السؤال:
ما تقول مدرسة «أصالة العمل» وما أسلوبها فی تحلیل المسائل الفلسفیة؟
الجواب:
«مدرسة أصالة العمل» منهج من یقتصر بالبحث على الأمور الحسیة والعملیة دون المسائل العقلیة والفکریة المحضة; ونرى أن نبیّن آراء هذه المدرسة بغیة الوقوف على منهجها وملاحظة خطأها:
المسائل الفلسفیة ]وهی سلسلة من المسائل الکلیة والعامة التی لا تختص بموضوع معین; مثلاً البحث حول العلة والمعلول بحث فلسفی; لأنّ مثل هذه الأمور لا تبحث فرعا معینا، أمّا البحث عن الآثار الظاهریة للأجسام «الفیزیاء» أو «باطنها» بحث علمی لا فلسفی[ إلى قسمین:
الأول: المسائل الخارجة عن الحس، ولا یمکن اختبارها بالوسائل العلمیة المادیة ولا قیاسها فی المختبرات، کالمسائل ماوراء الطبیعة التی لا تبحث سوى فی عالم العقل.
الثانی: تلک السلسلة من الأبحاث الکلیة التی یمکن الاستدلال بها على ضوء المسائل القطعیة للعلوم الطبیعیة والریاضیة التی تستند إلى التجربة.
تعتقد مدرسة أصالة العمل أنّ الشکوک تشوب الآراء بشأن تلک الطائفة من المسائل الکلیة التی لا تستند إلى العلوم الحسیة ولا یمکن تجربتها عن طریق الأجهزة العلمیة. ویزعمون أنّ الفلاسفة العقلیین بحثوا لسنوات حول المسائل الفلسفیة وقد اتسعت الخلافات بینهم بشأن هذه المسائل; الأمر الذی یدل على صعوبة هذه المسائل وتعذر حلّها.
هذه خلاصة نظریة هذه المدرسة التی انبثقت فی القرن السابع عشر واستقطبت العدید من الأنصار. أمّا العلماء الإلهیون (الذین لا یقتصرون على الوجود بالمادة والطاقة وینظرون إلیه بواقعیة عریضة) فقد أوردوا العدید من الإشکالات على هذه المدرسة وفنّدوا الأسس العلمیة لهذه النظریة ونشیر هنا إلیها باختصار: ما یقال بالاکتفاء على التعویل على الأمور الحسیة کلام یخالفه عملیاً حتى اتباع هذه المدرسة; ذلک أنّهم یتعاملون مع القضایا بصورة کلیة، مثلاً، یقولون: إنّ سرعة الضوء ثلاثمائة الف کیلومتر بالثانیة; بینما لم تجرب هذه القضیة بصورة کلیة، والذی خضع للتجربة بعض الحالات الخاصة وفی ظروف معینة، ثم عمم بنوع من الاستدلال العقلی، وهو أنّ السرعة المذکورة تتعلق بحقیقة النور ولیس للظروف من نصیب فیها; فللنور هذه السرعة أینما کان.
وبعبارة أوضح: قام العلماء بتجاربهم بشأن سرعة الضوء فی ظروف مختلفة وحیث رأوا هذه السرعة ثابتة فی جمیع الظروف، فقد توصلوا من کل هذه التجارب إلى قانون عقلی کلی فادّعوا أنّ للنور سرعة ثابتة فی کل زمان ومکان، وبدورنا نسألهم: هل کان هذا القانون محسوساً لدیکم بصورة کلیة أم أدرکتم غیر المحسوس ببعض المحسوسات؟ قطعاً الجواب هو التالی، وهکذا یعتمد علماء الطبیعة فی أغلب نظریاتهم وفرضیاتهم على سلسلة من المسائل العقلیة الحدسیة ویتوصلون إلى النتائج، مثلاً، لعلماء الجیولوجیا نظریات فی ظهور الأرض وطبقاتها المختلفة لیست محسوسة لأحد، والمحسوس آثار کعلامات لسلسلة من العلل تحصل عن طریق الحدس والتفکیر.
وما قیل: «إنّ علماء العقل یختلفون دائماً على هذه المسائل فهی غیر قابلة للحل» بعید عن الحقیقة; لأنّ وجه الحقیقة مغطى بحجب تزول إثر الحوار بصورة تدریجیة: والواقع أنّ کل اختلاف خطوة نحو الواقع، والاختلاف لا یدل على عدم وصول هؤلاء العلماء إلى الواقع; بل لما کان الموضوع واسع ومهم فإنّ کل عالم من هؤلاء العلماء أدرک جانباً من الواقع وهکذا تتضح کل یوم سلسلة من الحقائق الجدیدة. فاغلب المسائل الفلسفیة التعقلیة الیوم بهذه الصیغة، ثم تصبح قطعیة بعد اجتیاز عدّة مراحل على أساس اصولهم المعینة لتعتبر من المسائل الفلسفیة المسلمة، وجود المسائل الخلافیة الأخرى لیس بدلیل على عدم تقدم النقاشات الفلسفیة فی المجالات کافّة.
