وفی الآیة السابعة والاخیرة نلاحظُ تعبیراً جدیداً أیضاً، وهو إن مشرکی العرب ومنکری المعاد من دون أن یتحدّثوا عن الرفات والتراب وأمثال هذه الاُمور، ادّعوا بدون دلیل: (إِنَّ هَؤُلاَءِ لَیَقُولُونَ * إِن هِىَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الاُْولَى وَمَا نَحنُ بِمُنْشَرِینَ).

الأمر العجیب فی هذه الآیة أنّ هؤلاء قالوا إن هی إلاّ موتتنا الاُولى، فلماذا اتوا بهذا التعبیر بینما کان علیهم أن یقولوا: إن هی إلاّ حیاتنا الاُولى؟

وقد أجاب المفسرون عن هذا السؤال بأجوبة مختلفة، ولکن الجواب الأکثر مناسبة أن یقال إنّهم کانوا یقصدون من کلامهم هذا إنّه لا یوجد بعد هذه الحیاة إلاّ الموت ولا شیء یحدث بعد الموت، أیْ لا یوجد هناک حیاة اُخرى.

وآخر الکلام فی هذه الآیة قال الزمخشری بعد أن طرح هذا الإشکال فی الکشاف: إنّه قیل لهم إنّکم تموتون موتة تتعقبها حیاة، کما تقدّمتکم موتة قد تعقبتها حیـاة، وذلک قوله عزوجل: (وَکُنْتُـمْ أَمْوَاتاً فَأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ). (البقرة / 28)

فقالوا: (إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الاُْولَى) یریدون: ما الموتة التی من شأنها أن یتعقبها حیاة إلاّ الموتة الاُولى دون الموتة الثانیة وما الصفة التی تصفون بها الموتة من تعقب الحیاة لها إلاّ للموتة الاُولى خاصة(1).

لکـنّ التکلف واضـح على هذا التفسیر، والتفسیر الأول هو المـناسب (فتأمل).

السؤال الآخر الذی طرح فی مورد هذه الآیة إنّ کل «أول» یجب أن یکون له «ثان» فعلى هذا کیف یمکن أن لا یتلو «الموت الأول» «موت ثان»؟

والجواب على هذا السؤال واضح، وهو أنّه لیس من الضروری أن یکون لکل أول ثان، فمثلا لو نذر الإنسان على نفسه أن یسمّی أوّل ابن یهبه الله له «محمداً»، فمن الممکن أن لا یهب الله له إلاّ ذلک الابن، أو أن ینذر لله على نفسه أن یهدی أوّل کتاب یؤلفه إلى أبیه، ومن الممکن أن لا یؤلّف کتاباً غیره، ونحن نعلم أیضاً أنَّ أحد أسماء الله تعالى هو الأول مع أنّه لایوجد هناک إلهٌ ثان.

1. تفسیر الکشاف، ج 4، ص 279 فی ذیل الآیة مورد البحث.