ورد ذکر هذا الإدّعاء فی الآیة الرابعة مع بعض الإضافات الاُخرى، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا ءَإِذَا کُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤنَا ءَإِنَّا لَُمخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاّ أَسَاطِیرُ الاَْوَّلِینَ)(1).
یفهم من هذا التعبیر أنّ مسألة المعاد وبالتحدید المعاد الجسمانی لم تکن من مختصات القرآن والشریعة الإسلامیة فحسب، بل ممّا أخبر عنه الأنبیاء المتقدمون أیضاً، ولکن للأسباب التی سوف نذکرها لاحقاً ـ إن شاء الله ـ لم یخضع متکبِّرو الاُمم للحق أبداً، وکانوا یعتبرونه أمراً خرافیاً واسطوریاً بعیداً عن العقل والمنطق، فالآیة الشریفة ذکرت أنّ هؤلاء تمسّکوا بأمرین لانکار المعاد:
الأول: أنّ عودة الحیاة للتراب تبدو أمراً مستبعداً.
والثانی: بما أنّ جمیع الأنبیاء السابقین وعدوا الاُمم السالفة ولم یتحقق وعدهم أبداً، فهذا دلیلٌ على أنّ هذا الأمر اسطورة وخرافة لا غیر، (وکأنّهم یتوقعون بأنّ القیامة یجب أن تتحقق على الفور وإلاّ فهی کذب وافتراء).
وفی الآیة الخامسة یَردُ تعبیر آخر عن ذلک الإنکار والاستبعاد، قال تعالى: (فَقَالَ الْکَافِرُونَ هَذَا شَىءٌ عَجِیبٌ * ءَإِذَا مِتْنَا وَکُنَّا تُرَاباً ذَلِکَ رَجْعٌ بَعِیدٌ)(2).
فهم فی مبتدأ مقولتهم یعتبرون ذلک أمراً «عجیباً»، وفی ذیل مقولتهم یعتبرونه «بعیداً» ولکنهم لم یفکّروا بخلقهم وإن هذا الأمر «العجیب والبعید» قد تحقق بوضوح فی خلقهم الأول، بل کما سوف یأتی لاحقاً بأنّ مسألة المعاد وتجدد الحیاة من الاُمور التی شاهدناها ونشاهدها دائماً فی هذه الدنیا، فکیف یکون هذا الأمر عجیباً وبعیداً؟
وفی الآیة السادسة نرى المخالفین یکررون هذا اللون من الانکار ولکن بأُسلوب آخر، فکانوا یقولون لقرنائهم وأقربائهم مشکّکین متخذین أسلوب الاشاعة والاثارة: (أَیَعِدُکُمْ أَنَّکُمْ إِذا مِتٌّم وَکُنْتُمْ تُرَاباً وعِظَاماً أَنَّکُمْ مُّخْرَجُونَ * هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ).
ثم إنّ هؤلاء الحمقى لایخالون أنّ هناک حاجة للاستدلال فیقولون بِتَعَسُّف: (إِنْ هِىَ إِلاّ حَیَاتُنَا الدٌّنْیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِیَن).
وهذا من أشد تعبیرات المنکرین المعاندین فی مجال إنکار المعاد، وذلک من دون أن یفکروا فی فلسفة خلق الإنسان وأنّه هل من الممکن أن تکون هذه الحیاة القصیرة الملیئة بالمصائب والمشاکل الهدف والغرض الرئیسی من خلق الإنسان؟ ومن دون أن یفکّروا بفلسفة الأوامر الإلهیّة وأنّه هل من الممکن أن یعامل الله العادل، الصالحین والطالحین على حد سواء؟ وأن لا یفرّق بینهم لا فی الدنیا ولا فی الآخرة، ومن دون أن یفکّروا بنشأتهم الاُولى حین کانوا فی البدایة تراباً وعناصر متفرّقة.
قد یکون تقدم کلمة التراب على العظام فی الآیة الکریمة ـ مع أنّ بدن الإنسان یتحول إلى عظام رمیمة أولا ثم یکون تراباً ـ وذلک للإشارة بالتراب إلى اللحم الذی یصبح تراباً قبل العظام، أو الذکر له بالتراب على الأجداد والماضین الذین تحولت أبدانهم إلى تراب تماماً، وللدلالة بالعظام إلى الأباء والاُمهات الذین فارقوا الحیاة قریباً، أو لأنّ عودة الحیاة إلى التراب أبعد إلى التصدیق من عودته إلى العظام، لذا تقدمت کلمة التراب، وفی کل الأحوال فیه بیان لشدّة معارضتهم لهذه المسأله.