الإیمان بالمعاد وعلاقته بالرؤیة الواقعیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
لو آمنوا بالمعاد لما ارتکبوا الذنوبثمرة البحث

طرحت هذه المسألة بشکل جدید فی الآیة الحادیة عشرة، حیث قال تعالى: (إِنَّ الَّذِینَ لاَیُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَیَّنَا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ یَعْمَهُونَ).

وکما اشتهر لدى علماء الأدب وعلماء علم اُصول الفقه أنّ هذا هو من باب تعلیق الحکم على الوصف، وهوَ یُشعِرُ بعلّیة الوصف للحکم، بناء على هذا إنْ کانت الآیة تنسب تزیین الأعمال إلى عدم الإیمان بالآخرة فیکون مفهومها هو: عندما یفقد الإنسان الإیمان بالآخرة فإنّه سوف یبتلى بهذه العاقبة، (فتأمّل).

کما یمکننا الحصول على هذه النتیجة أیضاً بإعمال شیء من التحلیل وهی: إنّ الإِیمان بالآخرة بمعنى الإیمان بوجود محکمة عادلة یباشر الباری تعالى فیها القضاء، وإنّ الشهود هم الملائکة، وإنّ الکذب والاحتیال والشفاعة والرشوة لا تنفع هناک، فالایمان بوجود هذه المحکمة یبعث الإنسان على التدقیق فی أعماله، ویجعله ینظر إلیها من منظار الواقع.

أمّا بالنسبة لمن یبتعد عن هذه الحقیقة ویشعر بأنّه حرّ أمام الفوارق الموجودة بین المفاهیم من حسنها وسیئها، فإنّ ذلک یؤدّی بالإنسان الأنانی إلى الإتیان بالاعذار والتبریرات لخداع نفسه وخداع الآخرین فی اضفاء صبغة التقوى والصلاح على شهواته الجموحة، واظهار السیئات بمظهر جمیل ممّا یؤدّی به فی النهایة إلى الوقوع فی أحضان الحیرة والضیاع، (وهذا یستفاد من فاء التفریع التی تدلّ على السببیة) وهذا من أخطر النتائج المترتبة على إنکار المحکمة الإلهیّة العظمى.

ومن الجدیر بالالتفات هنـا هو أنّ تزیین الأعمال نُسبَ إلى الله، بینما اُسند ذلک إلى الشیطان وحب الهوى فی آیات اُخرى من القرآن المجید (فی ثمانیة موارد)، کما ورد بصیغة المبنی للمجهول «زُیّن» فی آیات عدیدة اُخرى (فی عشرة موارد)، وإذا ما تأمّلنا فی ذلک لوجدنا أَنها تشیر إلى حقیقة واحدة هی:

إذا اُسند التزیین إلى الله فذلک لأنّ الله هو مسببب الأسباب، لأنّ کل ما للمخلوقات من أفعال تنتهی أخیراً إلى الله، أو بتعبیر آخر إنّ الله جعل هذا الأثر مترتباً على إنکار یوم القیامة أو على تکرار أعمال السوء، کی تظهر هذه الأعمال بمظهر حسن فی نظر الإنسان وتُسْلَبُ منه قوّة التمییز بین الحسن والقبیح.

أمّا إذا اُسند التزیین إلى حب الهوى أو إلى الشیطان فذلک لأنّ هذین هما العلّة القریبة والمباشرة فی تزیین الأعمال السیئة.

وأمّا لو اُسند التزیین إلى الفاعل المجهول فذلک للدلالة على أنّ طبیعة إنکار القیامة أو الاصرار على ارتکاب السیئات، تقتضی اعتیاد الإنسان على تلک الأعمال أولا، ثم تصبح تلک الأعمال محبوبة لدیه وتلبس ثوب الحسن فی نظره.

ومن البدیهی أنّ تزیین الأعمال یجّر وراءه الضیاع الدائم والحیرة المستمرّة فی وادی الضلالة والانحراف; وذلک لأنّ الإنسان لا یکف عن ممارسةِ عمل ما إلاّ إذا ما وجده سیئاً وَیُلحق به الأذى.

ویتضح ممّا قلناه أعلاه أنّ من فسّر الآیة بأنّ الله یُزیّن أعمال هؤلاء فی نظرهم، فیصیبهم الغرور فیبتلون بالضیاع، أنّ تفسیره غیر مناسب، ومن المحتمل إنّ هؤلاء اتجهوا إلى هذا التفسیر بسبب عدم تمکنهم من حل مغزى ما جاء فی الآیة من نسبة التزیین إلى الله، ففسروها بهذا التفسیر المخالف للظاهر.

وفی الآیة الثانیة عشرة والأخیرة من الآیات المعنیة بالبحث توجّه تعالى بالخطاب إلى النبی(صلى الله علیه وآله) فقال: (وَإِذَا قَرَأْتَ القُرَآنَ جَعَلْنْا بَیْنَکَ وَبَیْنَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّستُوراً)، ثم اضاف تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً).

وهنا أیضاً نواجه مسألة «تعلیق الحکم على الوصف» أی أننا نرى أنّ مسألة وجود الحجب المعنویة بین النبی(صلى الله علیه وآله)والمشرکین وإسدال الحجب على القلوب وانسداد آذانهم تَرَتّبتَ على وصفهم بعدم الإیمان بالآخرة، وهذا یدل بوضوح على أنّ عدم الإیمان بالمحکمة الکبرى یؤدّی إلى ظهور هذه الحجب والابتعاد عن إدراک الواقع، ودلیل ذلک واضح وهو: إنّ عدم الاکتراث بالحساب وجزاء الأعمال یؤدّی بالإنسان إلى رکوب مرکب الغرور والأنانیة والعناد والتعصّب وعبادة الهوى، ففی مثل هذه الحالة کیف یتمکّن من أن یرى الحقائق کما هی ویؤمن بها.

فهل یوجد حجاب أسوأُ من حجاب الهوى، وهل یوجد مرکب أسوأُ من مرکب الأنانیة والغرور؟

قال بعض المفسّرین: إنّ المراد من «الحجاب المستور» هو حجاب وجدار غیر مرئی کان یحجب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) عن أنظار المشرکین، حین تلاوته للقرآن کی لا یرونه لیکف عنه أذاهم، وقد روی فی سبب نزول الآیة ما یشابه ذلک أیضاً.

لکنّ ظاهر الآیة ینافی هذا التفسیر; وذلک لأنّ ظاهرها یدل على أنّ هذا الحجاب یمنع من فهم وإدراک الحقائق واللطائف القرآنیة، بناءً على هذا یجب القبول بأنّ المراد من هذا «الحجاب المستور» هو تلک الحجب المعنویة، التی تمنع عیون وآذان وقلوب المشرکین عبّاد الهوى الأنانیین المتعصبین من إدراک وفهم المعارف القرآنیة السامیة.

وهذا هو ما أشارت إلیه الآیات المتعددة، والذی بحثناه مفصلا فی الجزء الأول من هذا الکتاب تحت عنوان «حُجُب المعرفة»(1).

وجاء فی ما یقارب هذا المعنى أیضاً فی قوله تعالى: (فَالَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُّنکِرَةٌ وَهُمْ مُّستَکْبِرُونَ). (النحل / 22)

فهنا اُشیر أیضاً إلى أنّ «عدم الإیمان بالآخرة» هو من عوامل «إنکار الحق والمکابرة».


1. وصف «الحجاب» بـ«مستور» یستخدم أحیاناً فی معناه الظاهری، أی «الحجاب اللامرئی» وأحیاناً قیل: إِنّ اسم المفعول هنا جاء بمعنى اسم الفاعل فمستور هنا جاء بمعنى ساتر.

 

 

لو آمنوا بالمعاد لما ارتکبوا الذنوبثمرة البحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma