التعبیران أعلاه، واللذان یتقاربان فی الاُفق هما أیضاً وصفان آخران لذلک الیوم العظیم، ففی الآیة الاُولى: (یَوْمَ یَسْمَعُونَ الصَّیْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِکَ یَوْمُ الخُرُوجِ). (ق / 42)
نحن نعلم بأنّه عند انتهاء الدنیا وابتداء القیامة تطلق هنالک صیحتان على حد تعبیر القرآن المجید واللتان عبّر عنهما أحیاناً بـ «نفخ الصور» وهما: «الصیحة الاُولى» وهی صیحة فناء العالم والموت الشامل، و«الصیحة الثانیة» صیحة الحیاة الجدیدة والقیامة، والآیة التی وردت أعلاه تدلّ على الصیحة الثانیة وذلک بقرینة (ذَلِکَ یَوْمُ الْخُرُوجِ) التی جاءت فی آخر الآیة.
أمّا ما هی کیفیة هذه «الصیحة العظیمة»؟ وبأی الوسائل یحدث هذا الصوت؟ وما هو تأثیره فی احیاء الموتى؟ فإنّ هذه الاُمور لایعلم أحد تفاصیلها، بَید أنّ القرآن أشار إلیها إشارةً اجمالیة، ولا عجب من جهلنا بها فی هذا الزمان; وذلک لأنّ کل ما یتعلق بالقیامة یختلف اختلافاً تاماً عمّا فی الدنیا، ومحفوف بهالة من الابهام، کما هو الحال فی الجنین فإنّه لا یمکن أن یُدرک حیاة هذه الدنیا وإن کان بالفرض یمتلک قدرة فکریة عظیمة.
وفی الآیة الثانیة قال تعالى: (فَذَرْهُمْ حَتَّى یُلاَقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِى فِیهِ یُصْعَقُونَ).(الطور / 45)
«یصعقون»: من مادة «اِصعاق» اشتقت فی الأصل من «الصاعقة»، وبما أنّ الصاعقة لها صوت عظیم بالإضافة إلى أنّها مهلکة فقد فُسِّرت هذه الجملة بهذین المعنیین معاً، فإن کانت بمعنى الهلاک فتکون دلیلا على إرادة النفخة الاُولى وفناء الکون، کما جاء فی الآیة: (وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِی السَّموَاتِ وَمَن فِی الاَْرْضِ). (الزمر / 68)
وإن کانت کلمة (صعق) بمعنى الصوت فإنّها من الممکن أن تکون دلیلا على النفخة الاُولى أو الثانیة التی هی نفخة یوم القیامة، فعلى هذا تکون مرادفة للآیة السابقة.
ورجّح کثیر من المفسرین المعنى الأول، وفی نفس الوقت لم یهجروا المعنى الثانی(1).
وأمّا ما احتمله البعض من أنّ الآیة تشیر إلى هلاک مجموعة من المشرکین فی غزوة بدر فیبدو بعیداً جدّاً (بدلیل الآیة 68 من سورة الزمر التی مرّ ذکرها).
1. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 169; وتفسیر القرطبی، ج 9، ص 6247; وتفسیر روح المعانی، ج 37، ص 34; وتفسیر المیزان، ج 19، ص23; وتفسیر روح البیان، ج 9، ص 205.
