس بمعنى أنّهم فی الواقع لا یعلمون بأنّ «خلق السماواتِ بتلک الدقّة والعظمة أرقى من اعادة خلق الإنسان»، بل قد نُزِّلوا منزلة الجاهل فی هذه الاُمور لأنّهم غفلوا عنها ولم یفکّروا ویُمْعِنوا فیها وذلک لتعصبهم واتباعهم الهـوى فضلوا فی أمر المعاد(3).

والعجیب هنا هو أنّ فی تلک العصور لم تکتشف بعدُ عظمة السماواتِ کما هو الحال فی عصرنا الحاضر، والقلیل من الناس کان له اطلاع آنذاک على الأسرار العظیمة التی کُشفت عن طریق التقدم العلمی فی العصور الحدیثة، وکانوا لا یعلمون منها إلاّ ظاهرها، لکنّ القرآن الکریم المترشح من علم الله اللامحدود رفع الحجاب عن تلک الأسرار.

وهنـاک ملاحظة هی: أنّ اللام فی «لخلق» هی «لام الابتداء» ظاهراً وقد جاءت هنا للتأکید.

وفی الآیة الثانیة وبعد أن نقل کلام المنکرین الذین انکروا إعادة خلق الإنسان بعد استحالة عظامه وصیرورتها تراباً، قال تعالى: (أَوَلَمْ یَرَوا اَنَّ اللهَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ).

التعبیر بـ «مثل» هنا من الممکن أن یکون للدلالة على خلق البشر ثانیاً، لأنّ خلقهم یکون کالسابق، ومن الممکن أیضاً أن یکون للدلالة على أنّ الله تعالى قادرٌ على خلق آخرین من البشر من جدید کما خلق هؤلاء، فکأنّه یقول عندما یکون الله قادر على خلق هؤلاء فإنّه قادرٌ على خلق غیرهم.

وهناک احتمال آخر هو أنّ الأبدان المخلوقة من جدید مهماکانت فهی لیست عینَ تلک الأبدان السابقة، وذلک لأنّ مادّتها الاُولى تعود مع کیفیة وهیئة جدیدة غیر تلک الصورة السابقة، فمن أجل هذا عبّر القرآن بـ «مثل»، ولکن روح الإنسان هی تلک الروح، فبعد أن تتعلّقَ بالبدن تحافظ على وحدة شخصیتها السابقة واللاحقة، بناءً على هذا فإنّ الناس بعد إعادتهم یکونون عینهم من ناحیة، ومثلهم من ناحیة اُخرى (فتأمّل).

ثم یجیب فی ذیل الآیة عن سؤال آخر للمنکرین، فأولئکَ کانوا یقولون: إذا کانت القیامة حق فَلِمَ لا تقع، قال تعالى فی جوابهم: (وَجَعَلَ لَهُمْ اَجَلا لاَّرَیْبَ فِیهِ).

وبتعبیر آخر إنّه تعالى مع الحفاظ على کامل قدرته عیّن وقت قیام القیامة بالدقّة حیث ستقع فی ذلک الزمان المعیّن من دون أیّ تأخیر.

(فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاّکُفُوراً) لأنّ هوى النفس والتعصب والعداء للحق أرخى على أفکارهم حُجبه وسدوله.

وفی الآیة الثالثة ورد نفس هذا المعنى بتعبیر آخر، قال تعالى: (اَوَلَمْ یَرَوا أَنَّ اللهَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضَ وَلَمْ یَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِر عَلَى اَنْ یُحْیِىَ الْمَوتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى کُلِّ شَىء قَدِیرٌ).

عبارةُ «اَوَلَمْ یروا» المراد منها المشاهدة بعین البصیرة والعقل، لذلک فسَّرها المفسرون بمعنى أولم یعلموا، والبعض الآخر فسّرها بمعنى العلم والاطلاع المصحوبِ بالدقّة والتمعّن.

و«یَعْیَ»: من مادة «عَیّ» بمعنى العجز وعدم القدرة على المشی عند الإنسان، واستعملت أیضاً للدلالة على شمول العجز وعدم القدرة على إنجاز عمل ما، أو العجز عن بیان أمر ما عن طریق التحدّث للآخرین، و«داءٌ عیّاء» المرض الذی لاعلاج له سُمّی بذلک لأنّه متعب ومسبب للعجز.

وفسّر بعضهم «العی» بـ «الجهل» ولکن هذا المعنى لا یناسب هذه الآیة.

ومن البدیهی أن یُتَصَوّرَ العجزُ وعدم القدرة فی الأشخاص الذین تکون قدرتهم محدودة، ولکن هذا غیر مُتَصَوَّر بالنسبة لله تعالى الذی لا حدَّ لقدرته، فالعجز والتعب لا معنى لهما فی هذا المورد.

وعلى أیّة حال فإنّه من الممکن أن یکون هذا التعبیر بیاناً لخرافاتِ الیهود الذین کانوا یقولون: إنّ الله بعد أن خلق السماواتِ والأرضَ عَییَ وتعب! فخصَّصَ یوم السبت للاستراحة ومنذُ ذلک الحین أصبح هذا الأمر سنّةً لهم.

وسخافة هذا القول من الوضوح إلى درجة أنّه لایستحقُّ أیَّ بحث.

وفی الآیة الرابعة ومن خلال أجوبة متعددة لمنکری المعاد وللشخص الذی جاء عند الرسول(صلى الله علیه وآله) یحمل العظم الرمیم الذی قال: (مَن یُحْىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِیمٌ)، قال تعالى: (اَوَلَیْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضَ بِقَادِر عَلَى اَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ العَلِیمُ).

وعندما یکون الحدیث عن السماوات فَمِنَ البدیهی أن یراد منها جمیع ما تحتویة من سیارات ونجوم ومجرّات، ونحن نعلم بأنّ الاکتشافات الأخیرة لعلماء الفلک تنصُّ على أنّ منظومتنا الشمسیة تقع ضمن مجرّة درب التّبّانة المعروفة، وقالوا: إنّ هذه المجرّة تحتوی على عدد من النجوم یبلغ مائة ملیار نجمة! والشمس التی نراها إحدى النجوم المتوسطة الحجم لتلک المجرّة!

وقالوا أیضاً: إنّ التلسکوبات العملاقة تمکنت حتى الآن من اکتشاف مایقارب الملیار مجرّة!

فلو ضربنا هذه الأعداد ببعضها لحصلنا إجمالا على رقم هائل من تلک الأَجرام السماویة، مع العلم أنّ هذه الارقام هی ما توصَّل إلیه علم البشر لحد الآن ومن الممکن أن نکتشف فی الأزمنةِ القادمة عوالم اُخرى کثیرة ممّا یَجعلُ ما اکتشف الآن بالنسبة لها شیئاً قلیلا لایُعتدُّ به، کل هذا کان بالنسبة للحدیث عن السماء، أمّا عندما یکون الحدیث عن الأرض فإنّه یشمل جمیع أَسرارها وعجائبها أیضاً.

فهل یعجزُ ویکلُّ خالق هذا العالم العظیم العجیب الذی یحتوی على نظام دقیق أن یُعید خلق الإنسان ثانیاً؟!

والتعبیر بـ «خلاّق» (ای کثیر الخلق) من الممکن أن یکون للدلالة على أنَّ الله تعالى فی حالة إیجاد الخلق على الدوام، وفی حالة خلق موجودات جدیدة فی کل یوم، وکذلک فی حالةِ إفناء وإعدام مخلوقات اُخرى فی کل یوم، من أجل هذا استخدمت کلمة «خلاّق» بصیغة المبالغة.

ومن الممکن أیضاً أن یکون التعبیر بـ «علیم» للدلالة على أنّ جمع ذرّات البشر الذین یموتون ویصبحون تراباً وینتشر ترابهم فی کل مکان لیس بأمر صعب على الله العالم المطّلع على کل شیء، کما أنّه لیس من الصعب أیضاً محاسبتهم على أعمالهم التی ارتکبوها طیلة حیاتهم (یجب الالفتات إلى أنّ «علیم» صفة مشبّهة، وبما أنّها جاءت مقارنة لصیغة المبالغة خلاّق فإنّها هنا تفید التأکید).

الآیة الخامسة والأخیرة فی هذا المجال تضع أمام منکری المعاد دلیلا حسیاً وتجریبیّاً.

قال تعالى مخاطباً الرسول(صلى الله علیه وآله): (قُلَ سِیرُوا فِی الاَْرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الاْخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى کُلِّ شَئ قَدِیرٌ).

و«السیر فی الأرض»: یزید الإنسان علماً بمعرفة نشأة وظهور الحیاة على الکرة الأرضیة، وذلک لأنّ الموجودات الحیّة التی وجدت منذ ظهور الحیاة على هذا الکوکب بقیت آثارها فی طیات القشرة الأرضیة، والعلماء فی هذا الیوم ـ عن طریق مطالعة تلک الآثار ـ توصَّلوا إلى کشف الکثیر من أسرار خلق الموجودات الحیّة.

ومن الممکن أیضاً أن یکون الهدف من السیر فی الأرض کشفَ أسرار تکوّن الکرة الأرضیة الذی یتم عن طریق فحصِ الطبقات المختلفة للأرض والعناصر المختلفة الموجودة فیها.

ومن الممکن کذلک أن یکون دلیلا على الخلق الذی یتکرر وقوعه فی کل یوم على الکرة الأرضیة، ففی کل یوم تظهر إلى الوجود موجودات حیّة کثیرة وتغیب عن الانظار موجودات اُخرى.

فکیف یعجز عن إحیاءِ الموتى الهٌ قادر على الإتیان بخلق کهذا وتطورات کهذه؟ وهکذا اعتُبرتْ قدرة الحق المطلقة دلیلا على إثبات إمکان إحیاء الإنسان ثانیاً.

ولکن یبقى هناک احتمال أیضاً هو أنّ الآیة المذکورة دلیل على النشأة الأولى للإنسان، وقیاس عقلی لإثبات الخلق المستأنف على الخلق الأول، ففی هذه الصورة تکون الآیة فی عداد الآیات المذکورة سابقاً، وعلى أیّ تقدیر تکون دلیلا على نفس المدّعى.

یبقى هناک تساؤل وهو: کیف أمر القرآن الکریم البشر بالسیر فی الأرض لاکتشاف أسرار ظهور الحیاة علیها، مع أنّ بدایة ظهور الحیاة على هذه المعمورة تعود إلى ملیارات خلت من السنین ولا یمکن مشاهدتها فی هذا الیوم؟ والجواب عن هذا التساؤل یتضح بصورة جلیّة من خلال التفسیر الذی ذکرناه لهذه الآیة آنفاً، فقد ذکرنا فیما سبق ثلاثة أجوبة عن هذا التساؤل «فتأمل».

والجدیر بالذکر التعبیر عن المعاد هنا بـ «النشأة الآخرة» و«نشأة» کما قال الراغب: هی بمعنى إیجاد وتربیة الشی، وهذا یدلّ على أنّ فی یوم القیامة یوجد خلق جدید وتربیة جدیدة أیضاً.


1. تفسیر الکبیر، ج 27، ص 79.
2. تفسیر الطبرسی، ج 8، ص 529; وتفسیر القرطبی ج 8، ص 5769; وتفسیر روح البیان ج 8، ص 199.
3. تفاسیر مجمع البیان; الکشاف; وروح المعانی ذیل الآیة مورد البحث.

 

تمهیدثمرة البحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma