المعاد یکمن فی أعماق الروح

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
1 ـ برهان الفطرةالمعاد یتجلى فی الفطرة

قد یحتمل البعض بأنّ الآیة الاُولى المذکورة أعلاه لا تشیر إلاّ إلى الفطرة التی تهدی إلى معرفة الله، لکن التعمق فی الآیة یهدی إلى أنّ موضوع دلالتها عام، وأنّها تعتبر الدین کله فطریاً، بمعنى جمیع الاصول الاعتقادیة، بل حتى عموم فروع الدین فطریة وأنّ الأحکام الشرعیة موجودة فی أعماق الفطرة بصورة إجمالیة.

قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّیْنَ حَنِیْفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتى فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لاَتَبْدیلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِکَ الَّدِیْنُ اِلْقَیّمُ وَلکِنَّ اَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُون).

وهکذا نلاحظ أنّ کلمة «دین» قد تکرر ذکرها مرتین فی الآیة، ولیس ذلک إلاّ لأجل الدلالة على جمیع الحقائق الدینیة، وهو سبحانه وتعالى یؤکد بالقول: «فطرة الله» ثم یضیف إلى ذلک: «لا تبدیل لخلق الله» ویؤکد ثالثاً، على هذه المسألة ویقول: «ذلک الدین القیم».

وبهذا یستخدم التأکید ثلاث مرات على أنّ الدین امر فطری بالنسبة للإنسان(1).

ویستفاد من مجموع ماورد فی هذه الآیة أنّ مسألة معرفة الله لیست هی القضیة الوحیدة التی فطر الله الإنسان علیها، بل إنّ الاعتقاد بالقیامة ومحکمة العدل الإلهیّة کذلک.

والجدیر بالذکر هو أنّ الروایات التی وردت فی تفسیر هذه الآیة قد أشارت إلى هذا المعنى أیضاً.

جاء فی الحدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه عندما سُئل عن معنى الفطرة فی هذه الآیة، أجاب: هی الإسلام(2).

وجاء فی الدر المنثور نقلا عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: فطرة الله التی فطر الناس علیها: دین الله(3).

وجاء فی حدیث مشهور روی من طرق الشیعة والسنة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال:

«مامن مولود إلاّ یولد على الفطرة فأبواه یهوّدانه وینصرانه ویُمجسانه...»(4).

وفی الآیة الثانیة اقسم تعالى بأمرین: (لاَأُقْسِمُ بِیَومِ الْقِیَامَةِ * وَلاَ اُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).

یرى البعض أنّ «لا» تحمل معنى النفی فی هذه الآیة، فیکون مفهومها هو أننی لا اقسم بهذین الأمرین، والغرض من ذلک هو التأکید، کما لو نقل لأحد: أنا لا أقسم بحیاتک من أجل بیان أنّ حیاتک أرقى من أن ینالها قسمی.

لکن أکثر المفسرین یرى أنّ «لا» زائدة جاءت من أجل التأکید، فبناءً على هذا أقسم الله بـ «یوم القیامة» کما أنّه أقسم بـ «النفس اللوامة» أیضاً.

و«النفس اللوامة»: هی وجدان الإنسان وضمیره الذی یلومه على ارتکاب الذنوب، وکلمّا کانت الخطیئة أکبر کان توبیخ الضمیر وعذاب الوجدان أشدّ، وقد یقدم بعض الناس على الانتحار من أجل الخلاص من العذاب الحاصل من ارتکاب الذنوب العظیمة أو الجرائم البشعة، وقد سمع أو رأى أکثرنا بهذا الأمر بالنسبة للقتلة الذین ارتکبوا جرائم عظیمة أو الذین اقترفوا ذنوباً کبیرة.

وذکر هذین الأمرین (یوم القیامة النفس اللوامة) مقترنین بعنوان موضوعین عظیمین وقیّمین یستحقان القسم بهما إنّما هو من أجل الدلالة على الرابطة الموجودة بینهما... فیوم القیامة هو المحکمة الإلهیّة الکبرى و«النفس اللوامة» هی محکمة مصغرة وقیامة تستقر فی أعماق روح کل إنسان، أو بتعبیر آخر کأنّ هذا التقارن یقول بلسان الحال کیف تشکّون فی محکمة یوم القیامة وأنتم تشاهدون فی أعماقکم نموذجاً مصغراً منه؟ إنّکم تلمسون ذلک کثیراً فعندما تعملون عملا صالحاً تمتلئون نشاطاً وبهجة، فهذه السکینة وارتیاح الضمیر هو ثواب تمنحه أیّاکم روحکم، وعندما تقترفون ذنباً تألمون وتنهال علیکم سیاط الضمیر من أعماقکم، فهذا العذاب هو عقاب تعیّنه لکم محکمة الضمیر!.

فإن کانت هناک محکمة فی أعماق کل واحد منکم فکیف لا توجد هناک محکمة الهیة عظیمة على مستوى الکون العظیم؟!

وممّا یجلب الانتباه هو القسم بنفس یوم القیامة لإثبات یوم القیامة، فکأنّه یقول: قسماً بیوم القیامة إنّ القیامة حق(5).

وهنا یطرح السؤال الثانی نفسه وهو: إن کان هذا القسم موجّه للمؤمنین فلا داعی له هنا، وإن کان موجه للمنکرین فکیف یقسم بما لا یؤمنون به؟!

وللتخلص من هذه المعضلة قدّر بعض المفسرین کلمة «ربّ» وقالوا إنّ التقدیر هو اُقسم بربّ القیامة بأنّ القیامة واقعة(6).

واحتمل أیضاً أنّ هذا القسم جاء تأکیداً للذین یؤمنون بأصل یوم القیامة إلاّ أنّهم یشککون فی تفاصیلها، فالقرآن یقسم بأصل یوم القیامة لإثبات التفاصیل التی وردت بعد القسم فی الآیة.

وهناک تفسیر آخر یحتمل أن یکون افضل من التفسیرین السابقین، وهو: إنّ القرآن أشار بذلک إلى أنّ الاعتقاد بیوم القیامة بلغ من البداهة حداً کبیراً حتى أنّه یُقسم به فی مقابل المعاندین، وبتعبیر آخر أنّه استعان بفطرتهم على دحض آرائهم.

وأمّا بالنسبة لـ «النفس اللوامة» فللمفسرین أقوال کثیرة فیها حتى نقل أحدهم ستة تفسیرات لها، منها: إنّها للدلالة على النفس المؤمنة التی تلوم نفسهـا حین التقصیر.

ومنها: أنّها للدلالة على النفس الکافرة التی تلوم نفسها یوم القیامة عندما تشاهد أعمالها.

ومنها: أنّها ذات مفهوم اشمل من المؤمن والکافر.

ومنها: أنّها إشارة إلى آدم(علیه السلام) بعد طرده من الجنّة.

لکنّ المنـاسب للمقام ووجـود القسم الدال على السموّ، والشرف للاقتران بیوم القیامة هو أنّ النفس اللوامة هی نفـوس المؤمنـین الذین لم یبلغوا بعد حدّ الکمال.

توضیح ذلک: إنّ النفوس الإنسانیة على ثلاثة أنواع: فنوع من النفوس «مظلمة» لا ترى قیمة للقسم ولا تبدو علیها آثار السیر نحو الکمال ولا التنبیه من الغفلة ولا تحمل شیئاً من آثار یوم القیامة، فهؤلاء هم أصحاب «النفوس الأمارة» النفوس التی تأمرهم دوماً بالإساءة واقتراف الخطایا.

وهناک نفوس أخرى «نصف نورانیة» تسیر نحو الکمال على منهج الحق، وهذه النفوس کلما ارتکبت خطیئة بمقتضى الحیثیة المظلمة فإنّها تصحو من غفلتها بفعل نور الإیمان وتبدأ بلوم نفسها وتوبیخها... ذلک اللّوم الذی یصبح سبیلا لنیل الکمال، وهی نفس رفیعة ونموذج مصغّر من مشاهد القیامة والتی تُدعى بـ«النفس اللوامة».

وثالثاً النفوس النورانیة تماماً، فکلها «نور وصفاء» فقد تجاوزت النفس اللّوامة إلى مرحلة الاطمئنان والسکینة فجاءها خطاب: (یَااَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَةُ) وقد أمرت بالرجوع إلى منبع الکمال المطلق بخطاب (ارْجِعِى) فدخلت فی روضة عباد الله الصالحین فهی: (رَاضِیَةً مَرْضِیَّةً).

وقصارى الکلام فی تفسیر هذه الآیة وکیفیة دلالتها على المراد هو إنّ هذا التقارن بین القسمین مع الأخذ بنظر الاعتبار فصاحة القرآن وبلاغته لا یمکن أن یکون مصادفة، بل یجب أن تکون هناک علاقة بین یوم القیامة وبین النفس اللّوامة، وهذه النسبة هی أنّ کل إنسان (إن لم تنحرف فطرته بفعل التربیة الخاطئة) له وجدانٌ یؤنبهُ عند رکوب الخطایا ویستحسن فعله للخیر.

وهذا الوجدان الشخصی الذی هو عبارة عن محکمة صغیرة تستقر فی روح الإنسان، دلیل على ضرورة وجود ضمیر کبیر لهذا العالم العظیم یحاکم ویلوم المجرمین ویعاقبهم، وما هذا الضمیر الکبیر إلاّ یوم القیامة.


1. «حنیف» بمعنى خالص أو لا یوجد فیه أی منعطف نحو الضلالة، والأصل فی الاستعمال هو «المیل» إلاّ أنّها جاءت هنا بمعنى الانعطاف نحو الحق، و«الفطرة» من مادّة «فطر» على وزن (سَطَرَ) بمعنى الشقّ، وبما أنّ الإنشاء والخلق کأنّه شق لحجاب العدم فقد استخدمت هذه الکلمة فی الخلق والإنشاء، و«قیّم» بمعنى ثابت وذو استقامة.
2. تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 184، ح 54.
3. تفسیر در المنثور، ج 5، ص 155.
4. تفسیر در المنثور، ج 5، ص 155; وتفسیر جامع الجوامع فی تعلیقه على الآیة المعنیة; وکذلک فی تفسیر المیزان، ج 21، ص 188.
5. یجب الالتفات إلى أنّ «ماجاء القسم من أجله» محذوف فی الآیة، والدلیل علیه فی الجملة اللاحقة فیکون التقدیر «لتبعثن یوم القیامة».
6. تفسیر الکبیر، ج 30، ص 216.

 

1 ـ برهان الفطرةالمعاد یتجلى فی الفطرة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma