إنَّ قصّة إبراهیم(علیه السلام) و«الطیور الأربعة» تعتبر من النماذج التاریخیة الحیّة التی استدل بها القرآن الکریم على قضیة المعاد، وقد ورد ذکر هذه القصة بعد ذکر قصة عزیر(علیه السلام)مباشرة، قال تعالى:
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیـمُ رَبِّ أَرِنى کَیْفَ تُحْىِ الْمَـوْتَى قَـالَ أَوَلَـمْ تُـؤْمِنْ قَـالَ بَلَى وَلکِن لِّیَطْمَئِنَّ قَلْبى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَّ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى کُلِّ جَبَل مِّنْهُنَّ جُزْءً ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِیْنَکَ سَعْیاً وَاعْلَمْ اَنَّ اللهَ عَزیزٌ حَکِیمٌ). (سورة البقرة / 260)
لو أمعنّا النظر فی ظاهر الآیة بعیداً عن أی حکم مسبق وبعیداً عن تأثیر آراء ونظرات الآخرین نراها تدلّ بوضوح على أنّ إبراهیم(علیه السلام) کان یرید أن یرى کیفیة احیاء الموتى لیطمـئن قلبه، فأُمِـرَ أن یمارس عملیاً نموذجاً حیّاً لاحیاء الموتى بإذن الله، وهو أن یجعل أجساد الطیور الأربعة بعد ذبحها وسحقها کالعجین ثم یجعل عدّة أجزاء من العجین على عدّة جبال وبعد أن یدعو هذه الأجزاء إلیه تصبح طیوراً أربعة کما کانت بإذن الله وتُعاد إلیها الحیاة من جدید.
کما أنّ السبب الذی أشار إلیه الکثیر من المفسرین فی شأن نزول هذه الآیة الشریفة یؤید هذا المدعى، فقد مرّ إبراهیم(علیه السلام) علـى ساحل البحر فـوجد جیفـة نصفها فی الماء والنصف الآخر على السـاحل تـأکل منها حیوانـات البحـر من جانب والطیور من جانب آخر، فأثر هذا المنظر فی نفسه(علیه السلام) وغرق فی التفکیر فی کیفیة جمع أجزاء هذا الجسد وإحیائه من جدید بعد أن صار جزءاً من حیوانات کثیرة اُخرى.
إنَّ إبراهیم(علیه السلام) کان مؤمناً بالمعاد وکل مایرتبط به لأنّه نبی وله ارتباط مع الوحی وکان إیمانه أعمق من الإیمان الحاصل عن طریق الاستدلال العقلی، لکنّهُ کان یبغی شاهداً حسیاً فی هذا المجال ولهذا جسَّد له الله هذا المشهد کی یتجسّد أمامه المعاد الجسمانی بکل ما تعنیه هذه الکلمة من معنى ولیشاهده بأمّ عینیه کی یطمئن قلبه.
