لو ألقینا نظرة إجمالیة على آیات القرآن المجید لما وجدنا بحثاً یتصدّر جمیع البحوث العقائدیة للدین الإسلامی بعد بحث التوحید، مثل بحث المعاد والحیاة الآخرة وجزاء الأعمال والثواب والعقاب وإجراء العدالة.
إنّ وجود ما یقارب 1200 آیة من مجموع آیات القرآن المجید تهتم ببحث المعاد وهو ما یساوی ثلث آیات القرآن تقریباً، وما جاء من ذکر للمعاد فی جمیع صفحات القرآن تقریباً وبلا استثناء، وتکریس الکثیر من السور الأخیرة فی القرآن بأجمعها أو بغالبیّتها للمعاد ومقدماته وعلاماته ونتائجه، ما هی إلاّ أدلة مؤیدة لهذا الادّعاء.
فالقرآن المجید یتحدث عن عالم الآخرة فی کلّ مقطع تطرّق فیه لموضوع الإیمان بالله، وقد اقترن ذکر الموضوعین معاً فی 30 آیة تقریباً: (وَیُـؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَومِ الاْخِر)أو بتعبیرات مشـابهة، وأشار للیوم الآخر أو فـی أکثر من 100 موضع ولم لا یکون کذلک؟ فی حین أنّ:
1 ـ کمال الإیمان بالله وحکمته وعدالته وقدرته لا یتمّ بدون الإیمان بالمعاد.
2 ـ الإیمان بالمعاد یُعطی لحیاة الإنسان قیمةً، ویُخرج الحیاة الدنیا عن اللَّغو والعبثیة.
3 ـ الإیمان بالمعاد یخطّ طریقاً واضحاً لتکامل الحیاة الإنسانیة.
4 ـ الإیمان بالمعاد یضمن تطبیق کلّ السنن الإلهیّة، وهو الدافع الرئیسی لتهذیب النفوس واحترام الحقوق والعمل بالواجبات وإیثار الشهداء وتضحیة المضحین، وهو الذی یدفع الإنسان لمحاسبة نفسه.
5 ـ الإیمان بالمعاد یُضعِف حبّ الدنیا التی هی رأس کل خطیئة، ویُخرِجُ الدنیا عن کونها «هدفاً نهائیاً» ویجعل منها «وسیلة» لنیل السعادة الأبدیة، وکم الفارق شاسعٌ بین هذین المنظارین!
6 ـ الإیمان بالمعاد یعطی للإنسان القوة لمواجهة الشدائد، ویحیل صورة الموت المرعبة ـ التی تخطر على فکر الإنسان على هیئة کابوس ثقیل وتسلبه راحته ـ من مفهوم الفناء والعدم إلى نافذة نحو عالم الخلود.
7 ـ الکلام الفصل هو أنّ الإیمان بالمعاد ـ إضافةً إلى الإیمان بمبدأ عالم الوجود ـ یُعدّ الخط الفاصل بین الإلهیین والمادیین.
بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن لنتأمل خاشعین فی الآیات التالیة:
1 ـ (اللهُ لاَ اِلهَ اِلاَّ هُوَ لَیَجْمَعَنَّکُمْ اِلى یَوْمِ القِیَامَةِ لاَ رَیْبَ فیهِ ومَنْ اَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِیثاً). (النساء / 87)
2 ـ (زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ لَّنْ یُبعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّئُونَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وذَلِکَ عَلَى اللهِ یَسِیرٌ). (التغابن / 7)
3 ـ (وَیَسْتَنْبِؤُنَکَ اَحَقٌ هُوَ قُلْ إِى وَرَبِّى اِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزینَ). (یونس / 53)
4 ـ (وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لاَ تَأْتِینَا السَّـاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِیَنَّکُمْ عَـالِمِ الْغَیْبِ).(سبأ / 3)
5 ـ (رَبَّنَـا اِنَّکَ جَـامِعُ النَّـاسِ لِیَوْم لاَ رَیْبَ فیهِ اِنَّ اللهَ لایُخلِفُ المِـیْعَـادَ).(آل عمران / 9)
6 ـ (أَلا اِنَّ الَّذِینَ یُمـَارُونَ فِی السَّـاعَةِ لَفِى ضَلاَل بَعید). (الشورى / 18)
7 ـ (وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیـَاتِنَا ولِقـَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ اَعْمـَالُهُمْ هَلْ یُجزَونَ اِلاَّ مـَا کـَانُوا یَعْمَلُونَ). (الاعراف / 147)
8 ـ (وَأَنَّ الَّذِینَ لاَیُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ اَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً اَلِیماً). (الاسراء / 10)
9 ـ (وَقِیلَ الْیَوْمَ نَنْسـَاکُمْ کَمـَا نَسِیتُم لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هذَا وَمَأْوَاکُمُ النَّارُ وَمـَا لَکُمْ مِنْ نَّاصِرِینَ). (الجاثیة / 34)
10 ـ (وَاِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ءَإِذَا کُنَّـا تُرَاباً ءَاِنَّا لَفـِى خَلْق جَدید اُولـئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَاُولـئِکَ الاَْغْلاَلُ فِی اَعْنـَاقِهِمْ وَاُولئِکَ أَصْحـَابُ النَّارِ هُمْ فِیهـَا خَالِدُونَ). (الرعد / 5)
