بعض هذه التعبیرات تتحدّث عن الوقائع التی تحدث فی العالم عند ظهور مقدمات القیامة، والبعض الآخر یتعلق بأحوال البشر فی ذلک الیوم، ویخبر قسم آخر عن انتهاء کل شی.
التعبیر أعلاه هو من ضمن التعبیرات التی تتعلق بـ«مقدمات القیامة» بعد الإشارة إلى عدد من مکافآت المحسنین وعقوبات المسیئین، قال تعالى: (یَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ کَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ کَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق نُّعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنَا إِنَّا کُنَّا فَاعِلِینَ). (الانبیاء / 104)
«السجل»: من مادة (سَجْل) على وزن (سَطْل) بمعنى الدلو الکبیر المملوء بالماء، وقیل إنّه بمعنى «الجمع والادِّخار لأجْل الاراقة والنثر»، من أجل هذا اطلقوا کلمة «سَجْل» على الدلو الکبیر، واطلقوا کلمة «سِجِلّ» (بکسر السین والجیم وتشدید اللام) على الصحائف التی تکتب علیها المطالب وتطوى أحیاناً کما کانت تطوى «الوثائق» فی السابق، ویستعمل طی السجل فی هذا المورد.
ویعتقد البعض أنّ السِجلّ بمعنى الملفّات التی تکتب وتحفظ فیها الدعاوى واُمور اُخرى مشابهة، لذا جاء التسجیل بمعنى التقریر والإثبات(1).
على أیّة حال فإنّ ظاهر الآیة یشیر إلى أنّ السماء کلها تطوى عندما یفنى العالم وتبدأ القیامة، فتصیر بصورة قطعة واحدة کما کانت علیه فی البدایة، وهذا ممّا صرح به العلم الحدیث، وهو أنّ العالم فی البدایة کان على شکل حزمة واحدة ثم دار حول نفسه بسرعة تحت تأثیر علل خفیة وتناثرت اجزاءه تحت تأثیر القوة الطاردة عن المرکز وهو الآن فی حال الاتساع والانبساط ثم یعود ثانیةً وبسرعة إلى الانقباض والاتجاه نحو المرکز، ثم أخیراً تعود الأجزاء إلى بعضها وتشکّل حزمة واحدة، وهذه هی نهایة نظام هذا الکون.
ثم تبدأ حرکة جدیدة وتظهر سموات وأرض جدیدة لعالم اخر، وعلى هذا المعنى فلا حاجة إلى تفسیر الآیة بالمعنى الکنائی، ولو أنّ کثیراً من المفسرین مالوا إلیه، وربّما کان ذلک بسبب عدم وجود هذا التفسیر فی ذلک الزمان.
لکن انطواء السموات فی أیّة صورة کان، لا یعنی فناءها المطلق وانعدام العالم المادی; وذلک لأنّ القرآن أشار فی آیات متعددة وبصراحة إلى أنّ الناس یخرجون من القبور وتعود الحیاة إلى رفاتهم وتبقى الذرات الحاصلة من تفسخ أبدانهم وتجمع وتبدأ حیاةً جدیدة.
1. القاموس; والمفردات; والتحقیق وکتب اُخرى.
