استئناف عَوْدِ الطاقة یتجدد امام انظارنا!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهیدتمهید

فی آواخر سورة «یس» هناک بحوث جامعة ومتنوّعة وعمیقة فی مجال المعاد، واحد هذه البحوث الحبث عن معاد الطاقة.

لقد أجاب القرآن على شبهة من کانوا یتعجّبون من إمکان اعادة العظم الرمیم إلى الحیاة بِعِدّة أجوبة، فقال تعالى: (قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِى أَنَشَأَهَا اَوَّل مَرَّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ).

وهذا القسم من الأجوبةِ یتعلّق بمقایسة المعاد بالنشأة الاُولى التی بحثناها سابقاً.

ثم یضیف تعالى بعد ذلک: (الَّذِى جَعَلَ لَکُم مّنَ الشَّجَرِ الاَْخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِّنهُ تُوقِدُونَ).

ومن البدیهیِّ أن یکون هذا البیان دلیلا على مسألة المعاد وأن یکون جواباً آخر لمنکری المعاد.

ولکن کیف یکون ذلک، وبأیّ بیان یتمّ؟

للمفسرین عدّة آراء فی هذا المجال هی:

1 ـ الکثیر من المفسرین اعتبروا هذه الآیة إشارة إلى الشجرتین المشهورتین لدى العرب وهما «مَرْخ» و«عَفار» وکان العرب یستخدِمونهما لإیقاد النار بدلا من الکبریت المستخدم فی عصرنا الحاضر، فکانوا یضربون الخَشَبَتینِ ببعضهما بشدّة لیحصلوا منها على قدحة أو شرارة لیتمکّنوا بواسطتها من ایقاد النار، وفی الحقیقة کانوا یستخدمون ذلک بدلا عن حجر القدحة الذی کان یُستخدم فی العصور الغابرة.

فالقرآن یقول: إنّ الذی یقدر على أن یُخرج النار من تلک الخشبتین الخضراوینِ بإمکانه أن یحیی الموتى، فمن یتمکّن من جمع النار مع الماء کیف لا یتمکّن من خلق الحیاة بعد الموت؟ ألا یشبه التضادُّ بین «الحیاة» و«الموت» التضادَّ بین الماء والنار؟

2 ـ وتَجَاوزَ آخرون هذا الحدَّ فقالوا: إنّ خاصیّة ایقاد النار لا تنحصر بخشب تلک الشجرتین (مَرْخ وعفار)، بل تعمّ جمیع أشجار العالم، ولکنّها تشتدُّ فی أخشاب تلک الشجرتین، لذا جاء فی المثل العربى: «فی کُلِّ شجر نار»!

فخلاصة الکلام أنّ أخشابَ الأشجار عندما تصطدم ببعضها بقوّة تخرج منها شرارة من النار، وهذا الأمر یصدق حتى فی أخشاب الأشجار الطریّة! وبسبب هذه الظاهرة تَحدُثُ حرائقُ هائلة ومرعبة فی الغابات من دون أن یکون للإنسان ایُّ تدخّل فیها.

وهذه الحرائق تحدث بفعل الریاح الشدیدة التی تضرب أغصان الأشجار ببعضها بشدّة فَتَسْقُطُ شراراتُها أحیاناً على أوراق الشجر الجافّة فتحرقها، ثم تتسع بعد ذلک رقعةُ النار بسبب هبوب الریاح، فنرى فجأةً التهام النار لمناطق شاسعة من الغابات.

وأمّا تفسیر هذه الظاهرة من وجهة نظر العلم الحدیث فهی جلیّة وواضحة، لأننا نعلم بأنّ الأشجار لیست الوحیدة التی تولّد شرارة من النارعند ارتطامها ببعضها بقوّة بل تتولّدُ شرارة کهربائیة من ارتطام کل جسمین ببعضهما، وهذه النار موجودةٌ فی جمیع ذَرّاتِ العالم المادّی حتى فی باطن الأشجار الخضراء.

إنّه أمرٌ عجیبٌ حقّاً، فما القدرة التی تخلط النار فی الماء؟ ومن أصلح فیما بین هذین العدوّین اللّدودین اللّذینِ عرّفهما القدماء بأنّ طبع أحدهما بارد رطب والآخر حارٌ جاف؟ فهل یکون الإصلاح بین الموت والحیاة أمرٌ عسیر على هذه القدرة؟ أو هل یصعب على القدرة أن تجعل أحدهما فی مکان الآخر؟!

وبتعبیر آخر: هل یمکن لأحد أن یجمع النار والماء فی مکان واحد بحیث لا یُطفی الماءُ النارَ ولا تُحرقُ النارُ الشجرَ، وهل یکون إحیاء الشجر الیابس مرّة اُخرى أمراً عسیراً؟!

3 ـ وهناک تفسیر آخر لهذه الآیة قد خفی على المفسّرین السابقین، لکنّه أصبح واضحاً لنا بعد تطور العلم الحدیث، ومن المحتمل أن یکون أنسب التفاسیر، وهو: إنّ الأشجار خلال فترة حیاتها تمتصُّ ضوءَ وحرارة الشمس باستمرار وتَدَّخِرُهُما فی باطنها، وعندما نُحرِق الخشب الجافَّ تنبعث الحرارة والضوءُ اللتان امتصّتهما الشجرة فی مدّة طویلة وتنفدُ فی مدّة وجیزة ونستفید نحن منهما، أی أنّ الطاقة الخاملة تعودُ فی هذه القیامةِ وتُظهِرُ وجودها، فبناءً على ذلک نحن نرى منظر المعاد أمام أعیننا إذا أجّجْنا ناراً!

وتوضیح ذلک: إنّ «السلیلوز» یشکّل المادّة الرئیسیة للأشجار، وهو مرکب من «الکاربون» و«الاوکسجین» و«الهیدروجین».

فالنباتات تحصل على الاوکسجین والهیدروجین من الماء، وتحصل على الکاربون من الهواء ، أی أنّها تأخذ ثانی أو کسید الکاربون الذی هو عبارة عن ترکیب من الاوکسجین والکاربون وتحلل ذلک المرکب فتحتفظ بالکاربون وتُطِلق الاوکسجین، ثم تصنع الخشب بواسطة ترکیب الکاربون مع الماء.

ومـن الجدیر بالذکر هنا بناءً على القواعد المتّبعة فی علم الکیمیاء إنّ الکثیر من الترکیبات الکیمیائیة لا تتمّ إلاّ عند توفر نوع من أنواع الطاقة، والأشجار أیضاً تّتبع هذا القانون وتستخدم ضوءَ وحرارة الشمس فی انجاز الترکیبات الکیمیائیة (فتأمّل).

على هذا فالأشجار عندما تنمو وتکبر وتقوى سیقانها یوماً بعد یوم فإنّها تدّخر کمیّة کبیرة من الطاقة الشمسیة فی داخلها، تلک هی الضوءُ والحرارة التی تظهر عند احتراق الخشب، فنفس تلک الطاقة المدّخرة التی قد کَمُنت فی الظاهر تعودُ مّرة اُخرى من خلال معاد موزون ودقیق.

والدلیل الذی یؤید هذا التفسیر هو التعبیر الوارد فی القرآن لبیان هذه الاُمور وهو جملة: «فإذا أنتم منه توقدون».

ولنرَ ما المراد من کلمة «وقود» لغویاً؟

بناءً على تصریح أکثر کتب اللغة أنّ «الوقود» بمعنى الحطب أو الشی المحترق(1).

بینما اطلقوا على الأشیاء التی تُوجِدُ القدحةَ اسم «الزَنْد» أو «الزناد»، قال فی المقاییس: «الزند» فی الأصل بمعنى زند الید، وأُطلِق على القدحة أو الشرارة للملازمة الموجودة سابقاً بین زند الید والآلات التی کانت تستخدم قدیماً فی اشعال النار.

و «القَدْح»: استُعمل أیضاً فی هذا المجال، لکنّ الأمر المهمّ تأکید القرآن على ذکر الوقود لا «الزند» أو القَدْح، بینما فات القدماء الانتباه إلى هذه المسألة، وفسّروا الآیة على أنّ المراد منها هو القدْح، لکنَّ ماجاء فی تفسیرنا الثالث ینطبقُ تماماً مع التعبیر بـ«الوقود» (فتأمّل).

والسؤال الوحید الذی لم یُجَبْ عنه إنّ الخشب الذی یستخدم فی الحرق یکون جافاً، بینما عبّر عنه القرآن ب «الشجر الاخضر».

هناک جوابان لهذا السؤال: الأول إنّ الخشب الاخضر قابل للاحتراق أیضاً وإنَّ إحراقه أصعب من إحراق الخشب الجاف، جاء فی المثل المشهور: إذا اشتعلت النار فسوف تحرق الأخضر والیابس معاً للإشارة إلى هذا الأمر.

ولو تجاوزنا هذا، فهنالک مسألة مهمّة هی إنّ الأشجار الخضراء هی الوحیدة التی یمکنها أن تجذب وتدّخِر ضوءَ وحرارة الشمس، ویحتمل أن یکون القرآن فی صدد بیان هذه المسألة العلمیة الدقیقة، لأنّ الأشجار عندما تجفّ تتوقف فیها عملیة جذب الکاربون نهائیاً، ولا تدّخر الطاقة الشمسیة بأی نحو کان.

على أیّة حال فإنّ الآیة المذکورة تعتبر من الآیات الرائعة فی مجال إثبات المعاد، وإنّ کلّ واحد من هذه التفسیرات الثلاثة یجسِّم منظر المعاد أمام الانظار، ولایوجد أیّ مانع فی أن تکون هذه التفسیرات الثلاثة مجموعة فی مفهوم هذه الآیة، فهذه التفسیرات منها ما یختصّ بالعوامّ من الناس، ومنها مایختصّ بالخواصّ منهم، ومنها مایختصّ بخواصّ الخواصّ، وبعضها یختصّ بالناس الذین عاشوا فی العصور الغابرة، وبعضها یختصّ بالناس المعاصرین، ومن المحتمل أن تکون هنالک تفسیرات أعمق وأدقّ لعلماء المستقبل فی هذه الآیة.

والآیة الثانیة من آیات سورة الواقعة، والتی یختصّ قسم کبیر من آیاتها بأدلّة المعاد والقیامة، على الأخصّ ماجاء فی الآیة 57 فیما بعد فی جوابِ منکری المعاد (المسائل السبع) الذین ذُکرتْ ادّعاءاتُهم فی نفس هذه السورة فی الآیة 47 حیث کان کلّ واحد من تلک الأجوبة دلیلا على مسألة المعاد بنفسه(2).

والآیة التی یدور بحثنا حولها تعتبر فی الواقع الدلیل السابع والأخیر، قال تعالى: (أَفَرَأَیْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ(3) * ءَأَنْتُمْ أَنْشَأتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْکِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِینَ(4)). (الواقعة / 73 ـ 71)

وفی تفسیر معنى المراد من شجرة النار هنا، یوجد تفسیران رئیسیّان:

الأول: إنّ المراد من شجرة النار الشجرتان المعروفتان «مَرْخ» و«عَفار» اللتان کانتا تُستخدمان لدى العرب فی ایجاد القدحة، حیث کانتا تُستخدمان بدلا عن «الکبریت» لإشعال النار.

والثانی: إنّ المراد منها جمیع الأشجار لأنّها لها قابلیة توفیر الحطب والوقود(5).

وللمفسِّرین آراء فی معنى المراد من «تذکرة»، فعدد منهم یرى أنَّ المراد منها التذکّر بنار جهنم عند رؤیة نار الدنیا، ففی هذه الصورة تصلح هذه الآیة لأنّ تکون دلیلا لإثبات المعاد.

والرأی الثانی هو أنّ المراد منها التذکیر بأمر المعاد، وذلک لأنّ الذی یقدر على أن یودع النار المحرقة فی قلب الشجر الأخضر فإنّه لا یعجز عن ارجاع الحرارة الغریزیة لبدن الأموات، والذی یقدر على جمع الضِّدَّینِ کالماء والنار فإنّه بطریق أولى یمکنه أن یجمع بین الموت والحیاة على التوالی، أی إیجادهما الواحد بعد الآخر.

أو بتعبیر آخر کیف لایتمکّن مَن یُعید الطاقة الکامنة والضوءَ والحرارة مِن أن یهب حیاة جدیدة للأموات من بنی الإنسان؟

والتفسیر الأخیر هو أکثر تناسباً مع آیات هذه السورة التی تتصدى للاجابة عن شبهات منکری المعاد طبعاً، کما إنَّ الجمع بین هذه التفاسیر ممکن أیضاً.

والتعبیر بـ«متاعاً للمقوین» هو تلمیح لفوائد وأهمیّة النار فی حیاة الإنسان ذلک لأنّ المفسرین وأصحاب اللغة ذکروا معانیَ متعددة لـ «المقوین» هی:

أولا: ماذکرناه آنفاً أنّها من مادة «قواء» على وزن (کتاب) بمعنى الصحراء القاحلة، بناءً على هذا یصبح مصداق «المقوین» هم الذین یقتحمون الصحارى القاحلة، وهؤلاء یحتاجون بشدّة إلى الحطب والخشب الجاف لإیقاد النار، أمّا احتیاجهم لخشب القدْح فلا یخفى على أحد.

ومن البدیهی أنّ الإنسان یحتاج إلى ذلک فی المدن أیضاً، ولکن بما أنّ إیقاد النار فی المدن أمرٌ یسیر، لأنّ الذی یرید أن یوقد ناراً یمکنه أن یستفید فی ذلک من نار الآخرین، بالإضافة إلى ذلک لایشکّل عدم وجود النار فی المدینة خطراً جسیماً على الإنسان، بینما تعدّ النار بالنسبة لقاطعی الصحراء أمراً مصیریاً بسبب الحاجة إلى إعداد الطعام ودفع البرد والاستنارة.

والرأی الآخر أنّ المراد من «المقوین» هم الفقراء، وعُدّ هذا من أحد معانیها فی اللغة، ومن المحتمل أن یکون السبب فی ذلک أنّ سُکّانَ الصحراء فقراء فی الغالب، وقد ذکرنا أنَّ «قواء» بمعنى الصحراء القاحلة، وأنّ احتیاج الجمیع للنار امر بدیهی إلاّ أنّ احتیاج الفقراء لها اشدّ من غیرهم، ذلک لأنّ النار تأخذ مکان الملابس أحیاناً بالنسبة لهم.

وقال البعض أیضاً: إنّ «المقوین» بمعنى «الاقویاء»! لأنّ الکلمة المذکورة من الکلمات التی لها معان متضادّة، فیحتمل أن تکون من مادّة القوة والقدرة.

ففی هذه الحالة تکون للدلالة على استخدام الاغنیاء للنار بکثرة، على الأخص فی دنیانا هذا الیوم، فإنّ الحرارة والنار کلٌّ منهما المحور الرئیسی الذی تدور علیه عجلات الصناعة والمحرکات، فإذا ما نَفَدَ الوقود الذی تعتبر الأشجار والنباتات المنبع الرئیسی له (سواء کان بصورة مباشرة کالخشب والفحم الحجری أو غیر مباشرة کالبترول) فإنّ عجلات الحضارة البشریّة سوف تتوقف عن الحرکة، وتذهب الثروات أدراج الریاح، فلا تطفأ شعلة الحضارة فحسب بل سوف تطفأ شعلة حیاة جمیع البشر.


1. مفردات الراغب; ولسان العرب; ومقاییس اللّغة.
2. ذکرت هذه الأدلة السبعة فی تفسیر الامثل، ذیل الآیة 57 من سورة الواقعة.
3. «تورون» من مادة«ایراء» بمعنى اشعال النار، قال الراغب فی المفردات: ایراء فی الأصل بمعنى الستر والتغشیة، لذا اُطلق على ما فی الخلف «وراء» وبما أنّ النار تکمن فی الحطب أو فی القدحة اطلق العرب کلمة «ورى» أو «ایراء» على اخراجها من مخبئها.
4. «المقوین» من مادّة «قِواء» (على وزن کِتاب) بمعنى الصحراء القاحلة، وتطلق على المسافرین الذین یقطعون الصحارى من دون متاع أیضاً.
5. ورد هذان التفسیران فی تفسیر روح المعانی، ج 27، ص 129; وفی تفسیر الکبیر، ج 29، ص 184 فی ذیل الآیات مورد البحث.

 

تمهیدتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma