یعتبر کثیر من الناس الموت فناءً وعدماً ونهایة کلّ شیء، لذا فهم یخافون الموت ویهابونه بشدّة، بینما یفسّر القرآن المجید حقیقة الـموت بـ «التوفّی» (أی قبض واستلام روح الإنسان من قِبَلِ الخالق) أو بتعبیر آخر هو انتقال من عالم حقیر إلى عالم کبیر وَسام)، قال تعالى فی الآیة الثانیة: (اللهُ یَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حینَ مَوْتِهَا)(1).
ثم من أجل أن یذکر نموذجاً للموت فی هذه الدنیا أضاف تعالى: (وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فى مَنَامِهَا)، (فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضَى عَلَیْهَا المَوتَ) أی التی لن تصحو من نومها بعد ذلک أبداً (وُیُرسِلُ الاُخْرَى) أی التی یجب أن تستمرّ فی حیاتها (إِلَى أَجَل مُسَمّىً).
إنّ هدف القرآن هو بیان هذه الحقیقة وهی: کما أنّ روحَ الإنسان لا تفنى فی عالم النوم، بل یضعف ارتباطها بالبدن بصورة مؤقتة، ومن أجل هذا یمکنها التجوّل فی عوالم مختلفة، فإنّها لا تفنى أیضاً بالموت، بل تتحرر وتتجوّل فی عوالم کبیرة اُخرى.
و«یتوفّى»: من مادة «وفى» وهی فی الأصل بمعنى الکمال، لذا اطلقوا على الدّرهم الکامل « درهماً وافیاً» (أی الکامل من حیث الوزن ومقدار الفضة) على هذا یکون التوفّی بمعنى القبض التام، وبما أنّ القابض هو الله فإنّ هذه الجملة تدل على أنّ الإنسان سوف یضع قدمه فی عالم أعلى وأرقى.
إنّ هذه النظرة إلى الموت تغیِّرُ کثیراً من المعادلات والمفاهیم، ومن أجل هذا عرّفوه ببوّابة العبور إلى عالم البقاء.
ومن الجدیر بالذکر هو أنّ الآیة المذکورة تحذِّر الناس لأنّها تعتبُر «النوم» مساویاً «للموت» وکأنّها تقول: کیف تغفلون عن الموت وهو یأتیکم فی کل یوم ولیلة وأنتم تلمسونه بأیدیکم؟! إنّکم فی حالة النوم تنفصلون عن هذا العالم وتفارقون حیاتکم ومنصبکم ووجودکم بصورة مؤقتة، فالموت أیضاً هو عبارة عن نوم خالد کما أنّ النوم هو عبارة عن موت مؤقت، ومن المحتمل أن تکون الجملة الاخیرة فی هذه الآیة: (إِنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِّقَوم یَتَفَکَّرُونَ) ناظرة إلى جمیع هذه الحیثیات.