إن شککتم بأمر القیامة فانظروا إلى الجنین!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهیدثمرة البحث

فالآیة الاُولى فی هذا الباب هی نداء لجمیع البشر، البشر الذین لا یحدّهم زمان ولا مکان، قال تعالى: (یَاأَیُّهَا النَّاسُ إِنَ کُنْتُمْ فِی رَیْب مِّنَ الْبَعْثَ فَإِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِّن تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة مُّخَلَّقَة وَغَیْرِ مُخَلَّقَة لِّنُبیِّن لَکُمْ).

فهو یشیر إلى أربع مراحل من خلق الإنسان (وهی مرحلة التراب، ثم النطفة، ومن بعدها العلقة، ثم المضغة، وکل مرحلة هی بنفسها تعتبر عالماً عجیباً وصعب المنال).

ثم یواصل البیان فیقول تعالى: (وَنُقِرٌّ فِی الاَْرْحَامِ مَانَشَاءُ إِلَى أَجَل مُّسَّمىً)، وأخیراً وبعد سلوک هذا الطریق الوعر (ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلا).

بعد ذلک یبیّن المراحل المختلفة لحیاة الإنسان فی هذه الدنیا، ثم یلتفت إلى عالم النبات ویأتی بمثال آخر من امثلة استقرار البذور النباتیة فی باطن الأرض ویشیر إلى إحیاء الأرض المیّتة بواسطة المطر فیضیف تعالى قائلا: (ذَلِکَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ یُحْىِ الْمَوْتَى وأَنَّهُ عَلَى کُلِّ شىء قَدِیرٌ).

فهو یسلّط الأضواء على البعد التوحیدی لهذه الظواهر المهمّة للوجود حیناً، ویُسَلِّطُ الأضواء على بُعد المعاد حیناً آخر.

وفی هذه الآیة توجد إشارات دقیقة ولطیفة تساعدنا على التوصّل إلى هذه الغایات وهی:

1 ـ مع أنّ منکری المعاد یقطعون بنفی المعاد إلاّ أنّ القرآن یخاطبهم بالقول: (إن کنتم فی ریب...) وهنا یدل على أنّه لا یوجد هناک أیّ دلیل على إنکار هذه الحقیقة، وأکثر ما هنالک هو أنّکم من الممکن أن ترتابوا فی أمر المعاد، ومن الواضح أنّ المرتاب ما علیه إلاّ الفحص والتحقیق لا الانکار!.

والجدیر بالذکر هنا أنّ «ریب» جاءت بصورة النکرة، وفی هذه الموارد تأتی لبیان حقارة الأمر، أیْ إنَّ شکّکم فی هذا المجال هو شکٌّ سقیم ولایُعتدُّ به أیضاً، لأنّ أدلةَ المعادِ نشاهدها جلیّة التردّد.

2 ـ قد یکون شروع الآیة بالحدیث عن خلق الإنسان من التراب إشارة إلى خلق آدم(علیه السلام) أو جمیع الناس منه، لأنّ أصل المواد التی تشکل القسم المهم من جسم الإنسان من التراب، وعلى أیّة حال فإنّ خلق الإنسان من تراب دلیل واضح على إمکان إحیاء الموتى.

3 ـ الحدیث فی هذه الآیة کان أولا عن خلق الإنسان من التراب، وبعد ذلک تحدثت الآیة عن مسألة «البلوغ الجسمی والروحی» ثم عن «الکهولة والمشیب» فیصبح عدد تلک المراحل المختلفة سبع مراحل، وإنْ کان هدفنا هو المراحل الخمس الاُولى التی تمثل کل واحدة منها حیاة جدیدة وولادة جدیدة ومنظر من المعاد.

4 ـ وجملة «لنبیّن لکم» یمکن حملها على محملین، فمن الممکن أن یکون المراد من البیان هو بیان علم وقدرة الخالق ومسألة التوحید، کما أنّه من الممکن أن یکون المراد هو بیان مسألة المعاد أی الحیاة بعد الموت.

5 ـ والظریف فی الأمر هو أنّ کافة التحولات الهائلة والعجیبة التی تحدث فی مرحلة الحیاة الجنینیة، حیث إنّ الفترة التی تمربها النطفة، تلک الذرة الصغیرة حتى تصل إلى مرحلة الإنسان الکامل، تمثل فترة قصیرة تساوی التسعة أشهر، ففی هذه الفترة تحدث أمور عجیبة وغریبة، لو سطرناها فی کتاب فإنّ الوقت اللازم لقراءة هذا الکتاب یستغرق زماناً أطول من تسعة أشهر، فأمام هذه الآیات والعلامات الواضحة، هل یمکن لأحد أن یفسح مجالا للشک والریبة فی مسألة إمکان المعاد؟!

وفی الآیة الثانیة جی بنفس هذا المعنى ولکنها أَتَتْ بنحو آخر وهی فی الحقیقة بیانٌ لما جاء فی بدایة سورة القیامة فی قوله تعالى: (أَیَحْسَبُ الإِنْسَانُ أنْ لنْ نَّجمَعَ عِظَامَهُ)؟!

فإنّه تعالى یتحدّاهم ویقول لهم ماذا تظنون؟ (اَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنى یُمنَى * ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوجَینِ الذَّکَرَ وَالاُْنْثَى). (أَلَیسَ ذَلِکَ بِقَادِر عَلَى اَنْ یُحْیِىَ الْمَوْتَى).

فهو یکتفی فی هذه الآیة بذکر أربع مراحل لتطورات الجنین فقط: مرحلة النطفة، فالعلقة، فتسویة الأعضاء، وظهور جنس الجنین ذکراً هو أم انثى.

و«النطفة»: على ماقاله بعض أصحاب اللغة هی بمعنى الماء الصافی، ولهذا اطلقوا کلمة نَطَفَ» على اللؤلؤ(1).

لکنّ البعض فسّروها بمعنى الکمیّة القلیلة من ماء، أو ما تبقّى من الماء فی الأناء(2).

وصرّح البعض الآخر أیضاً بأنّ النطفة هی بمعنى الماء الصافی، قلیلهُ أم کثیرهُ(3).

والبعض الآخر اعتبر هذه المعانی کلّها جزءً من معانی النطفة ولکنّ الفرق هو أنّ «النُّطْفَة» بمعنى الماء الصافی أو الماء القلیل و«النُّطفَة» بمعنى اللؤلؤ.

ومن الجدیر بالذکر أنّه طبقاً للتحقیقات التی اجراها مؤخراً بعض العلماء هو أنّ هذا الماء القلیل الذی یسمى «بالنطفة» مرکّب من میاه مختلفة تترشّح من غدد مختلفة فی الجسم، فقسمٌ منه یترشّح من البیضتین اللتین تحتویان على مادّة «الاسبرماتوزوئید»، وقسمٌ منه یترشّح من أکیاس البَیْض التی توجد بالقرب من غدّة «البروستات»، القسم الثالث یترشّح من نفس غدّة «البروستات» فیستمدّ شکله الظاهری ورائحته الخاصّة من تلک الغدّة والقسم الرابع یترشّح من غدد «الکوبر» وغدد «اللیترة» اللتین تقعان جنب مجاری الادرار.

وهذه المیاه الخمسة تختلط مع بعضها بنسب دقیقة ومبرمجة وتشکّل مادّة الحیاة، ومکتشف هذه المعلومات عالم فرنسی شُغف بحب القرآن والإسلام وکتب کتاباً فی هذا المجال، ویعتقد هذا العالم بأنّ کلمة «امشاج» (أی مختلط) التی ورد ذکرها فی القرآن کان محتواها خفیاً على الناس والعلماء. أقتبست هذه العبارات من کتاب (المقایسة بین التوراة، والانجیل والقرآن والعلم) تألیف الدکتور بوکاری وترجمة المهندس ذبیح الله دبیر (ص271).

وعلى أیّة حال فإنّ اطلاق هذه العبارة على الماء الذّی یتدفّق من الرجل عند ممارسته العملیة الجنسیة هو من أجل التناسب الواضح الموجود بینها وبین المعنى الرئیسی.

و«مَنیّ»: من مادة «مَنْی» (على وزن مَنْعْ) وهی بمعنـى تعیین العـاقبة والتقدیر، لذلک أطلقُوا «المنیّة» على الموت و«الأُمنیّة» على الآمال، والسبب فی اطلاق هذه الکلمة على الماء الذی یخرج من صلب الرجل لأنّه قُدّر له أن یکون إنساناً(4).

بناءً على هذا یکون مفهوم جملة: (أَلَمَ یَکُ نُطْفَةً مِنّ مَّنىٍّ یُمْنَى) هو: ألمْ یکن الإنسان فی بدایته ماءً مهیناً قُدِّر أن یُخلق الإنسانُ منه(5)؟

إنّ کل مرحلة من المراحل الأربعِ التی بینتها هذه الآیة نموذج واشعاع جدید من الحیاة الدنیا والحیاة بعد الموت، ومن الممکن أن تکون کل مرحلة دلیلا واضحاً على قدرة الخالق من جهة، ودلیلا على إمکان مسألة المعاد والحیاة بعد الموت من جهة اُخرى، على الخصوص فی مجال تعیین جنس الـنطفة من ذکر أو أُنثى.

إنّ المسائل المتعلّقة بعلـم الجنین مـن أعقد وأعجب المسـائل، والقـانون المهیمن على هذا العلم لم یتضح لحدّ الآن حتى لدى الحاذقین من العلماء، وکل ما لدینا من العلم أنّ مسألة تشخیص جنس الجنین فی رحم الاُم غیر ممکن أبداً، ولا یتمیّز إلاّ بعد وصول الجنین إلى المراحل النهائیة من الحمل، ونحن نعلم أیضاً بوجود قوانین دقیقة تهیمن على تلک الأُمور، هذه القوانین التی توجد التعادل والتقارب بین تعداد کلٍّ من الجنسین، لکنّ جزئیات وتفاصیل تلک الاُمور ظلّت مخفیة وراء حجاب الابهام.

فلو افترضنا أنّ فی کل عشر ولادات تسع منها إناث وواحد منها ذکر أو بالعکس، فسوف یحدث اختلال عجیب وفوضى مخیفة وصراع رهیب فی المجتمع الإنسانی!

وفی الآیة الثالثة بعد أن بیّن الله تعالى قدرته، قال: (وَاَنَّهُ خَلَقَ الزَّوجَیْنِ الذَّکَرَ وَالاُْنْثَى * مِنْ نُّطْفَة إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَیْهِ النَّشأَةَ الاُْخْرَى).

فالقرآن وإن لم یصرّح بهذه الحقیقة وأنّه یمکن أن نتوصل إلى إثبات النشأة الآخرة عن طریق المقایسة بینها وبین تطورات الجنین، إلاّ أنّه یمکننا عن طریق ارتباط الآیات فیما بینها أن نجعل الأمر الأول دلیلا وشاهداً على الأمر الثانی کما انتبه إلى ذلک بعض المفسرین أیضاً(6).

و«النشأة الآخرة»: بمعنى «الایجاد الآخر» والمراد منه برأی الأکثریة الساحقة من المفسرین «الحیاة الاُخرى» لکنّ البعض أصرَّ على أنّ المراد منه مرحلة نفخ الروح فی الجنین وجعلوا آیة: (فَکَسَونَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ). (المؤمنون / 14) دلیلا على مدّعاهم الآنف.

لکن عند مراجعة هذا التعبیر: (قُلْ سِیرُوا فِی الاَْرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدأَ الْخَلْقَ ثُـمَّ اللهُ یُنْشِىءُ النَشْأَةَ الاْخِرةَ). (العنکبوت / 20)

و ما شابه هذا التعبیر فـی آیـات اُخرى من القرآن یتضح لنا جلیّاً أنّ المراد من النشأة الآخرة یوم القیامة، حیث قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاُْولَى فَلَوْلاَ تَذَکَّروُنَ).(الواقعة/62)

وفی الآیة الرابعة وردت هذه الحقیقة أیضاً وبشکل آخر وبصورة اجمل واوجز واوضح، قال تعالى: (قُتِلَ الاِْنسَانُ مَااَکْفَرَهُ * مِنْ أَىِّ شَىء خَلَقَهُ * مِنْ نُّطْفَة خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَاَقبَرَهُ * ثُمَّ إذا شَاء أَنْشَرَهُ).

أشارت هذه الآیات أولا إلى خلق الإنسان من نطفة، ثم أشارت إلى تکامل الجنین إشارة مبهمة، بعد ذلک أشارت إلى مسألة الموت، ثم إلى الحیاة بعد الموت، أمّا العلاقة والرابطة الموجودة بین هذه المسائل فهی إمکان الاستدلال بکل واحد من هذه الاُمور على إثبات الأمر الآخر.

وهنا توجد عدّة اُمور تجلب الانتباه:

1 ـ إنّ جملة «خلقهُ فقدّره» جملة عمیقة المغزى، فقد صُبّت فیها جمیع مراحل تطورات الجنین فی مرحلة الحمل، فالتقدیر فی أصل وجوده، وفی أعضاء بدنه، وفی ترکیب أجزائه، وفی احتیاجاته المتعددة وفی الفواصل الزمانیة المختلفة التی علیه أن یقطعها للوصول إلى مراحل تکامله، إنّ الله تعالى قدّر کل ذلک له، ووضع له نظاماً متقناً.

بناءً على هذا جیء بجملة «خلقه» للدلالة على المرحلة الاُولى لخلق الإنسان من النطفة وبجملة «قدّرهُ» للدلالة على جمیع المراحل التی تلی فیما بعد.

2 ـ وجملة «ثُمَّ السَبِیلَ یَسّرَهُ» أیضاً من الجمل العمیقة المغزى ومن الجمل الجذّابة التی یمکن أن تکون دلیلا على الاُمور الآتیة:

تسهیل طریقِ الولادة أمامه بعد خوض مراحل التکامل، فالجنین الذی یکون رأسه إلى الأعلى فی حالته الطبیعیة یتغیّر وضعه فجأة ویتدلّى رأسه إلى الأسفل، وذلک لإعداده للولادة الطبیعیة وفی نفس الوقت ترتخی عضلات الأُمِّ الموجودة فی طریق الولادة وتتهیأ لوضع هذا المولود، ثم یحصل ضغط على الجنین من جمیع أنحاء الرحم کی یتیسّر علیه طریق الخروج من الرحم، بعد ذلک یتمزّقُ فجأة الکیس المملوء بالماء الذی کان یسبح فیه الجنین أیّام الحمل العادیّة فیترطّب مسیر الخروج المعدّ للمولود، وخلاصة الکلام إنّ جمیع الأمور تُعدّ وتتیسرُ له من أجل دخوله إلى دنیا جدیدة.

ومن جهة اُخرى أودعه الله العقل وأنواع الغرائز، وکلّ واحد من هذه الاُمور یفتح أمامه طریق الحیاة.

ومن ناحیة اُخرى أرسل إلیه الرسل والکتب السماویة کی یتیسر له سبیل الطاعة وعبادة الله وطریق سعادته.

إضافة إلى ذلک دلّ هذا التعبیر على أنّ الإنسان خُلِقَ مریداً ومختاراً فی تصرفه، لأنّه تعالى لم یقل وسلکناه السبیل بل قال یّسرنا له السبیل، فهو مختارٌ فی سلوکه.

وفی الآیة الخامسة والأخیرة إشارة إلى مراحل تکامل الجنین أیضاً بصور مفصّله، بل جاء هنـا بتفاصیل أکثر ممّا جاء فی جمیـع الآیـات التی تحدثت عن ذلک، فتعرضت هذه المرّة إلى جزئیات دقیقة، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِنْ سُلاَلَة مِّن طِین * ثُمَّ جَعَلْنَاُه نُطفَةً فی قَرَار مَّکِین(الرحم) * ثُمَّ خَلَقْنَا النٌّطْفَةَ عَلَقَهً (دم متخثر) فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً (تَشْبَهُ اللحم الممضوغ) فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَکَسَونَا العِظَامَ لَحْماً).

وبعد أن بیّن المراحل الخمس ( النطفة والعَلَقةَ والمضغة والعظام واللحـم ) أشارَ إلى امر آخر والذی یعتبر من أهمّ المراحل وهو مرحلة نفخ الروح الإنسانیة، فقال تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) (فَتَبَارَکَ اللهُ اَحْسَنُ الْخَالِقِینَ).

وجملة «فکسونا العظام لحماً» لم تُذکر ضمن مراحل تکامل الجنین إلاّ فی هذه الآیة التی کشفت الستار عن أهمیّة خلق العظام.

ولقد ثبت حدیثاً بأنّ العظام لا تکون هیکلا لحفظ استقامة البدن وحفظ أعضاء الإنسان فحسب، بل إنّ فی عهدتها أَهمَّ الوظائفِ الحیاتیة والبایلوجیة للبدن.

فالعظام تحتوی على جمیع ما یحتاجه الجسم من قبیل الفسفور والکالسیوم والاملاح الاُخرى التی تنظم الأعمال الحیاتیة لجسم الإنسان وضربات القلب وتقویم حرکة العضلات، والأهمُّ من ذلک أنّ العظام تُقدِّم للجسم ما یحتاجه من کریات الدّم الحمر والبیض طیلة عمر الإنسان! ویکفینا أن نعلم بأنّ فی الدقیقة الواحدة تموت مایقارب 180 ملیون کریة حمراء وأنّ العظام تملأ الفراغ الحاصل من موت هذه الکریات بواسطة کریات جدیدة ونشطة!(7).

والجدیر بالـذکر أنّ بعض المفسرین قالوا: ثبت حدیثاً أنَّ أوّل ما یظهر فی الجنین هی خلایا العظام، ثم خلایا اللحم، وهذه الحقیقة رفع القرآن الستار عنها قبل أربعة عشر قرناً عندما لم یکن لأحد علم بها(8).

والتعبیر بـ «الکسوة» عن اللحم هو تعبیر جمیل وجذّاب، فالملابس تُجمِّل جسم الإنسان وفی نفس الوقت تحفظه من اضرار مختلفة، والعضلات کذلک فلو عُدِمَت وبقیت العظام لوحدها فما أقبح منظرها! ومن ناحیة اُخرى إنّ العظام تتأثّر بأدنى ضغط یرد علیها من أىّ جانب وتصاب بعطب کبیر جرّاءَ ذلک، والذی یحفظ العظام تلک الکسوة التی هی العضلات.

وهـذا التعبیر: (ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) الذی ورد ذکره بعد مرحلة تکامل الجنین لم یأتِ إلاّ فی هذه الآیة من القرآن، وهذا البیان العجیب وإن کان قد ذُکِرَ سـابقـاً إلاّ أنّـه یختلف کثیراً عـن ذلک، ذلک لأنّه سمّی هنـا «خلقاً آخر»، حیثُ یـرى أکثر المفسرین أنّ هذه الجملة جاءت للدلالة على خلق الروح، لأنّنا نعلم بأنّ الجنین من یومه الأول وحتى یبلغ ما یقارب الشهر الرابع من الحمل أکثر ما یشبه النبات، فهو ینمو بسرعة من غیر أن یمتلک أىّ حس أو حرکة، ثم تبدأ الأعضاء المُعَدّة لإدراک الحقائق بالظهور تدریجاً وهذا التحول المفاجی (الذی یشبه الطفرة) ظلّ مبهماً على جمیع العلماء ولا یعلم مایطرأ على الجنین حینما ینتقل من مرحلة إلى اُخرى إلاّ الله العالم القادر.

على أیّة حال فإنّ اجتیاز هذه المراحل خلال هذه المدّة الوجیزة دلیل على عظمة مُبدئ عالم الوجود الذی هو الله احسن الخالقین، وفی نفس الوقت دلیل على إثبات وقوع الحیاة بعد الموت التی اُشیر إلیها فی ذیل تلک الآیات.


1. مقاییس اللّغة ومفردات الراغب.
2. لسان العرب.
3. قاموس اللّغة ومجمع البحرین ولسان العرب.
4. تاجُ العروس فی شرح القاموس.
5. لکنّ عدداً من المفسرین لم یفسروا «یُمنى» بمعنى التقدیر، بل فسّروها بمعنى تدفّق ذلک الماء فی الرحم. على أیّة حال فإنّ «من» هنا بیانیة لا تبعیضیة.
6. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 7، ص 631.
7. قرآن برفراز اعصار، ص 187.
8. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 6، ص 16.

 

تمهیدثمرة البحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma