بما أننا تعرضنا لتفسیر الآیات المذکورة وبحثناها فی المواضیع السابقة فسوف نکتفی بالترکیز على بحث أجزاء منها تتعلق ببحثنا هذا:
فالآیة الاُولى تجیب بصراحة عن هذا السؤال وتقول: (یُحْیِیهَا الَّذِى اَنْشَأَهَا اَوَّلَ مَرَّة).
وجملة «یُحییها» تدل على احیاء الأجسام بکل وضوح، ولو لم یکن فی القرآن الکریم إلاّ هذا التعبیر لکان وافیاً فی إثبات هذه المسألة، مع أنّنا ذکرنا آنفاً بأنّ هناک مئآت الآیات التی وردت للدلالة على إعادة الأجسام.
وممّا تجدر الإشارة إلیه هو أنّ الآیة المذکورة تؤکّد على احیاء نفس هذا «الجسم المؤلف من العناصر المادیة»، لا جسم آخر مشابه له أو جسم برزخی ونصف مادی.
والآیة الثانیة ابطلت ادّعاء اُولئک الذین یرون أنّ الله لا یعید عظام الإنسان فقالت بکل وضوح: إننا لا نعجز عن إعادة الإنسان مرّة اُخرى (بَلَى قَادِرِینَ عَلَى اَنْ نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ).
ووضوح هذه الآیة فی الدلالة على المعاد الجسمانی ممّا لا یشوبُهُ أیّ ریب.
وأشارت الآیة الثالثة إلى مجادلة قوم(1) ثمود لنبیهم صالح، إذ قالوا فی محاورتهم وهم یقرّعون نبیّهم: (اَیَعِدُکُمْ أَنَّکُمْ اِذَا مِتُّمْ وَکُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً اَنَّکُمْ مُّخْرَجُوْنَ * هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ لِمَا تُوْعَدُونَ).
فهذه التعبیرات تشیر إلى أنّ نبی هؤلاء القوم وهو صالح أو هود(علیه السلام) کان یعدهم بأنّ أجسامهم سوف تعاد یوم القیامة، إلاّ أنّهم عارضوه بشدّة وأخیراً ابتلاهم الله بعذاب شدید واهلکهم عن آخرهم بسبب تکذیبهم (کما دل على ذلک ما ورد فی هذه الآیات من سورة الحج).
وفی الآیة الرابعة کان الحدیث عن «أصحاب الشمال» وقد کرر القرآن ذکر هذا المعنى فقال: (وَکَانُوا یَقُولُونَ ءَاِذَا مِتْنَا وَکُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً ءَاِنَّا لَمَبعُوثُونَ).
وهذا الذم العنیف فی الواقع جاء دفاعاً عن هذه الحقیقة وهی أنّ العظام التی أصبحت تراباً سوف تلبس ثوب الحیاة ثانیة.
والآیة الخامسة والاخیرة تحدثت عن جمیع الکفار أیضاً، قال تعالى: (ذَلِکَ جَـزَاوُهُمْ بِاَنَّهُمْ کَفَرُوا بِآیَاتِنَا وَقَالُوا ءَاِذَا کُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً ءَاِنَّا لَمَبعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً).
ویستفاد من هذه الآیة بالإضافة إلى ماتقدم بأنّ منکری المعاد الجسمانی هم من أصحاب النار، وهذا دلیل آخر لإثبات المدّعى.
ومن خلال الآیات المذکورة نصل بسهولة إلى هـذه النتیجة وهی إن الجسم بعد فنائه یعود إلى الحیاة مرّة اُخرى.